منافسات كأس العالم قطر 2022 ..
هل صدقت نظرية ابن خلدون أم تحققت أحلام دي كوبرتان؟
هشام استيتو
خبير حقوقي، ومحلل سياسي، من المغرب
الرياضة المتحورة لما بعد الإحتراف، لا تقف في تفاصيل المعيش اليومي للأفراد بل تتجاوزه إلى مخيال جماعي، عصي عن التجاهل، ولم يخطر على بال بير دي كوبرتان وهو يقعد للحركة الأولمبية في مدرجات السربون أن حركته ستوجه حركة البشر على الأرض بعد قرن ونيف.
إبن خلدون وإن قارب الغلبة المؤسسة على العصبية، كان محدودا بحكم معطيات زمانه، ولم يقارب ركن معنوي في مسار التاريخ يختزل شعور الأمم بالفخر لإنجازات تخرج عن السطوة القهرية إلى سطوة مجد مرن، لا يستند إلى مجهود فكري، ولا إلى بذل الدماء، بقدر ما يستند إلى نظريات لعبة الشطرنج عند الشعوب الأرية والقائمة على حسم الواقع بلعبة محكمة.
وبين الرجلين فصول من أيام تعاقبت ليتحقق النزال، والتنافس في ميادين استندت إلى قواعد دي كوبرتان وتقديرات ابن خلدون، في العصبية خاصة.
إن غاية تنظيم المحافل الرياضية الكبرى ، جمعت الناس في نزالات متعددة، عبر فضاءات مختلفة، تعاكس ما أرادته الحركة الأولمبية.
لذلك يمكن أن أقطع أن حضارة عالم اليوم، هي بناء ساهم فيه الجميع، وهذا أعزّ ما قدمته قطر في تنظيمها لكأس العالم إذ أصرت على إبراز بعض عناصر الثقافة الإسلامية، خاصة بمكونها العربي، تماماً كما اجتهد أصحاب المصالح في الرّكون إلى صناعة عرش المجد لمن يستحق بمنظورها.
فالوعي الحالي بالرياضة يصنف ممارسة النشاط البدني إلى ألعاب، ورياضة هاوية ورياضة احترافية، ولا مجال للحديث بمناسبة كأس العالم إلا على الأخيرة، لكن خصوصية المفهوم لا يمكن أن يسقط فقط على اللاعب، ولا على النشاط الموازي للرياضة، بل يمتد إلى باقي السياقات بما فيه الاجتماعي والسّياسي بشكل بارز، وهو ما يحقق الانفصال بين ابن خلدون ودي كوبرتان، فالأخير قعد لحركة بعيدة عن السياسة والأول جعلها عصب الحركة الاجتماعية ككل.
فهل صدقت نظرية ابن خلدون أم تحققت أحلام دي كوبرتان؟
التحليل القائم على نظرية المؤامرة يعد أحد المستويات الأكثر رواجا لقراءة مسار هذا المونديال المشرف على نهايته، بالمقابل يوجد مستوى يبتعد عن وجود أي دافع للتلاعب بنتائج “اللعب” والراجح بينهما أن التفاعل الذي أحدثته الطفرات المصاحبة لتطور الرياضة لا بد أن ينعكس على جوانب غير رياضية، وهذا عكس ما تقوم عليه الحركة الأولمبية من تحديد نفسها كنمط حياة.
مصدر ذلك تأثير المصالح في مختلف مناح الحياة، والدور الرهيب الذي تمثله المصالح الاقتصادية خاصة في ذلك، بدأ من ربط المال بمتعة المشاهدة وانتهاء بربط المقدرات بالفائز أردنا ذلك أم رفضنا.
لكن هذه السيرورة لن تتوقف عند هذا الحد لأن مسألة البنية الفوقية هي الحاسمة في تنزيل المشهد الذي عشنا في المغرب فصوله بفرح عارم، هذا الفرح الذي شاركنا فيه الأشقاء والأصدقاء وجل العالم.
فهل يمكن القول أن المغرب انتصر أولمبيا؟
استطاع أصحاب الأمر الأن بناء شبكة ألعاب خاصة بعالم الواقع، وهي التي يتداول ألقابها وكؤوسها الأقوياء نفوذا واقتصادا والأكثر انتشارا على المستوى الثقافي، لكن ما يجب أن نروج له وندافع عنه هو حلم دي كوبرتان.
هذا الحلم يجعل المغرب هو الفائز بقلوب العالم، إذ ليس في الحلم هاجس الفوز بالكأس بل الأهم هي المشاركة، وقد كسرنا سقفها، وروجنا لثقافتنا الوطن والأمة أمام العالم وخلبنا ألباب العالمين، أما الفائز بالكأس فإنه يخضع حتما لقوانين التطور الاجتماعي كما حددها ابن خلدون، لذلك رب فوز خالد أحسن من كأس زائل.
مقال خاص لصحيفة قريش – لندن
عذراً التعليقات مغلقة