أزمة دولة .. أزمة دولار

آخر تحديث : الخميس 2 فبراير 2023 - 12:07 مساءً
أزمة دولة .. أزمة دولار

د.فارس الخطاب

thumbnail image 4 - قريش
د فارس الخطاب

ليس للدولار الأميركي في العراق أزمة بل هو إجراء معلوم بالنسبة للحكومة العراقية جاء نتيجة تهاون أو تواطؤ الحكومات المتعاقبة في موضوع التحويلات المصرفية أو عبر المنافذ الحدودية لمئات الملايين من الدولارات إلى إيران، وهذا الإجراء ربما لم يفاجئ محمد شياع السوداني ، رئيس مجلس الوزراء العراقي ، لإن الجانب الأميركي أطلعه على نتائج متابعتهم لحركة الأموال العراقية وبالأرقام وأسماء الشبكات التي تقوم بهذه العمليات وهم مجموعة من الإيرانيين وبعض العراقيين وبإدارة وإشراف السفارة الإيرانية في بغداد التي تتولى شؤون ملفات عديدة ، كل ملف منها يعتبر تدخلاً في الشأن العراقي.

نعم فإن انخفاض قيمة الدينار العراقي وارتفاع أسعار الدولار في الأسواق وتداعيات هذا الارتفاع على أسعار المواد المواد الغذائية والسلع المستوردة في البلاد تقف ورائها إجراءات وزارة الخزانة الأميركية وتحديداً والاحتياطي الفيدرالي في نيويورك إستهدفت بدايةً مجموعة من المصارف التجارية العراقية التي تتعامل مع إيران وتحت أغطية متعددة للإفلات من العقوبات المفروضة على طهران ثم أعقبتها بكشف لإسماء الشبكة المتعاملة بذا الموضوع والذي تعتبره واشنطن غسيلاً للأموال ومحاولةً لتخفيف الضغط على الحكومة الإيرانية اقتصاديا.

“حان الوقت لجعل النظام المصرفي العراقي يمتثل لممارسات تحويل الأموال العالمية” بهذه الجملة التحذيرية عبر مسؤول كبير في الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، عن جدية واشنطن في شد الحبال تجاه الحكومة العراقية التي خسر العراق بسبب إغماضها عيونها عن عمليات تهريب الدولار لسنوات طويلة مئات المليارات كانت كافية لإعادة إعمارالعراق وبناء شبكة خدمات مثالية لشعبه، وفعلاً فإن نتائج الإجراءات الأميركي خفضت كمية المبالغ المهربة إلى إيران وخلال ثلاثة أشهر فقط من حوالي 250 مليون إلى حوالي 20 مليون دولار يومياً بحسب المراقبة الأميركية.

لطالما كانت العلاقة بين إيران والعراق ما بعد إحتلاله عام 2003م مبنية على أساس نظرية الأواني المستطرقة، ولكن بإتجاه واحد “العراق” إلى “إيران” وفي مثال العملة الصعبة فإن الأرقام تثبت ذلك وبشكل يومي ومنذ تشكيل أول وزارة عراقية بعد الاحتلال؛ فمعدل التحويل اليومي داخل العراق بحدود 80 مليون دولار وما يذهب إلى إيران (سواء مباشرة أو عن طريق سوريا أو إقليم كردستان) 250 مليون دولار يومياً أيضاً. ولإن هذه النظرية حققت لإيران وحلفائها موارد دائمة، تسابقَ وكلاء إيران في العراق من بعض أرباب العملية السياسية لنقد إجراءات الإحتياط الأميركي ووجهواً سيلاً من الإنتقادات لرئيس الوزراء السوداني لعدم وقوفه بوجه الإرادة الأميركية بحزم، متخذين شعارات عاطفية كـ “سلاح التجويع” للشعب العراقي، في حين هم يعلمون أن السوداني ولِد من رحِم انتماءاتهم العقائدية والتنظيمية وأن واشنطن وضعته على بيّنة من أمره بإسماء وتفاصيل ومواقع شبكات تهريب الدولار من العراق إلى إيران. لكن مما يجب أن يعلمه قادة الإطار التنسيقي أن البينة لا يمكن أن يغطيها أحد، وقد وضعت واشنطن هذه البينّة أمام أنظاره حتى خرج بلقاء تلفزيوني ليقول”في السابق، كنا نبيع 300 مليون دولار، 200 مليون دولار، 250 مليون دولار، باليوم الواحد. الآن، البنك المركزي يبيع يومياً 30 أو 40 أو 50 مليون دولار، وما الذي تغير، ما الذي فُقد في السوق، لا شيء إذاً، أين كانت تذهب الأموال التي تخرج؟ وكلها بفواتير مزورة. هناك سلع يُدخلونها بأسعار غير منطقية، واضح أن الهدف منها إخراج العملة خارج العراق، هذا الأمر يجب أن يتوقف”. ويضيف “نسمع أن هناك تهريباً لأموال تُنقل إلى إقليم كردستان، ومن الإقليم تذهب إلى دول الجوار”.

