عبدالواسع الفاتكي
يتذوق اليمنيون مرارة الألم والخذلان ، من نخب تصدرت المشهد مقدمة نفسها بأنها المنقذة له من جحيم الفساد ؛ لتمارس الفساد بقضّه وقضيضه ، حاصدة امتيازات السلطة المالية والإدارية ، تاركة المواطن اليمني غارقا في هموم العيش والعوز والفاقة والحرمان .
نشعر بالفساد ، ونذق مرارة طعمه ، في انهيار العملة الوطنية وارتفاع الأسعار ، في أزمة الغاز وارتفاع أسعاره ، في الشارع الموبوء بطفح المجاري وأكوام القمامة ، في حسرة جريح وهب الوطن اغلى ما يملك ، فكان جزاؤه خانة النسيان ، في دموع أم وزوجة وأطفال يلاحقون مرتب شهيد ؛ خشية إسقاطه أو الاستقطاع منه , في موظف حرم من الترقية لسنوات ، بينما صعد غيره وفي غمضة عين لمدراء عموم ووكلاء وزارات وملحقين في سفارات اليمن ، في مسؤولين متخمين بالاعتمادات والنثريات والمكافآت وبدلات المناسبات والسفر والمظهر ، الفارق المادي بينهم وبين المواطن والموظف يقاس بالسنين الضوئية .
طبقة جديدة من الأثرياء تشكلت بسرعة البرق في فترة وجيزة لا تتعدى تسع سنوات ، امتلكت أموالا وعقارات واستثمارات داخل اليمن وخارجها .
تغلغت في هرم السلطة الشرعية شبكة من مراكز النفوذ ، وصلت لمراكز متقدمة في السلم الإداري للدولة ، محققة لها ولداعميها عوائد وامتيازات اقتصادية ، الأمر الذي أفرز طبقة جديدة من المسؤولين ، تسلقوا لمواقع السلطة ، وفق نظام المحاصصة مرتدين قناع الشرعية مسنودين بشبكة نفوذ عميقة ، تتخادم معهم ، وتقف حائط صد يحول دون المخلصين الوطنيين ؛ لأن في ذلك كما يتصورون مساسا خطيرا بمكاسبهم ، وضررا محدقا بمستقبلهم السلطوي .
بدلا من تخفيف وطأة آثار الحرب على المواطنين ، وتقديم نموذج مشرف في المناطق المحررة من المليشيات الحوثية ، يلبي احتياجات المواطنين من الخدمات والأمن والاستقرار ، لاحظ الشارع اليمني صراعا محموما بين النخب المتقاسمة السلطة على الغنائم السلطوية ، التي تعتقد أنها هي التي تضمن لها الحضور المؤثر في المشهد السياسي والرأي العام .
مؤسسات السلطة الشرعية المدارة عبر التقاسم والمحاصصة ، دون أي اعتبار للنزاهة والكفاءة لا يستفيد منها غير شركاء السلطة والمراكز الساندة لها .
الشعارات البراقة والحديث عن الوطنية ، وخطر الكهنوت الحوثي ، لا يمكن أن تحوز على جانب من المصداقية ، ما لم يكن القول يطابق الفعل تماما ، وهو ما يقتضي الإعلاء من مصلحة المواطنين ، وتقديم حلول جذرية لاحتياجاتهم ، ومحاسبة كل المسؤولين ، الذين انتفخت كروشهم ، ونمت أرصدتهم من خلال استغلالهم السلطة .
لا يوجد أسوأ من مسؤولين ازدادوا ثراء ، في الوقت الذي يزداد المواطنون بؤسا وفقرا ، ولا يوجد أسوأ من ساسة يحملون الوطن في جيوبهم ، بدلا من حمله على أكتافهم .
عذراً التعليقات مغلقة