د . ماجد السامرائي
يفرض الواقع الحالي لنفوذ إيران التدميري في العراق تفاعلاً مع الحملة القمعية الجديدة لنظام الملالي ضد شعب إيران وطلائعه الشابة الثائرة بعد مقتل الكردية مهسا أميني، الاستعانة بالتاريخ الإمبراطوري الفارسي القديم ضد الجار العربي لإيران في مقدمته العراق، والقريب وفق حالة متواصلة واحدة، قام الخميني عام 1979 بمعاونة دولية خبيثة بتغطيته بالدين والمذهب الشيعي. للأسف يحاول البعض وضع ستار زائف على حقيقة أن نظامه الحالي لم يخرج عن المسار التاريخي العقائدي المتواصل ما بين اليهود والفرس منذ عهد نبوخذ نصر العراقي الذي قاد كارثة جلائهم من بابل.
إطلالة تاريخية عاجلة مهمة من حيث ربطها بالدوافع والسياسات التي قادها الخميني وبدأها بالعراق ومن بعده خليفته خامنئي بعد تجرع وليّه كأس السم العراقية عام 1987 وأدى إلى نهاية حياته، ضرورة مهمة لإطلاع الأجيال الحالية العراقية والإيرانية المبتلاة بهذا النظام. لم تعد هناك أيّ قيمة تذكر للدعوات البريئة من بعض العراقيين خاصة الشيعة إلى عدم نبش تاريخ الصراع الفارسي – العربي لكي تعيش شعوب إيران والعراق وبلدان الخليج جيرة سلام، فهذه تغطية لجرائم نظام الملالي في إيران والعراق والمنطقة.
نظام ولي الفقيه الحالي يوجه رسائل تغطية مقصودة ومنتقاة بعناية تبعد حقائق العلاقات اليهودية – الفارسية التاريخية، لكن بعد أكثر من ثلاثة عقود على نهاية الحرب العراقية – الإيرانية وموت الخميني ثم صدام على يد المحتلين الأميركان باتفاق مع نظام الولي الفقيه الحالي، التي كان واحدا من أسبابها دوافع الحقد الفارسي على العراق موطن القائد نبوخذ نصر، فقد لبّى القائد قورش الكبير عام 530 قبل الميلاد رغبات اليهود في إرجاع اليهود من السبي. عام 2015 أصدرت إسرائيل طابعاً بريدياً يحمل صورة لأسطوانة طينية اشتهرت باسم بيان قورش تكريماً للملك الذي يعتبرونه محرر اليهود.
◘ من يرغب في كشف الخيوط الكثيرة للتعاون الإيراني – الأميركي – الإسرائيلي سيجدها شبكة محكمة خطيرة عبر علاقات مباشرة لمسؤولين أميركان كبار يدعمون بقاء هذا النظام واستمراره في قمع شعبه
في العصر الحالي، حقبة الشاه سارت على ذات الطريق مع إسرائيل، تحت عنوان “النفط مقابل السلاح”، ثم فضائحها في العهد الخميني في الفترة ما بين 1980 – 1985 من سنوات الحرب العراقية – الإيرانية الثماني. كذبة عداء إسرائيل ورميها في البحر لم تعد بعد أربعين عاماً مقنعة لأبسط الجهلاء في إيران وبلدان العرب، لعل الشغل السري ما بين تل أبيب والضاحية الجنوبية من بيروت، بقيادة وكيل نظام طهران حسن نصرالله، هو الذي أنجح توقيع اتفاقية الحدود ونهاية ما سمّي بالحرب ضد إسرائيل.
إذن الهدف الإستراتيجي الرئيسي للنظام الإيراني هو إيصال الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية إلى قناعة وتسليم بأن تكون طهران شريكاً مهماً في نفوذ المنطقة، قد تكون مبررة لدى تلك الدول لدوافع المصالح، أما بالنسبة إلى طهران هدفها تطويع أنظمة المنطقة بالاحتلال كما الحالة العراقية، أو إثارة الفوضى الطائفية لبلدان الخليج لفرض الهيمنة.
