د. فارس الخطاب
من يراقب الحالة العراقية كما يحلو للكثير من المتابعين الغربيين تسميتها، بعيداً عن الأجواء الحماسية التي رافقت أيام بطولة الخليج العربي لكرة اقدم ، وما بعدها ، يلاحظ تحركات أمريكية – إيرانية صوب بغداد وتحديداً نحو مقر رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، الذي فيما يبدو أنه فوّض من قبل قادة الإطار بإشاعة (روح التفاؤل والاستقرار) لتحويل عاطفة الشارع العراقي المعارض لتوجهاتهم المأدلجة إيرانياً ، خلال الفترة المقبلة حتى يضمنوا إخراج التيار الصدري من المعادلة الخطرة لكسب الأصوات في الانتخابات المقبلة، إضافة إلى طموحات شخصية يحملها السوداني تتعلق بتحقيق مكاسب خدمية متزامنة مع انفتاح نحو دول الخليج العربي، وستظهر نتائج هذه الطموحات بوضوح خلال مجريات العام الحالي إن لم تتغير سياسات طهران في هذا الإتجاه وممارسة مزيداً من الضغوط على السوداني وقادة الإطار على حدٍ سواء.
السوداني الذي يحاول أن يمسك عصا إدارة الدولة العراقية من أوسطها، ويكسب رضا واشنطن وطهران، دون المساس بقدرته على تقليص الحنق الشعبي العراقي على التدخل الإيراني الممنهج والفاضح في بلدهم الذي كان سبب وشعار أغلب الاحتجاجات والتظاهرات التي قام بها الشباب العراقي وفي جميع المحافظات، وقد ظهر ذلك جلياً بعد أن أعلن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، في الحادي عشر من شهر يناير/كانون الثاني الجاري، إنه تم استدعاء السفير العراقي لدى طهران، إلى مقر وزارة الخارجية بعد استخدام السلطات العراقية لـ”مصطلح وهمي” ويقصد “الخليج العربي”، بدلا من مصطلح “الخليج الفارسي”، مضيفا: “وعكسنا حساسية الشعب الايراني تجاه استخدام المصطلح الدقيق والكامل للخليج الفارسي إلى الجانب العراقي”.
السوداني الذي أكد خلال مقابلة له مع صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، نشرتها الأحد 15 يناير/ كانون الثاني الجاري، أنه يتجه نحو بناء علاقات عراقية متوازنة مع الولايات المتحدة الأمريكية ومع إيران باعتبارهما الدولتين الأكثر نفوذا وتأثيرا في مسارات سياسة بلاده، وأنه سيرسل وفداً رفيع المستوى برئاسة فؤاد حسين، نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية، إلى واشنطن لإجراء مباحثات مع المسؤولين الأمريكيين ربما تمهد لزيارته إلى هناك كما فعل أسلافه من رؤوساء الحكومات بغض النظر عن ولاءاتهم وأغلبها كانت بالطبع إلى طهران.
العراق الآن يمر بمرحلة حساسة جداً في موضوع العلاقات مع واشنطن، وفي ظل ظروف إيران المتراجعة باضطراد من جهة المستقبل السياسي والاقتصادي للنظام تأثراً بالعقوبات والأمريكية-الأوروبية من جهة، والتظاهرات المتصاعدة في جميع محافظات البلاد من جهة أخرى ، مما أوجب أن يكون السلوك الإيراني دقيقاً لضبط ردود الأفعال المرتبطة به وبحلفائه، – ووفق هذا التصور – حيث تسعى الحكومة في بغداد، المنبثقة من روح “الإطار”، إلى تجنب أي توتر في العلاقات مع واشنطن حتى لا يُقدم البنك الفيدرالي الأمريكي، الذي يفرض وصاية على الأموال العراقية، على اتخاذ عقوبات تزيد من حدة الأزمة الاقتصادية التي يعيشها العراق حاليا، ويحُجّم كمية الأموال بالعملة الصعبة التي تقوم بنوك عراقية “معلومة لواشنطن ” بشرائها من البنك المركزي العراقي ثم تعيد تحويلها لإيران وهو من أهم أسباب تراجع أسعار صرف الدينار العراقي مقابل الدولار الأمريكي حالياً.
إن تحرك واشنطن لم يقتصر على مستوى سفيرتها الفاعلة في بغداد ألينا رومانسي بل أرسلت وفدا أمريكيا كبيرا برئاسة نائب مساعد الرئيس الأمريكي منسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بريت ما كغورك، بحث مع السوداني جملة من الملفات كان من أهمها تأكيد العراق على إلتزامه بإتفاقية “الإطار الإستراتيجي” والإلتزام بموضوع العقوبات على إيران مقابل تقديم واشنطن لدعمها برنامج الحكومة الإصلاحي في مجالات الطاقة والبنية التحتية والمناخ والاستمرار في دعم وتمكين القوات الأمنية العراقية في قتالها ضد تنظيم “داعش” الإرهابي .
هناك أمر تعلمه واشنطن جيداً ، وهو أن محمد شياع السوداني هو مرشح “الإطار التنسيقي” وتحديداً مرشح رئيس الوزراء الأسبق ، نوري المالكي، الذين يتبنون سياسة (إخراج) القوات الأمريكية من العراق وبكل الوسائل الممكنة ، بمعنى أن سحب السوداني لتجديد العمل باتفاقية “الإطار الإستراتيجي” سوف لن يمر دون متابعة وحساب من قبل قوى الإطار، وخاصة تلك التي لا تملك خبرات سياسية تمكنها من تقدير الموقف بشكل سليم ، وعلى هذا الاعتبار فقد أرسلت طهران قائد فيلق القدس ، ذراع الحرس الثوري الإيراني الأقوى، إسماعيل قآني، إلى العراق ليس للتصعيد مع واشنطن بل لضبط إيقاع التعامل معها حتى لا تغلق الأخيرة أبواب العراق بشكل كامل تجاهها وبالتالي فقدان الكثير من الفوائد الجيوسياسية والاقتصادية المتأتية عبر هذا البلد.
الشرط الذي يستوجب ضبط ايقاعه هو، محمد شياع السوداني، الذي تتوجس إيران منه خيفةً من خلال مؤشرات تبدو حتى هذه اللحظة بالنسبة لطهران تميل لصالح واشنطن ؛ تصريحات ومواقف وتوجه نحو إقامة علاقات متينة ومتطورة مع حلفائها في المنطقة كالمملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، إضافة إلى تحول فعلي مهم تمثل في زيارة السوداني إلى جمهورية ألمانيا الإتحادية والتوقيع على مذكرة تفاهم شراكة إقتصادية مع ألمانيا وكذلك مع شركة “سيمنز” الألمانية لزيادة إنتاج الطاقة وتحسين عمليتي النقل والتوزيع وتقليل الضائعات ، وهو الأمر الذي قامت به حكومات سابقة مع نفس الشركة دون تنفيذ أي بند من بنود الاتفاق القديم الجديد . وتعلق أسباب التماطل على شماعة طهران بسبب حصولها على مئات المليارات من الدولارات كأثمان للغاز المصدر إلى العراق لتشغيل مولدات الطاقة الكهربائية أو الكهرباء المصدر كمنتج لبعض محطات التوزيع هناك، وشماعة واشنطن بسبب رغبتها باحتكار هذا الملف لشركة جنرال الكتريك الأمريكية، ناهيك عن رغبة الطرفين مع أرباب العملية السياسية بإذلال الشعب العراقي وتجهيله عبر بوابة حرمانه من وسائل القدرة على البناء والتطوير وخاصة في مجال التنمية البشرية.
عذراً التعليقات مغلقة