: الدكتور نزار محمود
قبل بدء الحديث عن السياسة والمعارضة السياسية لا بد من التأكيد إلى أنه لا يمكن الفصل التام بين ما هو سياسي عن ما هو اجتماعي أو اقتصادي أو ثقافي.
ان الحديث بتجرد تام عن الاجتماع والثقافة والاقتصاد في السياسة هو ضرب في الخيال لا علاقة له بالواقع البشري.اذكر، وأنا الآن ابن السبعين، كثيراً من الملامح الاجتماعية والثقافية وحتى المناطقية ( محافظة ومحافظة، أو مدينة وريف) والاقتصادية لمن انتظم في صفوف الحزب الشيوعي العراقي ولمن انتظم في صفوف حزب البعث العربي الاشتراكي وبالطبع الى حزب الاخوان المسلمين والحزبين الكرديين الرئيسيين وحزب الدعوة الشيعي.
واذا كانت تشكل أهدافه الأحزاب وشعاراتها وبرامج عملها وممارساتها، بالطبع، دوافع الانتماء اليها، فإن أشخاص قياداتها في خصوصياتهم العرقية والطائفية والمناطقية وكذلك الشخصية العامل الأكبر لذلك الانتماء في بلد مثل العراق في خصوصياته التاريخية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية.
وكما يلاحظ القارىء الكريم أنني تجاهلت ذكر العامل الديني، لكني لم أهمله حيث أني أتعامل معه كشأن ثقافي واجتماعي.ملاحظة أخرى، إن الانتماء الى هذا الحزب أو ذاك، كانت تؤثر فيه مكانة الحزب من السلطة الحكومية وما تعنيه من قوة ومال وسلاح.
فالانتماء لحزب ما في فترة نضاله وكفاحه، هي غيرها في حال جلوسه في سدة الحكم.
انّ الشعارات الثورية والمطالبات بالتغيير الجذري لهذا الحزب أو ذاك لم تكن لتسيل لعاب من كان يجد نفسه في طبقة موسرة أو مكانة اجتماعية أو حظوة سياسية.
في حين تجد تلك اهتماماً من قبل من يحس بأذى المجتمع عليه في السياسة أو المكانة الاجتماعية أو الاقتصاد أو نمط الحياة الثقافية المهيمنة. فمن النادر ان تجد من الاقطاعيين وأصحاب المعامل ورؤوس الأموال والتجار الكبار من استهوته الافكار اليسارية والشيوعية، وهو في وضع ينعم فيه بالمكانة وسماع الرأي وحتى في علاقات الحسب والنسب!
وهكذا يفتقد الانتماء الى الاحزاب الكردية الا ممن ينحدر من عرقية كردية، أو ممن في نفسه، كما كان في نفس يعقوب!أقول ذلك، واعترف أن لكل قاعدة استثناء، كما عاشها ” الرفيق” فريدريش انجلز الرأسمالي مع رفيق فكره، كارل ماركس.كما لا يفوتني الاشارة الى ردود الافعال المعاكسة، لا سيما العاطفية والانفعالية فيها، ونحن في بلد شرقي كالعراق بخصوصياته المعروفة، تجاه الأحزاب المهيمنة في خصوصياتها القومية والثقافية والطبقية، وحتى المناطقية. ان من يقرأ افكار الاحزاب الكردية، مثلاً، يجد في كثير منها طموحات الأحزاب القومية العربية في اتجاهها الخاص! في حين لا يرى في أحزاب أخرى سوى سعيها الى انتزاع السلطة والاستحواذ عليها لصالحها. وهو ما نشاهده اليوم في أحزاب سلطة العراق، وبالطبع بخصوصياتها السياسية وتحالفاتها.
إن ما تطرقت اليه يجب أن يكون مدعاة للتفكر والتدبر والمراجعة من أجل ازالة جدران التعادي النفسية والتناحر الوطني الذي نحن جميعاً خاسرين فيه! وليكن شعارنا أننا جميعاً مسؤولون عن اعمار الوطن، ومتشاركون في خيراته الكثيرة.
برلين، 29.12.2022
عذراً التعليقات مغلقة