من بين الحقائق التاريخية التي أخذت تنقلب بعد أربعين عاماً ضدا على صنّاعها في طهران، ذلك الاستعجال الأهوج للخميني بعد وصوله مباشرة من باريس إلى طهران في توجيه حرابه نحو بغداد لحكمها، قبل اهتمامه بشؤون السيطرة على الداخل الإيراني التي أوكلها لجيش من القتلة قاموا بتصفية أهل الثورة الإيرانية، من بينهم ثوار منظمة مجاهدي خلق، حيث علّقت أجساد عشرات الآلاف منهم على المشانق وأعدموا وأبعد القادة الوطنيون الذين ساندوا نظام 1979 في طهران.
استعجال الخميني إسقاط النظام العراقي السابق واحتلال العراق بالتنسيق مع واشنطن كان لأسباب تاريخية بررت مهمته السياسية اللوجستية التي أصبحت معروفة، لكن ربطها بالوضع الداخلي الإيراني مهم الآن.
أولاً، لأن الخميني لم يرغب في انتظار برودة سخونة الثورة الشعبية الإيرانية التي سرقها بتغطيتها بالعمامة السوداء لتوظيفها في العراق والمنطقة. لكن هذه الثورة الشعبية تعود بعد العقود الأربعة بقوة لإسقاط المشروع التخريبي ضد شعوب إيران أولاً.
ثانياً، المأزق الذي وقعت فيه اللعبة الدولية التي أوكلت إلى باريس ذلك الدور المخزي، حيث لم تكن فرنسا معروفة فيه، لأن تحتضن الخميني على أراضيها، وتعقد الجولات الاستخبارية التي قادتها واشنطن برئاسة جورج بوش الأب الذي كان مسؤول المخابرات الأميركية وقتذاك، لترتيب سلاسة عودته السلمية لقيادة الحكم في طهران عام 1979، ثم إسقاط النظام والدولة العراقية.
ثالثاً، حقائق استخبارية أميركية جديدة ظهرت تشير إلى أن الأسباب الحقيقة وراء فرض الخميني وإزاحة الشاه محمد بهلوي شرطي أميركا في الخليج، هي رفضه تنفيذ أوامر واشنطن ولندن في حملة إعدام الضباط الإيرانيين ذوي الرتب العالية، كذلك رفض شن حرب ضد العراق، وتخفيض أسعار النفط عام 1973 حين رفعت الدول العربية شعار النفط من أجل المعركة، لدرجة رفض حكومة واشنطن استقبال مدللها السابق دخول الأراضي الأميركية للعلاج من مرضه، وتركه تائهاً بين دول رفضت استقباله. لكن أنور السادات كان صديقاً ومخلصاً له.
رابعاً، الدعم الأميركي الفعلي زاد من غرور الخميني وهو في ضيافة باريس، بنجاح مشروعه الطائفي التوسعي ابتداء من العراق بعد أن تطأ قدماه أرض طهران. فرفض دعوة صدام ببدء علاقات إيرانية – عراقية إيجابية. الواقعة المخابراتية الموثقة من قبل كريم فرمان الذي كان يعمل في مكتب صدام، مفيد نقل خلاصة لها لأهميتها.
بعث صدام أحد موظفيه السابقين (علي رضا باوه) إلى الخميني لاستكشاف توجهاته مع العراق بعد حكمه لإيران. هذا المبعوث كان مشرفاَ مخابراتياً على إقامة الخميني من بينها نقل أشرطة الكاسيت عبر الحدود إلى داخل إيران، كما اعترف الخميني خلال مقابلته بفضله الشخصي عليه بأن أشرف بتوجيه من صدام على نقل جثة ابنه مصطفى الذي أعدمه الشاه ودفنه في النجف وفق الطقوس الشيعية.
سأل علي رضا الصديق الوفي القديم الخميني: جئنا حاملين لرسالة سلام عراقية، كيف تراني الآن؟ يجيب خميني: صديق لأنك قمت بعمل إنساني معي، وعدو لأنك تعمل مع عدوي صدام، سأعمل على إسقاط نظامه الكافر بعد عودتي إلى طهران مباشرة. إجابة كشفت حقيقة دور الخميني ضد العراق، كما عبرّ نكرانه قيام صدام بمبادرة إنسانية كلف بتنفيذها للموظف لديه عن عمق الحقد التاريخي الفارسي ضد العرب والعراقيين.
