د. عماد الدين الجبوري
في التاريخ النضالي إلى حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق “ثورة 8 شباط” في عام 1963، التي تُسمى أيضًا “عروس الثورات”، إذ جاءت ضد تفرد الزعيم عبد الكريم قاسم في السلطة، وقراراته السلبية سواء بإعدام بعض من “الضباط الأحرار”، ومعارضته الشديدة للوحدة بين العراق ومصر، واجراءاته القمعية ضد البعثيين والناصريين، ومرونته تجاه استفحال حلفاءه الشيوعيين، وغيرها.
وحيال هذا الوضع الذي أدى إلى تصادمات دموية بين البعثيين والشيوعيين، واضطرابات سياسية واجتماعية، فجّر حزب البعث ثورته في الساعة التاسعة صبيحة يوم الجمعة الثامن من شباط، وكانت في منتصف شهر رمضان، حيث تقدمت الدبابات من معسكر “أبو غريب” غرب بغداد، في رتلين وباتجاهين اثنين.
الرتل الأول، أتجه صوب وزارة الدفاع التي تحصن فيها الزعيم قاسم مع رئيس “محكمة الشعب” العقيد فاضل عباس المهداوي، والمقدم قاسم الجنابي والنقيب كنعان خليل وآخرين، لكن الكثير من الضباط أدركوا حتمية فشل المواجهة وفضلوا الانسحاب والتواري.
والرتل الثاني، سار نحو دار الإذاعة والتلفزيون في منطقة الصالحية وسط العاصمة بغداد، مع غارات جوية نفذتها الطائرات الحربية، إذ قصفت مدرج المطار في معسكر الرشيد، الذي يقع في الجنوب الشرقي من بغداد، وكذلك قصفت وزارة الدفاع، وطلعات جوية متواصلة دعمًا إلى تحركات القطعات العسكرية على الأرض.
وفي اليوم التالي، تمكن قادة الثورة من إجبار الزعيم قاسم ومن معه على الاستسلام، فتم اقتيادهم إلى دار الإذاعة والتلفزيون، التي أتخذها القادة مقرًا مؤقتًا لهم، وبسبب ظرفية الحال الخطرة وزمنها الحرج، أُجري بحقهم محاكمة فورية وصدر القرار بإعدامهم رميًا بالرصاص داخل استديو التلفزيون، وتم بث تسجيل مصور وهم مضرجين بدمائهم لكي يعلم الشعب نهاية حقبة قاسم. كما تم القضاء على اتباعه الذين استولوا على مرسلات الإذاعة في منطقة ابو غريب.
وهكذا نجحت الثورة في بداية عهد جديد للعراق وشعبه، وتم تعين العقيد عبد السلام محمد عارف رئيسًا للجمهورية، والعقيد أحمد حسن البكر رئيسًا للوزراء، والمقدم الركن صالح مهدي عماش وزيرًا للدفاع، وعلي صالح السعدي وزيرًا للداخلية، وطالب شبيب وزيرًا للخارجية، وعزة مصطفى وزيرًا للصحة، وبالإجمال كان 12 وزيرًا بعثيًا من مجموع 18 وزيرًا في الحكومة الجديدة.
وبما أن هذه أول ثورة يقوم بها حزب البعث، وطبيعة الثورات بأية دولة في العالم عند الممارسة ترتكب بعض الأخطاء، خاصة في عملية التطبيق العملي لنظرية ثورية أو ضبط الأمن ضد الأعداء، لذا فإن تأسيس “الحرس القومي” في 28 شباط، الذي يتألف من قوة عسكرية هي الذراع المسلح للحزب، وترمي إلى معاونة الجيش في بسط الأمن الداخلي، وكان يتزعمها الطيار منذر الونداوي ومساعده نجاد الصافي المواليان إلى علي صالح السعدي. إلا أن بعض المجموعات من الحرس أثناء ممارساتها الأمنية كانت منفلتة سواء بقلة وعي منها أو سوء استخدام الصلاحية، إذ أن قسمًا من الاعتقالات والتفتيش والمعاملة جرت خلالها سلبيات وتصرفات مرفوضة، كما طالت أناس أبرياء، والاقرار بها أصوب من تجاهلها.
على أي حال، بدلًا من أن يقوم عبد السلام عارف بالتنبيه إلى هذا الخلل والعمل على إصلاحه، فإنه استغله ودبّر انقلابًا على حزب البعث واقصاه من الحكم في 18 تشرين الثاني/نوفمبر 1963. كما أن الحزب انجر نحو خلافات فكرية مع القوميين، فأهدر وقتًا وطاقة كان من الممكن توظيفها في جوانب أكثر إيجابية تخدم الثورة والشعب معًا.
وفي إشارة ضرورية الذكر، أقول: لا أود الخوض في تفاصيل بعض الأقوال من هذا الطرف أو ذلك، أو تصريحات هذه الشخصية أو تلك، التي تتهم ثورة شباط بالارتباط الخارجي مع أي من الجهات الأجنبية، إذ من واجب الباحث الموضوعي المنصف أن يستند على وثائق مدونة رسميًا، وبعد أن يخضعها إلى الفحص والتدقيق والتمحيص يأخذ بصحتها أو يثبت قصورها وتحريفها عن الحقائق. وعلى حد علمي ومعرفتي، فلا توجد وثيقة رسمية صادرة من وزارة أو مؤسسة أجنبية تشير إلى أن رجال ثورة شباط كانوا مرتبطين بها، لا سيما أن الثورة مضى عليها 60 سنة، والوثائق السرية في بريطانيا أو الولايات المتحدة الأميركية تكشف عنها بعد مضي 30 سنة، وبعضها بعد 50 سنة، لتجعلها في متناول المؤرخين والباحثين والدارسين.
وعليه، كانت ثورة شباط منعطفًا تاريخيًا مهمًا في الحياة السياسية المعاصرة في العراق، إذ تصدت للتسلط الاستبداد الفردي، ووقفت بوجه التمادي للحزب الشيوعي العراقي، وقدمت للاتحاد السوفيتي درسًا عن خصوصية الثورة العربية بدينها وتاريخها. أما الأخطاء التي حدثت خلال فترتها القصيرة، فجاءت ثورة 17-30 تموز 1968 وفق نهج أكثر تقويمًا.
عذراً التعليقات مغلقة