د. عماد الدين الجبوري
كاتب وباحث -لندن
تدنو حرب روسيا على أوكرانيا من دخول سنتها الثانية، وسط خسائر موجعة لحقت بالطرفين عسكريًا ومدنيًا وماديًا. وفي الأسابيع القليلة الماضية، أرتفع التدمير الروسي التدريجي للبنى التحتية الأوكرانية، مع ضربات صاروخية انتقامية راح ضحيتها المئات، وبالمقابل أخذ الدعم الغربي يتصاعد لإسناد أوكرانيا بالمال والسلاح والإعلام وخفايا نجهلها في هذه المرحلة، يجابهه أيضًا تضامن صيني وليونة منظمة آسيان للجانب الروسي.
ومن الواضح لغاية الآن، أن روسيا لن تخسر هذه الحرب، التي شنتها دفاعًا عن أمنها القومي تجاه التوسع المتزايد لحلف النيتو نحو حدودها مباشرة. وكذلك أوكرانيا لن تكسب الحرب بالجيش النظامي وحسب، إذ ليس بمقدورها دحر القوات الروسي نهائيًا واسترجاع أراضيها كافة. كما أن علامات النصر متوارية من كلّا الجانبين، وفي الوقت ذاته، شروط وقف إطلاق النار تكاد تكون مستحيلة.
فما الذي يمكننا أن نستشفه؟
وفق ما يبدو، فإن الغرب يرمي إلى إطالة أمد الحرب إلى أقصى فترة ممكنة، لكي يحقق بضعة أهداف رئيسة ومهمة. أولها، استنزاف الاقتصاد الروسي شيئًا فشيئًا.
ثانيها، إنهاك الجيش الروسي من جهة، وتفريغ الترسانة الروسية من جهة أخرى.
ثالثها، خلق تذمر شعبي يدفع نحو تحريك الشارع ضد سياسية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ورابعهًا، تكون نتائجها إثباتًا إلى القدرة الغربية بزعامة الولايات المتحدة الأميركية بمواصلة بسط نفوذها على العالم من دون منافس لها.
المفاجأة المريبة، أنّ واشنطن قررت بيع الغاز الأميركي لحلفائها الأوربيين بأربعة أضعاف فوق السعر الروسي. وهذا ما جعل بعض الزعماء الأوروبيين أن ينقدوا الاستغلال الأميركي الفاحش وغير المتوقع
وبحسب تصوري، فإن هذه الحسابات أقرب إلى الرهان المجهول، إذ استطاعت روسيا أن تخفف كثيرًا من تأثير هذه الحرب على بنيتها الاقتصادية، بل بعد فترة وجيزة من بدايتها في 24 شباط/فبراير 2022 تحسن وارتفع سعر الروبل مقابل الدولار الأميركي، جراء فرض موسكو في بيع غازها بالعملة الروسية، وأن دول الاتحاد الأوروبي، 27 دولة، لم توافق جميعها على العقوبات الغربية، وتعاملت بعضها مع روسيا بشراء الغاز وفق شروطها.
وبالمقابل أعلنت روسيا عقوباتها المضادة أيضًا. كما أن المفاجأة المريبة، أن واشنطن قررت بيع الغاز الأميركي لحلفائها الأوربيين بأربعة أضعاف فوق السعر الروسي. وهذا ما جعل بعض الزعماء الأوروبيين أن ينقدوا الاستغلال الأميركي الفاحش وغير المتوقع، فالرئيس الفرنسي ماكرون، خلال مؤتمر صحفي في بروكسل بتاريخ 21 تشرين الثاني/أكتوبر 2022، أنتقد “المعايير المزدوجة” التي تتبعها الولايات المتحدة.
إن الوضع المذكور آنفًا، يدل على أن رحى الحرب الدائرة منذ سنة تقريبًا، قد آذت وأضرت بالدول الأوروبية المعتمدة على الغاز الروسي أصلًا. كما كشف أيضًا، أن الولايات المتحدة تريد استنزاف أوروبا ماليًا، وجعلها بحاجة أكثر إلى زعيمة الغرب. ومثل هذا الوضع لا يخدم الأوروبيين بقدر ما ينفع الأميركيين، وفي كل الأحوال، هي ذي إحدى انعكاسات الرأسمالية الجشعة، إذ أن النرويج كذلك حذت على المنوال الأميركي، وهذا ما دفع ماكرون في مؤتمره أن يصف الولايات المتحدة والنرويج، في “تحقيق أرباح طائلة، مستفيدة من الحرب”.
وعليه، فإن الحسابات الأميركية بصفة خاصة، والاتحاد الأوروبي بصفة عامة، تجاه دعم أوكرانيا بغية تحقيق الأهداف السالفة الذكر، فكذلك على الغرب أن يضع في حساباته نتائج الحرب المتواصلة من دمار وخراب ومعاناة يومية قد تشكل ضغطًا نفسيًا وحياتيًا لا يتحملها الشعب الأوكراني وحده، إضافة إلى أن بولندا تطمح باستعادة أراضيها التاريخية في غرب أوكرانيا، التي اقتطعت منها بعد الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، وتمتلك 1800 متطوع بولندي يقاتلون حاليًا في أوكرانيا، في تنفيذ المرحلة الأولى من خطة التقسيم، بحسب تقرير صحيفة “زينيك” البولندية، وكذلك وسائل إعلام غربية أخرى.
هذا إن لم نشر إلى أن أسباب حرب أوكرانيا لا تقتصر على الأمن القومي الروسي فحسب، بل تتعلق أيضًا في بروز قوى في الشرق تجابه الغرب، فدول ثقيلة ومهمة مثل روسيا، الصين، الهند، أندونيسيا، السعودية وغيرها لا تريد أن يسيطر على العالم قطب واحد يملي على الأخرين سياسته وثقافته ومصالحه فقط. وهذا يعني، أن مستقبل حرب أوكرانيا سيكون ميزان بين الشرق والغرب، بين قوى أخذة بالتبلور لخلق عالم متعدد الأقطاب مستقر، وبين قوى تريد الاستمرار بالتفرد العالمي بلا منافس. وبذلك، فمن الأفضل للغرب أن يعيد حساباته بدلًا من المواصلة على رهان مجهول.
سركول الجاف منذ سنتين
سلمت يداك على هذا التوضيح دكتور