ورقاءُ المنائر – قصيدة: نصير الشيخ

ورقاءُ المنائر – قصيدة: نصير الشيخ

آخر تحديث : السبت 28 يناير 2023 - 8:09 مساءً

ورقاءُ المنائر

PHOTO 2023 01 28 16 06 00 - قريش

نصيرُ الشّيخٍ

شاعر عراقي

1

ــ وَقيلَ إنّ عمامتهُ أضحت شرائطَ للمجذوبينَ

  وَقِيلَ إنّ جثتهُ تطامنتْ في ماء دجلةَ َ وطينِها

  وَقِيلَ إنّ روحهُ طافت سماءَ بغدادَ كسحابةٍ لاتعرف المطرَ..

2

ــ وَردَّ على الأقاويلِ صاحبُهُ صائحاً من جهة الكرخ:

     … شاهدتُ بعينيَّ رُوحاً ثكلى تَصعدُ..تَصعدُ لِمدارجها،

     لهُ يَعــــــــــلقُ رُيشُها كورقاءَ عندَ المَائرِ، يتبعُها طائرٌ لا لونَ

   يتلو الشهادةَ،عَرَّشَ منذً الظهيرةِ عندَ هِلالِ المآذن.

3

ــ كان الجسرُ ببغدادَ عُرسَاً للدراويشِ وحامِلِي الدّفُوفِ،ومَعبَرَاً عبدُهُ كحلُ المترهباتِ على صفيهِ من رُصافتهِ، مواكبُ تترى من النائحينَ يتبعُهُم رمادٌ متناثرٌ وما تَبقّى من هواءِ السًلخ.

وللنخيلِ في بساتينِ ” كلــــواذا” صمتُ آسرٌ وحزنٌ مقيمٌ على سعفهِ ودمعٌ مخاتلٌ عند الفسائلْ.

مَساءٌ باكٍ يكللُ هذا الجسرَ،نحيبٌ يتطاولُ نحوَ أعمدةٍ خضراءَ،لهبُ الفوانيسِ يبدو راجفاً ساعاتها، وبِلاطُ ممراتهِ كان لزجاً منذُ صمتٍ طويلْ.

!!… قيامة الصلبِ تتوسطُ الجسرَ، فارعٌاً في صحوةِ ضميرهِ،وفِزعاً أبكماً مما جَرى

رِقاعٌ من جلدِ العاشقِ مُطبقٌ،وجسدهُ تراهُ مصلوباً، وشاهداً على أزمنة السّلخِ وَحَفلِ الدمْ.

4

ــ لِلفجرِ مَذاقٌ غريبٌ في سَماواتِ بغداد َ، للنوارسِ عزلتُها وخشوعُها الأبيضُ، ولِلشواطئ شهقاتٌ حَرّى تكتمُها القواربُ،مُستلةً من شبِاكِ الصيادينَ، وللأزقةِ حكاياتٌ عن عاشقٍ أذابَ روحَهُ نغماً، وجسدَهُ ناياً من نأيٍ وقصب..!!

وللبُيوتِ أسرارُها عندَ العَتباتِ تُعيدُ ما رُويَ عن العَاشقِ الذاهبِ في حُبّهِ حدّ الفناء.

5

ــ هَكذا شاعَ المقتلُ في حواري بغدادَ.

..مَاتَ عطشاناً لم يُسْقَ منْ ماءِ التّوبةِ .

         شَهِقتْ روحُهُ تَستصرِخُ الأولياءَ وآصحابَ الذكر،ِ

         وعلى كلِّ جِدارٍ من كرخِها أثرٌ لصحائفِ عِشقهِ، وعلى كلَّ ِ جِذعِ نخلةٍ من رُصافتِها

        . تبزغُ آيـــــــــــــاتُهُ

شَمسٌ تَتبتلُ في أكوانِها تطلُ على بغدادَ دَامعةً، يَحضرُ فيها أزلٌ،

وتغيبُ عن جسورِها الآبـــــــــــــادُ..!!

6

ــ قالَ صاحبُهُ الأوفى:

ــ عندَ وسَادتهِ وجدوا صحائفَ مَعنى وتراتيلَ هُيَامٍ

وقالَ جارُهُ:

ــ عندَ ليلةِ السُّهدِ تَلألأ على سَطحِ دارهِ هلالٌ ونجمةٌ أباحَا ســــرَّهِ

وقالتْ عجوزُ الحيِّ:

ــ وجدوا على صْوفِ سجادتِهِ تمائمَ خُضرٍ ومسبحةً زرقاءَ، وخرزاتٍ كونيةً من نقيعِ الدمِ…

  شممنَا منها رائحةَ الهَيمانْ.

ومَرَّ حوذيٌ مُسرعاً بعربتهِ التي تَجرْها خيولُ الغيبِ صائحاً في الصُوبينِ:

ــ لقدْ كُشِفَ السّـــــــرَّ

     كُشفَ السِّــــرَّ هـــو..

      !!… كُشِـــــــــفَ السَّـــرْ

10 نيسان 2022

خاص لصحيفة قريش – ملحق ثقافات واداب -لندن

كلمات دليلية
رابط مختصر

عذراً التعليقات مغلقة

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com