د.فارس الخطاب:
مع إسدال الستار عن بطولة كأس العالم لكرة القدم ومنذ كرنفال حفل الافتتاح الأسطوري لهذه البطولة المقامة في دولة قطر العربية المسلمة ، ومنذ إطلاق صافرة اولى مباريات هذه البطولة العالمية الأهم والأبرز بين كل الفعاليات الرياضية العالمية ، ولا حديث لوسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي بكافة أرجاء الأرض إلا عن جمال وسلاسة وروعة التصاميم للملاعب وروح الضيافة والترحيب لدى حكومة وشعب قطر وأسلوب تعامل الجميع هناك بدءاً من مطار الدوحة الدولي وحتى ملاعب الكرة مروراً بأماكن الإقامة والزيارات السياحية لإماكن تراثية وحضارية تعريفية بالثقافة الإسلامية والعربية ممثلة بدولة قطر.
قطر لم تستجب لمطالب تتعلق بالمثلية وتناول الكحول في الملاعب لإنها باختصار تتناقض وقوانينها، ولم يقلق الجهات المعنية فيها احتجاجات وتهديدات الكثير من مدعي حقوق الإنسان والصحفيين ولاعبي كرة القدم بمطالبات أقل ما توصف إنها محاولة فرض إملاءات على ثقافة شعب وأمة
مَن كان بوسعه أن يتصور نسيان العالم لإحداث أوكرانيا بالغة الخطورة، وأزمة الطاقة الخانقة في أوروبا ،والكثير من مجريات الأمور في مفاصل اقتصادية وسياسية عالمية كانت ثم ستعود لتكون مفصلية مهمة بعد إسدال الستار عن بطولة الدوحة العالمية لكرة القدم؟، من لم يتخوف من تواجد الأضداد في عالم الرياضة من المشجعين في مدينة صغيرة لا تحتمل أية مظاهر لإعمال شغب أو عبث وعنف كما يحصل عادةً في الكثير من دول أوروبية وآسيوية ، لكن من ينتبه لكلمة أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمام المناقشة العامة للدورة السابعة والسبعين للجمعية العامة في ٢٠ أيلول /سبتمبر الماضي يجد تفسيراً لتحول الدوحة إلى واحة سلام ومحبة وفرح عالمي بشكل لا يصدق ، ولافت لي ولكل المتابعين أن أمير البلاد قال: “في هذه البطولة، التي تقام لأول مرة في دولة عربية ومسلمة، ولأول مرة في الشرق الأوسط عموما، سيرى العالم أن إحدى الدول الصغيرة والمتوسطة قادرة على استضافة أحداث عالمية بنجاح استثنائي ومبهر، كما أنها قادرة على أن تقدم فضاء مريحا للتنوع والتفاعل البناء بين الشعوب “.
قطر لم تستجب لمطالب تتعلق بالمثلية وتناول الكحول في الملاعب لإنها باختصار تتناقض وقوانينها، ولم يقلق الجهات المعنية فيها احتجاجات وتهديدات الكثير من مدعي حقوق الإنسان والصحفيين ولاعبي كرة القدم بمطالبات أقل ما توصف إنها محاولة فرض إملاءات على ثقافة شعب وأمة، فيما تفرض دولهم عقوبات رادعة بحق من يخالف قوانينهم وثقافات شعوبهم، الكاتب البريطاني الشهير روب مور، كتب معلقاً على هذه المطالب بالقول “هناك الكثير من لاعبي كرة القدم والمراسلين الذين يحتجون علانيةً على سياسات قطر بشأن المثليين والكحول، ما جعلني أفكر ، نحن مغرورون كثيراً في الغرب.” وأضاف “لا أظن أنه من اللائق أن نذهب إلى دولة دعتنا وأعدت لنا سبلاً ترفيهية لنبدأ بانتقاد عاداتهم وثقافتهم على أرضهم”.
لقد فازت قطر، نعم، ولن يتكرر نموذج نسخة الدوحة لكأس العالم مطلقاً وإلى الأبد، لإن قطر لم تعمل على أساس حبها لكرة القدم فقط ؛ بل على شيء أكبر وأسمى ، شيء من الفتح الثقافي والإعلامي لإمةٍ إستهدفت ثقافتها الدينية والإجتماعية منذ عقود طويلة ، أمة صورها الإعلام الغربي عموماً على أنها متخلفة ورجعية ودموية ، فواجهتهم قطر حكومةً وشعباً بممارسات وسلوك يغني عن ألف ألف كلمة في محفل أو ندوة في فضاء علمي أو ثقافي أو سياسي ، إنها معايشة إيجابية مع أمة حضارتها تمتد لآلاف السنين لكنها لم تعرف كيف تعرضها للآخرين أو لنقل إنهم لم يسمحوا لها بنقلها.
قطر لم تترك فرصة لإصلاح ذات البين وتحقيق المصالحات والسلام في العالم إلا واتخذتها، وقد وظفت فرصة افتتاح بطولة كأس العالم ٢٠٢٢ لتنهي الخلاف بين جمهورية مصر العربية والجمهورية التركية الصديقة حيث جمع أمير قطر كل من الرئيسين التركي رجب طيب إردوغان، ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي، وبالتالي ساهمت هذه الخطوة في إزالة واحدة من كبريات الخلاف بين كبريات الدول العربية والإسلامية في الشرق الأوسط.
لقد فازت قطر، حيث جندت بشكل جماهيري، ملايين البشر ممن حضروا مونديال الدوحة ليكونوا رُسل في بلادهم ينقلوا بشكل طوعي وبدون تلقين إلى عوائلهم وأقربائهم وأصدقائهم الشيء الإيجابي الكثير عن العرب وعن المسلمين؛ ثقافتهم، طيبتهم ، سلميتهم ،تاريخهم وأيضاً قوة إرادتهم ، فمن كان قد فعل ذلك من كل دول العالم في بطولات جماهيرية سابقة، أو سيفعله في المستقبل، فأتوني به.
عذراً التعليقات مغلقة