الخميني نفذ الخطة (ألف) في تحقيق هدف إسقاط النظام العراقي عبر الحرب، لم يكن العراق يمتلك ذات الهدف، فاستعجل إرسال المخربين المقاتلين إلى داخل العراق. من الوقائع التي تؤكد بدء النظام الإيراني الحرب قيام طائرتين بقصف مدينة بغداد في الرابع من أبريل 1980، أسقطت واحدة منهما في بغداد وتم أسر قائدها حياً مما يؤكد بدء إيران الحرب وليس العراق.
رغم التكاليف البشرية للجانبين العراقي والإيراني لم يستجب الخميني لدعوة مجلس الأمن في قراره في الثامن والعشرين من سبتمبر 1980 بإيقاف القتال ووافق العراق على ذلك. انتظر ثماني سنوات لكنه في النهاية اعترف بتجرعه كأس السم واستسلامه لإيقاف القتال، ليتولى خليفته بعد موته علي خامنئي مواصلة هدف إسقاط النظام السياسي في العراق وفق الخطة (باء)، وهي أخطر بكثير من سابقتها المباشرة.
تظهر الوثائق المذهلة التعاون الاستخباري والسياسي بين طهران وواشنطن وعواصم الدول الأوروبية، في مقدمتها الحليف الأول لواشنطن بريطانيا التي اشتغلت وفق الوثائق بخطوط استخبارية عدة بينها تأمين وتطوير العلاقات العقائدية بين التيارين الإسلاميين الشيعي والسني. كشف هذه المعلومات مسؤول المخابرات البريطاني البروفسور ألكسندر ولسن في كتاب نشره مؤخرا.
◘ لعل الشغل السري ما بين تل أبيب والضاحية الجنوبية من بيروت، بقيادة وكيل نظام طهران حسن نصرالله، هو الذي أنجح توقيع اتفاقية الحدود ونهاية ما سمّي بالحرب ضد إسرائيل
حاول الإخوان المسلمون في العراق تحت تسمية “الحزب الإسلامي” التقليل من أهمية المعلومات التي تحدثت عن الأصول الفكرية والسياسية الواحدة لنظرية سيد قطب ومدى اهتمام الخميني ومن بعده خامنئي بتلك الأصول، الخاصة بسلطة الحكم “الإسلامي” الرافض للحدود الدولية. وهذا ما استندت عليه نظرية تصدير الثورة، وتصدير التخريب والفوضى في المنطقة.
من يرغب في كشف الخيوط الكثيرة للتعاون الإيراني – الأميركي – الإسرائيلي سيجدها شبكة محكمة خطيرة عبر علاقات مباشرة لمسؤولين أميركان كبار يدعمون بقاء هذا النظام واستمراره في قمع شعبه.
الثورة الشعبية الإيرانية الحالية صدمت خامنئي، حيث كشفت سياساته الحقيقية في قمع الشعب الذي أخذ يطالب بإسقاط حكمه. صحيح أن احتلاله للعراق ونفوذه العميق عبر وكلائه قد أطالا في عمره عبر سرقة المال العراقي، لكن العراقيين أعلنوا رفضهم هذا الاحتلال بثورة شبابهم عبر شعارها السلمي “إيران برة برة بغداد تبقى حرة”.
هذه هي الصدمة الحقيقية التي دفعت رأس النظام لتوجيه أجهزته القمعية لتصعيد القتل والسجن والمحاكمات الصورية لشباب إيران، لدرجة إعلان أحد مسؤولي الحرس الثوري أخيراً عن عزمهم طرد جميع المنتفضين الإيرانيين الثوار خارج إيران إذا ما أمر وليّ الأمر علي خامنئي بذلك. هل سمع أحد بطرد جماعي لمعارضين سلميين خارج وطنهم، إنه يحدث اليوم بعد وصول الخاسر الجديد علي خامنئي إلى طريق مسدود مع شعبه، وقد يقوده قريباً إلى تجرع كأس ثانية من السم من ذات المنابع لكنه هذه المرة على أيدي الشباب الإيراني.
ستتخلى الولايات المتحدة عن خامنئي مثلما تخلت عن الشاه، وكما سيتخلى الكثير من الأوروبيين أصحاب المعايير المزدوجة وخرافة حقوق الإنسان عنه. لن ينقذه عملاؤه الصغار في العراق الذين يستحضرون منذ الآن طرق تأمين تهريب ما سرقوه خارج العراق. لكنها أموال شعب العراق التي لن يتركها للصوص العملاء.
العرب
عذراً التعليقات مغلقة