سمير داود حنوش
إعتادوا التسابق للظهور في البرامج الحوارية حتى أصبح بعضهم نجوماً تفوق نجوميّة الفنانين والرياضيين، فرصة سانحة لهم لِتحقيق غايات ومآرب شخصية جعلتهم يتشاركون عالم السياسة بِسيئاته وخطاياه، إحتلّوا مساحات البث الفضائي بِساعاته الطويلة في الكثير من الفضائيات العراقية.
مُقدمو برامج أصبحت قصصهم وحكاياتهم تتشابه مع حكايات السياسيين، حتى أن بعضهم دخل عالم السياسة عندما إستنجدت به حكومات سابقة ناطقاً بإسمها لِترفضه بعد ذلك حين وجدته صبيّاً لايُجيد فنون اللعبة وخبايا السياسة ودهاليزها، عاد بعدها إلى أضواء الإعلام لِتُكتب له نهاية تورطه بِملف قضية سَرِقة القرن.
مُقدمة برامج تُقيم في دولة مُجاورة إقتحم الأمن شقتها عندما كانت في جلسة لِتناول المُخدرات، حكايات لاتنتهي عن مُقدمي برامج يرتبطون بِعلاقات صداقة وعمل مع رجال السياسة والبرلمان وأبواقاً لهم حين يتطلب الأمر الدفاع عنهم، حتى الإعلام لم ينجو من براثن الفساد، بل أصبح شريكاً له ومُدافعاً عنه.
عندما تُشاهد برامجهم الحِوارية ينتابك الأمل أن الاصوات الحُرّة مازالت بخير في رجالها وجنودها بِصور هؤلاء الأنيقة التي تَضّج ملامحهم بالثأر للفقراء والجياع ونقاشهم وإستجوابهم للضيوف عن حقوق الوطن والمواطن حتى تُصاب بِنوبة إنفعال تجعلك ترغب بتقبيل رؤوسهم لتلك الشجاعة والجُرأة في طرح الأسئلة التي تُحرج الضيف.
لم تعد الذاكرة تستوعب حجم الفساد الذي غرق في بحره هؤلاء الإعلاميين الذين تختبئ ورائهم منظومة سياسية تستعين بهم لِتبييض أموالها ووجوهها.
بدأوا يستفيدون من خبرة السياسي في المُراوغة والخِداع في مجالهم الإعلامي، وبعد..هل بقى الإعلام تلك السُلطة الرابعة التي سبقتها التنفيذية والتشريعية والقضائية؟ بالتأكيد لن يبقى كذلك، حكايات وقصص عن مُقدمي برامج إتُّهموا بِقضايا فساد وإبتزاز يجعلك في شك إن كان الحق لهم أو عليهم وتتسائل أين دور القضاء إن كانت ملفات الفساد تُطرح في الإعلام؟ إنهم بالنهاية يعيشون ضمن منظومة إغواء وإستدراج لايُمكن التخلص منها.
ضاعت الرسالة الإعلامية في متاهات المرتزقة وفي غياهب التيه والفوضى بعد أن وجدوها فُرصة لن تتكرر في نيل حصصهم من إبتزاز قضايا الفساد وتقاسمها مع الفاسدين.
الإعلام ذلك العالم الجميل النقي لوّثوه بِفسادهم حين جعلوه يتواطئ مع الجميع في سَرِقة القرن التي تُقدّر باكثر من (3) مليارات دولار.
إشترك الإعلام مع رؤساء ووزراء وبرلمانيين وشبكة من الفساد يعجز العقل عن تفسير ماحدث أو تبرير كيف وصل المال المنهوب من خزائن البلد إلى تلك الأيادي الفاسدة.
بالمُحصّلة أدركنا أن حواراتهم وجِدالهم وملابسهم الأنيقة كانت لِغايات الحصول على حصص من الفساد لأنهم ليسوا بأحسن حال من السياسيين اللصوص.
برامجهم الحوارية أصبحت وسائل للإبتزاز ووصول للغايات التي يطمعون لها بعد أن أصبح منهم تُجاراً ورجال أعمال ومُرتزقة يخفون وجوههم الحقيقية وراء أقنعة الإعلام، وبرامجهم التي تدّعي مُكافحة الفساد.
تحوّلت البرامج الحوارية إلى طاولة عقد صفقات الفساد تحت عناوين البحث عن حلول ونهايات لأزمات المواطن المتواصلة التي لاتنتهي.
مُخادعون يُحاولون تكرار هُرائهم في كل مرّة تظهر فيها برامجهم في فضائيات إبتزازيّة، لكنهم يتغافلون عن حقيقة أن المواطن إعتاد قراءة وجوههم المُتلوّنة بألوان شتّى ويفهم مقاصدها حين يُدرِك أن الجميع بات يخدعه.
المُفارقة أنَّ مُرتزقة الإعلام لايتعبون ولايملّون من تكرار برامجهم حتى لو إضطرت العائلة إلى إطفاء جهاز التلفاز لغرض النوم، فكوابيس هؤلاء ستظهر حتى في المنام، وتلك هي مُصيبة الفساد في العراق أنه يظهر في كل مكان حيث تكون موجوداً أيها المواطن.
عذراً التعليقات مغلقة