الجزائر الجديدة.. حاضرها و”جميلات” ثورتها

آخر تحديث : الخميس 12 يناير 2023 - 9:45 مساءً
الجزائر الجديدة.. حاضرها و”جميلات” ثورتها

خالد عمر بن ققه

إذا جاز لى حقّ الحديث عن تجليّات «التعرف» على الإنسان، مظهرًا وبحثًا وتعلقًا، فيمكننى القول: إن له مستويات أربعة، سواء أكان ظاهرًا أم مستترًا، وذلك من منطلق فهمى المحدود بناء على القراءات، ومخالطة الناس، والحل والترحال، ولاشك أن لكل منَّا اجتهاده فى تحديده للتعرف من منطلق تبصّره فى نفسه، وفهمه للوجود، وعلاقته مع البشر، ضمن وعى يتطور مع العمر، من بداية الشباب حتى يبلغ الإنسان أرذل العمر، وعلى خلفية ذلك يمكن تناول مستويات التعرف- عند البعض تعارف- فى الآتى:
الأول: «بريد الجسم»، علاماته الدالة الوجه، وغالبًا هو أجمل ما فى المظهر الخارجى للإنسان، ولهذا أحتار فى دعوات البعض لإخفائه.
الثانى: «لغة الحديث أو الخطاب»، وهذا يظهر فى الكلمات والعبارات المستعملة، وهو المحل لتحديد أفكار «الآخر».
الثالث: «تصورات العقل»، وتتجلَّى- غالبًا- فى الحكمة أو السفاهة، فى الرشاد أو التيه، فى الهداية أو الضلال، وغيرها.
الرابع: «سلامة القلب»، وهذا المستوى من التعرف لا ندرك إلَّا بعضًا منه، حتى لو عملنا على تفسير كل أفعال البشر فى علاقاتهم السلبية أو الإيجابية، أما معظمه فهو حالة من الغيب، يعرفها كل البشر باختلاف مللهم ونحلهم يوم القيامة فقط.
المستويات السابقة جميعها تظهر فى الفعل ورد الفعل، ويمكن أن تشمل جميع الأفراد والمجتمعات والشعوب والدول، وهى ذات صلة بالقرار السياسى وتبعاته، من حيث لغة الخطاب، وتصورات العقل، وأحيانًا خياله، وسلامة القلوب، وبناء على ذلك يمكن لنا السعى لفهم ما يحدث من مواقف وقرارات، خاصة فى المراحل الصعبة من تاريخ الدول على المستوى المحلى، أو فى نطاق تحركاتها الإقليمية، أو فى إطار ارتباطاتها الدولية فى ظل التغيرات الكبرى.
وفى دولنا العربية، نعيش منذ نهاية العام 2010 تغيُّرات واسعة، شملت كل مناحى الحياة، سقطت فيها أنظمة وحلّت بدلًا منها أخرى، فورثت سابقتها أو لعنتها، ورفعت شعارات «الدولة الجديدة» فى عدد من دولنا، منها ما حقق ذلك، ومنها ما وجد صعوبات حالت دون تحقيقها أهدافها.
بالمقابل، هناك دول عربية حققت نجاحات آنية وواعدة ومستقبلية، وقد ساعدتها عوامل داخلية وأخرى خارجية على ذلك، من مثل: القيادة الرشيدة، والثروات الوطنية، والمرجعية التاريخية للتضحية، وتغيرات المعطيات على الساحة الدولية، وأحسب أن الجزائر بقيادة الرئيس «عبدالمجيد تبون» من دول عربية قليلة تسير بخطى سريعة لتكون فاعلة ومؤثرة ومشاركة فى صناعة القرارات على المستوى الدولى، لكن دون نسيان أو تخلٍّ عن إرثها التاريخى، وهى تدفعه اليوم دفعًا لتنشيط الذاكرة الوطنية.
استحضار التاريخ من أجل تثْويره من جديد برفقة ثورة وطنية يعدُّ مؤشرًا إيجابيًّا لمشروع دولة جزائرية جديدة، قد تنجح قيادتها فى إنهاء ذلك الخلاف الذى عمَّر لأكثر من خمسة عقود بين فريق لايزال مدافعًا عن قيم الثورة، وفريق آخر عمل على نهب الثروة، وللعلم فإن معظم الجزائريين- بمن فيهم جيل الشباب- لايزالون مرتبطين بانتصارات الثورة، ويعتبرونها هى المحددة لتوزيع الثروة بالعدل، بحيث تظهر فى المنجزات الوطنية، وهو ما نجحت فيه السلطة خلال السنتين الماضيتين، خاصة السنة الأخيرة، ذلك أن ما يتحقق فى الجزائر- يشمل كل القطاعات والمجالات- يُظهر حالة من الوعى على مستوى صناعة القرار السياسى، فيه من الحكمة، الكاشفة عن خير فى البلاد وحُكَّامها.

الجزائر بقيادة الرئيس «عبدالمجيد تبون» من دول عربية قليلة تسير بخطى سريعة لتكون فاعلة ومؤثرة ومشاركة فى صناعة القرارات على المستوى الدولى، لكن دون نسيان أو تخلٍّ عن إرثها التاريخى، وهى تدفعه اليوم دفعًا لتنشيط الذاكرة الوطنية.
استحضار التاريخ من أجل تثْويره من جديد برفقة ثورة وطنية يعدُّ مؤشرًا إيجابيًّا لمشروع دولة جزائرية جديدة


المنجزات الوطنية التى تحققت اليوم فى الجزائر كشفت عن توظيف للثروة- وإن كان لايزال فى بدايته- لصالح قيم الثورة، ومن هنا يمكن النظر إلى الندوات والدراسات التى عُقدت نهاية السنة الفائتة (2022) بمناسبة الذكرى الستين للاستقلال، ومن أهمها: «الملتقى الوطنى حول الرئيس الراحل هوارى بومدين»، الذى عُقد لأول مرة منذ وفاته.
هنا علينا أن نبين أن إحياء الذاكرة هنا يأتى بتعليمات من الرئيس عبدالمجيد تبون، عبر وزارة المجاهدين وذوى الحقوق، ممثلة فى الوزير «العيد ربيڨة»، الذى يعمل من أجل أن يكون التاريخ الماضى بمعناه الجهادى حاضرًا اليوم فى مسيرة التنمية والتطور.
استحضار قيم الثورة فى زمن توظيف الثروة لصالح الوطن، يظهر أيضًا من خلال النظر إلى «التعرف»- الذى سبق الحديث عنه- باعتباره قيمة وجوديّة يُعلِّيها بقاء بعض المجاهدين والمجاهدات على قيد الحياة، من ذلك استقبال وزير المجاهدين «ربيڨة» يوم الإثنين الماضى (9 يناير الجاري) للمجاهدة «جميلة بوباشا» (1938)، التى «عبرت عن فخرها واعتزازها بما حققته الجزائر من انتصارات على كل المستويات»، واصفًا إيَّاها، بأنها «رمز الفداء والنضال والكفاح»، ومن خلالها تحتفى جزائر الحاضر بواحدة من جميلات ثورتها الكثيرات، ومنهن أيضًا «جميلة بوحيرد» (1935)، المعروفة عربيًا ودوليًا، و«جميلة بوعزة» (1937- 2015)، وهذا الاحتفاء يُبيِّن أن الجزائر على الطريق الصحيح.

عن\ المصري اليوم

رابط مختصر

عذراً التعليقات مغلقة

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com