د. محمد عياش
– كاتب وباحث سياسي
اقتربت الحرب الروسية الأوكرانية من عامها الأول ، /24 فبراير شباط 2022 ، مع غياب كامل وانسداد الأفق بالنسبة للحلول التي تسعى بعض الدول العظمى كالصين والإقليمية كتركيا من انجازه قبل أن تتفاقم الأمور وتصل إلى طريق مسدود ، وذلك بالنظر للمطالب الشبه مستحيلة على طرفي النزاع من تقبلها .
روسيا فلاديمير بوتين تتمترس وراء الاعتراف الكامل بالمستجدات ، ونسيان جزيرة القرم للأبد ، والتوقف عن التهديدات المستمرة من حلف الناتو ومن خلفه الولايات المتحدة الأمريكية التي تمنع الرئيس الأوكراني فلاديمور زيلنسكي القبول بمبدأ التفاوض كخطوة أولى تنتظرها روسيا .
أوكرانيا زيلنسكي ، تتمسك بانسحاب كامل للقوات الروسية من كامل التراب الأوكراني ، وحتى جزيرة القرم ، ومن ثم التفاوض والمحاسبة والعقوبات التي سُتفرض على روسيا جراء عدوانها حسب زعم الرئيس الأوكراني ، وتدفق السلاح والعتاد والوعود الأمريكية بتدريب بعض من الخبراء الأوكرانيين على بطاريات الدفاع / الباترويت ؛ مع تعهدات بريطانيا بإرسال الدبابات والدعم المطلق ، والتهديد بانضمام السويد وفنلندا إلى حلف الناتو ، كلها عوامل تجعل من روسيا أكثر عنادا ً .
ثعلب السياسة الأمريكية هنري كيسنجر 99 عاما ً ، يصر على احترام روسيا ومطالبها ، وذلك ضمن عملية تفاوضية تأخذ بعين الاعتبار احترام روسيا وأهدافها ، وعدم إغضابها ، واعتبر انضمام أوكرانيا لحلف الناتو في هذه الظروف طبيعية نظرا ً لحجم الدعم والتأييد الأوروبي لها .
ضرورة الحرب تأخذ أشكالا ً وأبعادا ً جيو سياسية ، وتاريخية ، في طياتها عدم الثقة بين طرفي النزاع ، وأقصد الاتحاد الأوروبي وروسيا التي دائما ً ترصد كل صغيرة وكبيرة لحلف الناتو والتهديدات المستمرة من جهتها الغربية ، فالحرب الروسية حتمية بوجهة النظر الروسية وضمن إستراتيجيتها ، لأن التأجيل والمماطلة قد يقوي نفوذ الناتو مع مرور الوقت وانضمام ما تبقى من الدول وخسارة جزيرة القرم والأقاليم الأربعة .
الولايات المتحدة الأمريكية تنظر لهذه الحرب بالفرصة التاريخية ، من جهة إشغال روسيا بحرب استنزاف واستكشاف لنوعية السلاح بالإضافة إلى الاستفراد والتحكم بأسعار النفط والغاز ، بعد عزل روسيا عن العالم وإصدار القرارات التي تتضمن العقوبات عليها وعلى كل من يتعامل معها ، وهذه الخطة المنفس الوحيد لواشنطن كي تتمكن من مواجهة التنين الصيني وزحفه الاقتصادي الناجح نحو القمة .
إشكالية المفاوضات وعرقلتها ، وظيفة تقع على عاتق واشنطن ، تأكد ذلك بعد الزيارة التي قام بها الرئيس زيلينسكي إلى واشنطن ولقاء الرئيس الأمريكي جوبايدن وتصريحاته التي تؤكد عدم الانجرار أو الجلوس على طاولة المفاوضات مع الجانب الروسي حتى ينسحب الأخير من كافة الأراضي الأوكرانية وجزيرة القرم على رأس الانسحاب ، الأمر الذي قابلته موسكو بالاستهجان وأقرت أن واشنطن تنزلق شيئاً فشيئا ً نحو المواجهة .
فالحرب القائمة والإصرار الذي يبديه طرفا النزاع ، لا يُشتم منه رائحة الحل ؛ على العكس تماما ً ؛ التصاعد يزداد يوما ً بعد يوم ، ومخاوف المواجهة النووية تقترب ، وفي هذه الحالة من النزاعات لا تنتهي إلا بخسارة طرف ، مع الأخذ بالحسبان السلاح النووي ، واشنطن تؤكد على لسان بايدن أن روسيا لا تتجرأ على استخدامه ، بينما تصريحات المسؤولين الروس ، تخالف هذه الرؤية .
صعوبات وعقبات كثيرة في منطق التحليل والتفكير ، وتعقيدات المشهد لا يبعث على التفاؤل ، لأن هناك سؤالا ً كبيرا ً ، هل ستنتهي هذه الحرب بتوافق الأطراف على حل يرضي الطرفين ، أم أن هناك حل سحري لا يخطر على بال أحد ؟ الإجابة عن هذه الأسئلة والاستفسارات مرهونة بواقع الحرب القائمة وجملة التصريحات التي تصدر من الطرفين التي تتصف بالتزمت والتمسك لآخر رمق ، وبالتالي صعوبة تحديد الحلقة الأضعف هو أخطر ما في الموضوع .
موسكو إذا لم تخرج منتصرة من هذه الحرب ، ستكون كارثة عليها وعلى شكل الاتحاد فيها ، لأن التاريخ يخبرنا بانتصار الحلفاء الغرب والقرارات التي فرضوها ، وأقرب هذه القرارات إلى الذهنية ، ما فعلوه بالدولة العثمانية ، وألمانيا النازية .. الخ ، وفلاديمير بوتين يدرك تماما ً هذا السيناريو . أما فيما يخص الغرب ، هل يقبل بالواقع الجديد التي فرضته روسيا ، وإقناع القيادة الأوكرانية به ؟ لا أعتقد ذلك فالغرب لديه من المناورة والخداع ما صنع الحداد ..
عذراً التعليقات مغلقة