عمليات التهريب لسنوات طويلة مئات المليارات كانت كافية لإعادة إعمار العراق وبناء شبكة خدمات مثالية لشعبه، وفعلاً فإنّ نتائج الإجراءات الأميركي خفضت كمية المبالغ المهربة إلى إيران وخلال ثلاثة أشهر فقط من حوالي 250 مليون إلى حوالي 20 مليون دولار يومياً بحسب المراقبة الأميركية.

من خلال تصريح محمد شياع السوداني يتضح حجم هزالة الدولة العراقية التي دأبت خلال أكثر من عشرين عاماً على وضع شعبها في حالات متنوعة من القحط والإرهاب وإنعدام الخدمات والتعليم والأهم التطلع إلى مستقبل معلوم، 20 عاماً وإيران على وجه الخصوص وفيلق القدس الذراع الأقوى للحرس الثوري الإيراني يسرح ويمرح في كل أنحاء العراق مساهماً في قتل واختفاء مئات الآلاف من العراقيين، 20 عاماً وهذه الحكومات تصدر لإيران الدولارات الخضراء وتوزع على شعبها “الحصرم”. 20 عاماً ولم تجرأ حكومة واحدة على طرح موضوع تحويل مجرى أنهرها التي كانت تمثل روافد لنهر دجلة وسواه على الحكومات الإيرانية المتعاقبة ، وهذه المعلومة أكدها بشكل واضح وصريح نائب رئيس الوزراء، وزير خارجية العراق، فؤاد حسين من خلال لقاء أجرته قناة عربية بارزة.

وعلى ذكر فؤاد حسين ، فإن الولايات المتحدة لم ترغب بتحديد موعد لزيارة رئيس مجلس الوزراء العراقي ، محمد شياع السوداني، لواشنطن ، حتى يتم التوصل إلى صيغ يتوقف معها العراق على إستخدام نظرية الأواني المستطرقة لصالح إيران ، فكان الاتفاق أن يكون هناك لقاء مع وزير خارجية العراق ومحافظ البنك المركزي مع بعض المسؤولين العراقيين في واشنطن يوم 7 فبراير/شباط 2023م ، حتى يشكلوا قاعدة مواقف تجاه إيران ، وهو أمر بالغ الصعوبة والأهمية ؛لإنه سيفضي إلى سلوك جديد لواشنطن في العراق بعيداً عن التوترات مع إيران مع دعم حكومة السوداني إذا ما رغب بنزع عباءة الإطار التنسيقي عن كتفيه.

إن أهم ما يميز فترة حكم محمد شياع السوداني هو العلاقة المضطردة مع السفيرة الأميركية في العراق، إلينا رومانوسكي، والأخيرة حاولت أن توضح للعراقيين أن السلوك الأمريكي لصالح الشعب العراقي في النهاية ،حيث أكدت في لقاء لتلفزيوني لها “أن الولايات المتحدة لا تضع ولا تحدد سعر التصريف بين الدولار والدينار، وإنها لم تفرض عقوبات جديدة على مصارف في العراق، بل تواصل آلية استغرقت عدة أعوام لتقوية القطاع المصرفي العراقي من أجل مساعدته على الامتثال للنظام المصرفي العالمي، وضمان منع استخدام النظام المصرفي لغسل أموال الشعب العراقي وتهريبها إلى خارج العراق”. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل أن واشنطن ترغب بمنع تهريب أموال الشعب العراقي إيذاءً لإيران وإلتزاماً بالعقوبات المفروضة عليها ،أم أنه سلاح مزدوج يشمل إيذاء إيران من جهة والضغط على شعب العراق للقبول بأي مخرج يعيد لهم مستوىً جيد من العيش الكريم بغض النظر عمن يحكمهم؟

رابط مختصر

عذراً التعليقات مغلقة

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com