د. فارس الخطاب
لا يختلف المراقبون للملف العراقي سواء أكانوا من العراقيين أم من غيرهم بإن أطفال العراق هم جزء رئيس من سلسة طويلة من القيم والركائز العراقية المستهدفة بشكل مبرمج ومتقن التنفيذ من قبل الإرادات الدولية وأدواتها التي نفذت مشروع احتلال العراق عام 2003م وحتى ضمان إخراج العراق تماماً من دائرة التأثير والفعل في معادلات الفعل والتأثير في موازين القوى في الشرق الأوسط، سواء تعلق الأمر بالكيان الصهيوني أم بالمشروع الإيراني الأسود لتصدير ما يسمى بـ الثورة”.
نعم، أطفال العراق الذين عانوا بشكل مكثف ومركّز من حملات التغييب والضغوط النفسية والعقلية والبدنية، بعد أن عمدت إمّعات المحتلين الغربيين والشرقيين إلى استهداف نظم التعليم ومناهجه، ثم وضع الأطفال بإجواء اجتماعية مفككة ومرتبكة من خلال الضغوط الأمنية والاقتصادية الهائلة على أولياء الأمور من الآباء والأمهات لدفع الأطفال للتوجه إلى سوق العمل المتهاوي أصلاً، بدلاً من التوجه للمدارس وإكمال التعليم.
تتحدث الأمم عن أطفالها ومستويات التقدم في مناهج تعليمها لترسل رسائل ذات معاني مباشرة يستدل منها على مستقبل هذه الأمة أو تلك ، ومن يتحدث أو يستعرض واقع أطفال العراق فإن الصورة المقبلة لهذا البلد تعكس تراجعاً حضارياً وقيمياً لا يمكن إصلاحها لعقود طويلة؛
فواقع الأطفال في عموم بلاد الرافدين؛ هذا البلد الذي سبق كل دول العالم وحضاراته في وضع حقوق الإنسان والطفولة في مسلةٍ قانونية قبل خمسة آلاف سنة سُميت “شريعة حمورابي”، هو واقع مؤلم وخطير، فأعداد الأطفال المتسربين من التعليم و أطفال الشوارع والأطفال صغار السن العاملين بشكل غير قانوني والاستغلال غير المشروع للأطفال وترسيخ مظاهر التخلف الاجتماعي والتربوي لديهم وغيرها، كلها تأخذنا إلى صورة معتمة ومخيفة جداً لمستقبلهم ومستقبل العراق، وإن عدم إثارتها والحديث عنها والضغط على المنظمات الدولية كلُ بإدواته ووسائله يمثل جريمة كبيرة لا يمكن التغافل عنها تجاه هؤلاء الأطفال أولاً ثم العراق كل العراق في نهاية المطاف.تشير مصادر في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية الحالية في العراق إلى أن معظم المتسربين من المدارس هم من الأسر الفقيرة،
وأشارت هذه المصادر إلى أن مناطق شرقي بغداد ومحافظات أخرى تشهد تسرّبا كبيرًا للطلبة من المدارس بسبب ارتفاع معدلات الفقر والبطالة فيها، مؤكدة على أن عدد الأطفال الذين يعملون كباعة متجوّلين أو في الأسواق والمناطق الصناعية وأماكن أخرى زاد بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة.
وتعتبر مفوضية حقوق الإنسان في العراق أن عمل هؤلاء الأطفال يُعد مخالفًا لقانون العمل الدولي، فيما تحذر منظمات حقوقية من تعرض الأطفال العاملين إلى تحرّش واستغلال من قبل عصابات التسوّل، والاتجار بالبشر، والمخدرات، وغيرها.
