سمير داود حنوش
وكأن أمريكا تُخبرنا في خُلاصة برنامجها السياسي أنها تُراقب وتنتظر ريثما يتم إتخاذ القرار الذي غالباً ما يكون رد فعل بحجم أكبر يفوق الفعل في قوته، كما إعتاد العراقيون عليه في تعاملهم مع الإدارة الأمريكية عندما تركوا نظام صدام حسين بعد إحتلاله الكويت ولإكثر من اثنتي عشر عاماً يحكم بلداً فُرض عليه حِصار إقتصادي جائر، لم يدفع النظام فاتورته بل الشعب، في حين كان يُمكن إسقاطه بعد الإنسحاب من الكويت مباشرة ، إلا أن القرار الأمريكي كان حينها يُوجِب بقاء صدام بالرغم من كل أخطائه، ربما هي الإستراتيجية الأمريكية في تعاملها مع الأحداث.
بعد أكثر من ثمانية عشر عاماً من تأسيس نافذة بيع الدولار في العراق، وهي فعلاً نافذة لإنعاش إقتصاديات دول مُجاورة أو حتى تلك التي تتشابه أنظمتها المُتهرّئة كما في العراق، كانت أمريكا تُراقب كيف كان الدينار العراقي يُدافع عن التومان الإيراني والليرة اللبنانية وحتى السورية من التهاوي والتآكل والسقوط في قَعر الإفلاس.
كانت نافذة بيع الدولار الواجهة الشرعية لتلك الدول لإستدراج الدولار من الأسواق العراقية تحت غطاء شرعي وقانوني يُؤمّن لها التهريب المشروع.
تكاثرت المصارف والبنوك وبِمُسميّات شتى إشتركت في مزادات بيع العُملة في مشهد يُوحي أن العراق أصبح الرئة التي تتنفس منها إقتصاديات تلك الدول.
أمريكا تكتشف بِمُحصّلة ترقّبها وإنتظارها أن هذا (الشُبّاك) ماهو إلا (ماكنة) يسحب منها الزبون المبلغ الذي يُريده وفي أي لحظة يشاء.
لم يتفاعل الإعلام العراقي أو حتى التعليق فيما إذا كان سيتم وضع هذه النافذة تحت الوصاية الأمريكية من خلال ربط سياسات البنك المركزي العراقي بوزارة الخزانة والبنك الفيدرالي الأمريكي لمراقبة كل الحوالات الصادرة إلى الخارج، خصوصاً وأن جميع الأموال العراقية الواردة من مبيعاته النفطية تودّع في البنك الفيدرالي الأمريكي الذي يُطلِق بدوره التحويلات المالية لوزارة المالية العراقية، وهذا يعني فرض الوصاية الأمريكية على الأموال العراقية.
حضور طيف سامي وزيرة المالية إلى واشنطن لتوقيع تعهد عراقي بعدم خروج أي دولار إلى إيران أو سوريا وحتى لبنان، ربما يوحي أن الإتفاقات الشفوية لم تعد تُقنع الإدارة الأمريكية وحتى ذلك التعهّد الخطي الذي سيوقّع العراقيون عليه.
وهنا يقود الحديث إلى السؤال، هل سيعود العراق إلى بنود الفصل السابع وهو الفصل الذي شارف العراق على التحرر من قيوده؟ من المُؤكّد أن الجواب سيكون متشائماً خصوصاً ماتسّرب من بعض المصادر أن الطائرة التي ستنقل فريق وزارة المالية سيُرافقهم مُستشارين أمريكيين للإشراف على عمل ومُراقبة أداء البنك المركزي.
قد يكون من المُبكّر الحديث عن ما ستؤول إليه سياسات البنك المركزي في ظل الرقابة الأمريكية على حوالاته وأنشطته.
إلا أن القرار الأمريكي الذي بدأ يفرض واقعاً جديداً على السياسة النقدية في العراق يوحي بعنوان الوصاية خصوصاً بعد أن إتّسعت دائرة نطاق المصارف المُعاقبة أمريكياً والتي تُتّهم بتهريب العُملة الصعبة إلى بُلدانها التي أنشأتها وتُشرف على نشاطها.
البند السابع وفقراته التي بدأت تلوح في الأفق وتعاود دورة حياته للنظام السياسي في العراق يعني بالمُحصّلة أن يكون البلد فاقداً لإهليته والتحكّم بِمُقدّراته الإقتصادية لتكون أمريكا هي المُتصرّف الشرعي لتلك الإيرادات والتحكّم بها كيف ومتى تشاء لإطعام وإكساء الشعب العراقي.
