فاضل المناصفة
لاتزال محاكمة الشابة السودانية ” أمل ” لتي أدينت بتهمة ممارسة علاقة جنسية خارج إطار الزواج وحكم عليها بعقوبة الرجم حتى الموت تثير الجدل، بعد أن دخلت دور محكمة الاستئناف في انتظار أن يتم البث فيها في ظل وضع سياسي حرج تمر به البلاد ألقى بضلالة على نشاط مؤسسات الدولة بما فيها القضاء، الى ذلك تستمر المنظمات الحقوقية وعلى رأسها الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، بالمطالبة بإسقاط هذا الحكم والافراج على المتهمة، معتبرين أن النص القانوني الذي استندت له المحكمة يفتقر الى القواعد الذي ينص عليها القانون الدولي لحقوق الانسان والمساوات بين الرجل والمرأة، كما أن الفتاة قد حرمت من التمثيل القانوني في مرحلة المحاكمة والذي يعتبر حقا يكفله القانون السوداني في المادة 135 من قانون الجنايات، وهي تقبع منذ أشهر في سجن للنساء بولاية النيل الأبيض في انتظار النظر في القضية والحكم نهائيا .
الجدل الدائر في قضية أمل يدور حول عودة شرطة الآداب بعد أن ألغي قانون “النظام العام” الذي طبق طيلة فترة حكم البشير حيث اعتبر الناشطون السياسيون أن عودة الشرطة المجتمعية التي تتحكم في كيفية تصرف النساء وبملابسهن في الأماكن العامة، هو عودة الى عقلية حكم عمرت لعقود طويلة في السودان وانتفض عليها السودانيون مطالبين بتحقيق دولة مدنية تضمن الحقوق والحريات: بعد سقوط نظام البشير أمضت السودان اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب عام 2021، وكان ذلك بمثابة انتصار كبير للقوى الفاعلة في الحراك السوداني الذين رفعوا بشعارات تطالب بإلغاء مظاهر الدولة البوليسية التي تسيئ استعمال السلطة وتجبر الناس الى الامتثال الى قوانين مجتمعية تحد من الحرية الشخصية، كما كان عكس هذا القرار صورة إيجابية للمجتمع الدولي عن التغيير السياسي الحاصل في السودان وبشر بنموذج حكم مدني جديد، الا أنه وحتى بعد توقيع الاتفاقية لا يزال السودان يطبق بعض العقوبات الشرعية مثل حد السرقة والزنا، ويقضي بعقوبات تستند الى النص الديني مثل الجلد وبتر اليدين والقدمين والشنق والرجم ولكن من دون أن يتم تطبيق العقوبة …… حصل هذا مع امرأة تدعى انتصار الشريف عبد الله، التي حُكم عليها بالإعدام رجماً بتهمة الزنا، ولكن أطلق سراحها وطفلها البالغ من العمر أربعة أشهر في عام 2012 بعد ضغط من المبادرة الاستراتيجية للنساء في القرن الأفريقي و منظمة العفو الدولية.
مسألة أخرى تثير الجدل في قضية امل وهي مسألة النص الديني وآلية فهمه وتطبيقه في القانون المدني الذي نص على عقوبة الرجم حتى الموت في قضية الفتاة أمل التي حوكمت طبقا للمادة 146 من القانون الجنائي السوداني التي تنص أن عقوبة الزنا تصل إلى الرجم لمن يرتكب الزنا إذا كان محصناً (متزوجاً)، في حين تكون عقوبة غير المحصن الجلد مئة جلدة : حسب المعلومات المقدمة من محامية المتهمة فان الفتاة قد انفصلت عن زوجها في سنة 2020 وعادت الى العيش مع أهلها، وبعدها بعام اتهمها زوجها بممارسة الجنس خارج إطار الزواج ، وهنا تدخل القضية في أشكال فهم النص الديني : كيف تم اعتبار الفتاة أمل في نظر القانون السوداني؟ زانية محصنة رغم أنها زانية بدون صفة التحصين خاصة وأن هنالك شكوك حول انتزاع اقوالها بالقوة في التحقيق؟ ولماذا لم يتم الحكم على الطرف الثاني في القضية على اعتبار أن الشريعة الإسلامية التي يستند عليها قانون الجنايات السوداني قد قدرت عقوبة الجلد أو الرجم على الطرفين على حد سواء؟
لا يرى المجتمع السوداني حرجا في تطبيق الشريعة الإسلامية اذ ان انكارها أو المطالبة بإسقاطها هو تعد على حدود التي سنها الخالق لردع المذنبين ولكن النص الديني في مسائل الزنا قد واجه أقوالا مختلفة بين من يرى أن حد الرجم للزاني للمحصن ثابت بالكتاب والسنَّة والإجماع، ولكن بعض العلماء والمشايخ لهم رأي آخر، ويقول عصام تليمة أحد الباحثين في جامعة الأزهر الشريف في هذا الباب : ” الرجم لا يتفق مع نصين مهمين في عقاب الزاني؛ الأول: قوله تعالى: {فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب} النساء: 25، والآخر: {يا نساء النبي من يأتِ منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرًا} الأحزاب: 30. ففي الآية الأولى، من حيث تنصيف العذاب، كيف ينصف الرجم؟ وفي الآية الثانية كيف سيضاعف الرجم، والرجم موت، والموت لا يضاعف على الإنسان؟ والشيء الوحيد هنا الذي ينصف ويضاعف هو الجلد، لأنه معدود، ويسهل تنصيفه وتضعيفه بلا شك ”
تقع العديد من الدول الاسلامية التي تستند الى النص الديني في معالجة بعض القضايا مثل الزنا والسرقة تحت ضغوط مؤسسات وهيئات قانونية تهتم بحقوق الانسان وتطالب بإسقاط أحكام مثل الرجم على اعتبار أنها احكام مجحفة في حق الانسان وان القوانين المدنية وجدت لمعاقبة أي سلوك انساني مشين من دون أن يكون هذا العقاب اعلان الحكم بإنهاء حياة شخص بغض النظر عن الجريمة التي قام بها، وقد وافقت السعودية مؤخرا على إيقاف عقوبة الجلد في الجرائم التي تستدعي التعزير من دون ان تقوم بالتعديل في القضايا الحدية، كحد الجلد “للزاني” ولكن لا يتم تطبيق الحد حتى وان وقع الحكم به .
لسنا هنا بصدد إطلاق فتاوي تشرع أو تحرم في باب عقوبة الزنا فلها أهل الاختصاص، ولكننا بصدد تسليط الضوء على قصة الفتاة أمل التي حوكمت محاكمة تقع عليها العديد من علامات الاستفهام اذ انها تعرضت للاستنطاق أثناء التحقيق وعرضت على المحكمة من دون حق التمثيل القانوني، وما يزيد الطين بلة هو وجود السودان في وضع البلد ” المعطل سياسيا ودستوريا ” حيث لا يسمح هذا الوضع للمنظمات الحقوقية بمخاطبة جهة رسمية للمطالبة بإعادة محاكمة المتهمة وفقا لما يكفله القانون أو اطلاق سراحها مادام السودان لا يقوم بتنفيذ العقوبة .
عذراً التعليقات مغلقة