إن أطفال العراق الذين نشأوا وعايشوا الأحداث الدامية والمؤلمة منذ العام 2003م، حيث المشاهد التي لم يجدوا لها تفسيراً عندما شاهدوا باستغراب وذهول قوات الاحتلال الأمريكية والبريطانية تتجول في أحيائهم وكيف كانت ردات فعل أولياء أمورهم الممزوجة بين الخوف من الحاضر حينها والمجهول لاحقاً ، ثم وفي مدارسهم التي كانت تمثل جنتهم الصغيرة حيث نظام التعليم المنضبط وأقرانهم المتشاركين معهم في مقاعد صفوفهم ومرحهم والمعلمين المسؤولين أخلاقياً وعلمياً، هذه المدارس التي تحولت خلال فترات قصيرة إلى واجهة من واجهات البرامج الطائفية التي بدأت تسري بين صفوفهم لتخترق حالة البراءة والاعتزاز بالهوية الوطنية العراقية إلى أسئلةٍ ومسائل في الانتماء الطائفي وتفاصيل لا تمت إلى الدين والحضارة بشيء مطلقاً.المشهد العراقي المثقل بالمآسي والآلام بسبب الصراع السياسي ونظام المحاصصة الطائفية وانتشار الفساد السياسي والمالي والإداري وتعمد الإدارات الأميركية في ترك مقدرات العراق لحليفها غير المعلن فيه (إيران)،
كان أطفال العراق هدفاً واضحاً فيه حتى بات أكثر من ثلاثة ملايين طفل عراقي خارج المدارس، بحسب اليونيسيف، هذا في المحافظات شبه المستقرة أمنياً
أما المحافظات التي شهدت وتشهد مشاكل أمنية مثل ديإلى وصلاح الدين ومناطق النزوح فالأعداد أكبر بكثير.الأمم المتحدة (قلقة) بشأن إلتزام العراق باتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل الذي هو عضو فيها، وأكدت المنظمة فقدان معظم أطفال العراق لحقوقهم في تأمين الدولة الحق لهم في الحرية والصحة والأمن والتعليم والترفيه وغيرها من حقوق الحياة الكريمة، وأن الأطفال يشكلون الغالبية من حوالي 4.5 مليون عراقي من المعرضين لخطر الفقر بسبب الأوضاع القائمة في العراق، حيث يواجه طفل واحد من كل طفلين أشكالًا متعددة من الحرمان سواء في التعليم، أو الصحة، أو ظروف المعيشة، أو الأمن المالي”. وشكت المنظمة الدولية لحقوق الطفل من عدم استجابة الحكومات العراقية لملاحظات ودعوات (اليونيسيف) بوضع سياسات واضحة وهادفة لحماية أطفال العراق من تداعيات الفقر والتركيز على معالجة أزمة التعليم والعنف ضد الأطفال والحفاظ على رفاهيتهم مذكرةً الحكومة في العراق بإن “الاستثمار في أطفال اليوم هو استثمار في مستقبل العراق”لقد أطلقت (اليونيسيف) نداءت متكررة منذ عام 2004م وحتى الآن للحكومات المتعاقبة في العراق دعت فيها إلى ضمان حصول أطفال العراق الحماية والخدمات القانونية والتعامل معهم وفق المعايير الدولية وإنهاء جميع الإنتهاكات الجسيمة المرتكبة بحقهم وتحسين نوعية التعليم والرعاية الصحية والعمل أيضاً على منح الحرية للعراقيين الـ “المحتجزين” في معسكرات اللجوء للانتقال إلى الأماكن الآمنة أو مناطقهم التي تم تحريرها من تنظيم (داعش) الإرهابي ليتسنى لها إرسال أبنائها إلى المدارس بشكل منتظم وإنساني محترم.
إن الحكومة في العراق، التي تتمرغ بمئات المليارات من الدولارات، ملزمة برسم سياسات جديدة تخص ضمان أمن واقع أطفال العراق التعليمي والصحي وتمكين العوائل العراقية من متطلبات الحياة الكريمة بتوفير فرص العمل للعراقيين ، وعليها العمل بشكل حثيث وجدي لإزالة آثار المد الإيراني الممنهج لتلغيم مناهج التعليم بنصوص وأفكار طائفية بعيدة عن المصداقية وغريبة عن ثقافة العراقيين وتسامحهم الديني والعقائدي ،
كما أن منظمة (اليونيسيف) أعلنت منذ احتلال العراق استعدادها للتعاون في استراتيجية وطنية لتنمية الطفولة التي تقول عنها وزارة العمل والشؤون الاجتماعية العراقية ” إنها ستركز خلال الفترة من 2022-2025 م على حماية الطفل في رحِم أمه حتى يبلغ عمر ثماني سنوات”!.إن موضوع الاستثمار في أطفال العراق، كما في كافة أنحاء العالم، لا يمكن ركنه في زاوية وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، بل هو حكم تشريع مفروض النفاذ على مجلس النواب العراقي نصه ومضمونه يقود إلى إلزام هذا المجلس بتشريع قانون للطفل العراقي لتحديد كافة حقوقه تجاه أسرته ومجتمعه ومدرسته وكل نواحي الحياة ،
وربما يقول قائل: “ما فائدة تشريع قوانين لا تحترمها القوى الحاكمة بل حتى تلك التي شرعتها؟” ، فنقول: “إن وجود نص قانوني يساعد القضاء والمحامين ومنظمات حقوق الإنسان والمنظمات الدولية على المتابعة والمطالبة بالمحاسبة والتنفيذ، ويجب أن لا تترك الأمور على المنظمات الدولية فقط لأنها لا تملك غير الطلب من وزارات بعينها معالجة بعض الظواهر المرصودة من قبلها تجاه أطفال العراق كظواهر العنف الأسري المستفحلة والتسرب من المدارس والإنغماس في سوق العمل غير القانوني وغيرها.إن موضوع أطفال العراق ومستقبلهم يمثل مسألة أمن قومي للعراقيين بغض النظر عمن يحكمهم الآن،
فإن افتخرنا كلنا بثورة تشرين 2019م لأنها واجهت المشروع الإيراني لتجهيل وتعمية العراقيين وتطويعهم للإنحناء للمشروع الإيراني ، فإننا بعد عقد من الزمن ووفق سياسات استهداف أطفال العراق لن نجد شباباً بحماسة ووطنية وإيثار هؤلاء الذين قدموا أنفسهم فِداءً لتحرير العراق وشعبه من ذل المليشيات الولائية والحكومات الفاسدة.
عذراً التعليقات مغلقة