لم يُدرك ساسة العراق حجم الخطأ والخطيئة التي كانوا يتمادون فيها حين كانوا يَصمّون آذانهم ويُغمضون عيونهم عندما كانت النصائح تأتيهم من الداخل والخارج بضرورة كبح جِماح هذه النافذة للتهريب، فقد إعتقدوا أن السكوت والتغاضي يعني الرضا والقبول بأفعالهم.
لكنها أمريكا تنتظر وتُراقب فكانت النتيجة أن إنقلب السِحر على الساحر وتلك هي مُشكلة السياسة في العراق.
جبارعبدالزهرةالعبودي من العراق منذ سنتين
انا كعراقي ارحب بالقرار الامريكي في مراقبة البنك المركزي العراقي في سياسته المالية المليئة بالفساد والمحسوبية والمنسوبية اضافة الى الفساد الاداري والوظيفي فظاهرة الفساد العام وفي المقدمة منها سرقة المال العام من قبل طواقم الحكومة في رئاساتها الثلاث هي من اكبر التحديات التي تواجه مصير وحياة الشعب العراقي وتهدد آفاق الحاضر والمستقبل بكوارث ومخاطر جسيمة لايمكن تحديد او تقييم آثارها الماحقة على مجالات الحياة اليومية لاهل العراق 0
فضلا عن ان السياسة المالية العراقية هي سياسة فاشلة ومتهرئة ومضطربة ادت الى سوء التصرف بعائدات العراق المالية المتاتية من بيعه للنفط بشكل حصري فالعراق ليس بدولة صناعية يمتلك صناعة تحويلية فصناعته تشكل نسبتها (2%) من الناتج المحلي الاجمالي وقطاع الزراعة والصيد فيه ضعيف ونسبته في الناتج المحلي الاجمالي للعراق لا تغطي سوى (5%) لذا لا يستطيع العراق الاعتماد على ايرادات صادراته الصناعية والزراعية في تمشية احوال اقتصاده العام ودعمه نحو التحسن لخدمة الشعب في توفير الخدمات العامة له وتحصيل السلع والبضائع الضرورية لحياته اليومية وكذلك لبناء البنية التحتية للبلد وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة 0
فالعراق دولة ريعية تعتمد على عائدات تصدير الريع النفطي الذي يغطي تقريبا (93%) من الايرادات العامة للعراق وسرقت وتسرق من هذه العائدات الضخمة من الاموال العامة اموال الشعب مبالغ طائلة من قبل الحكام الفاسدين الخونة 0
لذلك ارى ان القرار الامريكي بمراقبة الاداء المالي للبنك المركزي العراقي صائبا كل الصواب خاصة اذا كان مشفوعا باعادة اموال العراق تحت وصاية البند السابع من القانون الدولي فانه سوف يوجه ضربة ماحقة للفاسدين من المسؤولين العراقيين ويحرمهم من السرقة لان الاموال سوف تصرف تحت اشراف المجتمع الدولي ومراقبة امريكية الا في حالة واحدة وهي ان امريكا تتبع سياسة رقابية تبقي نافذة الفساد مفتوحة لهم اذا كان الفساد لا يضر بمصالحها وهذا امر غير مستبعد لان امريكا هدفها انهاك الشعب العراقي عبر شل حركة اقتصاده ورفع اسعار السلع والبضائع المستوردة والمصنعة محليا من طريق رفع مستوى سعر صرف الدولار الامريكي في مقابل سعر صرف الدينار العراقي وبذلك توفر امريكا للحكومة العراقية الاجواء المناسبة لاتباع سياسة اقتصادية فاشلة تزيد نسبة البطالة وترفع حالة الفقر وتقوي معدلات التضخم 0
لذلك كمواطن عراقي اجد ان العراق مقبل على تدهور اقتصادي حاد وخطير ومن مسبباته الرئيسة هي خسارة العملة العراقية لجزء من قيمتها امام الدولار الامريكي والذي سيؤدي بدوره الى موجات متتالية من ارتفاع الاسعار العامة وانتشار عوامل الغلاء الفاحش وينتج عنه كتحصيل حاصل تآكل دخل الفرد العراقي فضلا عن انه سيمر بازمة وطنية واهلية وامنية وسياسية كبيرة لان امريكا لايمكن ان تحصر نشاطها في اطار الاشراف على السياسة المالية العراقية فان ذلك لن يحقق لها اهدافها مالم تضع يدها في كل صغيرة وكبيرة من مفردات الشان الداخلي العام للعراق لتضمن انسيابية مسار الحراك الحكومي والشعبي في العراق تحت تصرف قبضتها وان تجعل من كل حركة في العراق تمر من خلالها وتحت اشرافها وبالاتجاه الذي يخدم مصالها ونفوذها في العراق وفي المنطقة