بعد فوات الأوان ..إيران والغرب و المسيّرات 

آخر تحديث : الأحد 26 فبراير 2023 - 1:24 مساءً
بعد فوات الأوان ..إيران والغرب و المسيّرات 

د. فارس الخطاب

يوسع الاتحاد الأوروبي بين الحين والآخر سلسلة عقوباته المفروضة على إيران بسبب الضغوط الأمريكية من جهة وبسبب الولوج الإيراني لحديقة القارة الأوروبية الخلفية عبر تزويدها لروسيا الإتحادية بمئات الطائرات المسيّرة كـ(شاهد-136 وشاهد -131) والتي استخدمت بشكل كفوء ومؤثر في حربها ضد أوكرانيا بحسب شهادات قادة أوكرانيين وإيرانيين أيضا، حيث أكد كبير مستشاري وزير الإستخبارات الإيرانية أن “المسيرات الإيرانية تقوم بدور حاسم في الحرب بين روسيا والغرب”، وهنا تبرز خطورة الموقف الإيراني حيث الحديث بوضوح عن دور هذه المسيرات في الحرب الروسية مع الغرب وليس مع أوكرانيا بما يعني أن بلاده في حلف معلن ضد الغرب مع روسيا.

ورغم أن الإتحاد الأوروبي لا يضع هذين السببين في واجهة تبريرات عقوباتها ضد طهران ويربطها غالبا بقضايا حقوق الإنسان التي كان آخرها إجراءات تقييدية ضد 32 فردا وكيانين لهذا السبب بعينه ثم عقوبات أخرى ترتبط بتطورات برنامج إيران النووي.

إن من غير المعقول ولا المنطقي أن تركز أوروبا والولايات المتحدة طيلة سنوات طويلة على ماراثون الملف النووي الإيراني فيما تجاهلت عن عمد تطور قدرات إيران في صناعة الأسلحة وتطويرها، أسلحة ذات طابع هجومي أكثر منها دفاعي، وهو أمر نبهت له أكثر من دولة خليجية وإقليمية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، حتى باتت إيران قوة يشار لها دوليا وليس إقليميا فقط، وفي موضوع المسيرات تحديدا تؤكد طهران وجود طلبات شراء لها من 90 دولة على رأسها الصين التي طلبت 15 ألف طائرة مسيّرة.

لقد إستفادت القيادة الإيرانية كثيرا من مماطلاتها في موضوع الملف النووي حتى باتت مسيراتها إحدى القوى التي تقض مضاجع دول الاتحاد الأوروبي وباتت لديه تخوفات حقيقية أفضت إلى حدٍ غير كافٍ بعدم التسامح مع طهران، لكن، وبحسب “وول ستريت جورنال The wall street journal” فإن الأخيرة غير مكترثة تماما بغضبة أوروبا وأنها دشنت مصنعا لمسيراتها في روسيا طاقته الإنتاجية 6 آلاف طائرة مسيرة سنويا، إضافة إلى مصانع كبيرة في مدن إيرانية تنتج عدة أنواع من هذه المسيرات.

إن طهران تعلم، وربما واشنطن أيضا، أنها كلما نجحت في صناعة أسلحة هجومية، كلما ازدادت عناصر قوة تفاوضها مع الغرب فيما يخص الملف النووي، وزاد من أهمية هذا العنصر؛ تطوير صناعة المسيرات والصواريخ بأنواعها ومدياتها المختلفة، بروز مؤشرات تحالفات استراتيجية خطيرة ضد الحالف الغربي، تحالف روسي -صيني-كوري شمالي، انضمت إليه إيران، بما جعل ميزان القوى ثم النفوذ على شفا خطر عالمي محدق، حيث تعتقد كل دول هذا التحالف الاستراتيجي أنه السبيل الوحيد لردع الغرب ومحاولات هيمنته على العالم كله.

إن العالم الذي يتوجه بقوة وسرعة نحو المناطق الحمراء في العلاقات الدولية مضافا لها تراجع كبير في الأوضاع الاقتصادية لم يحسب حساباته الصحيحة في التعامل مع إيران، الدولة، والحرس الثوري الإيراني، ومازال الاتحاد الأوروبي يتعامل بحذر مع الحرس الثوري لأنه يخشى حقيقة من ردات فعل هذا التشكيل الآيديولوجي الإرهابي، وهذا أيضا سيكلفهم الكثير لأن العقوبات ضد الأشخاص لا تمثل العقوبات بحقهم أية تغييرات تذكر في سياسة النظام والمرشد الأعلى، وهذا يعني المزيد من الضوء الأخضر لقيادات الحرس بالاستمرار ببرامج التصنيع العسكري والتدخل العلني في صناعة “جيوب قوة” في دول كانت تناضل من أجل تحجيم ما يسمى بـ”تصدير الثورة” مثل العراق واليمن، كما استباحت دول أخرى مثل سوريا ولبنان، على مرأى ومسمع من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والكيان الصهيوني، بما يفسره الكثير من المراقبين أنه كان برغبة منهم لصناعة شرق أوسط جديد تسوده الفوضى “الارهابية” وليس “الخلاقة” كما وصفته وزيرة الخارجية الأميركية الأسبق “كونداليزا رايس”عام 2005م.

إيران تمتلك الآن من الأسلحة الخطيرة والدقيقة ما يجعل استهدافها من الكيان الصهيوني والولايات المتحدة ودول بعينها في الاتحاد الأوروبي محل تأنّي ودراسة تحسبا لردود “موجعة” ستوجهها إيران في حال تعرضها لإي هجمات غربية على أهداف لها علاقة بالملف النووي ومواقع تطويره داخل إيران، فعلى مستوى الصواريخ تمتلك إيران ترسانة صاروخية مرعبة تعد الأضخم في الشرق الأوسط، وتضم صواريخ باليستية، ومجنحة بعيدة المدى، إضافة إلى صواريخ خارقة للدروع قصيرة المدى يمكن استخدامها ضد أهداف بحرية، وكان أحدث إعلان عن تجربة صاروخ بالستي فرط صوتي يتمتع بمواصفات السرعة والقدرة على المناورة والدقة في إصابة أهدافه واختراق جميع منظومات الدفاع الصاروخي، وقد وصفه الجنرال حاجي زاده، قائد القوة (الجو فضائية) في الحرس الثوري بأنه ” لن يتم العثور على التكنولوجيا القادرة على مواجهته لعقود قادمة”.

يضاف إلى صناعة الأسلحة والمعدات العسكرية الإيرانية، صناعة أجيال متعددة من الزوارق البحرية السريعة جدا والتي صمم بعضها ليقوم بضربات انتحارية ضد أهداف كبيرة خصوصا في مياه الخليج العربي، وتجري باستمرار مناورات ترسم ملامح الأعمال التعرضية بالغة الأهمية بالنسبة لأمن الملاحة في الخليج وخطورة استخدامها في حال نشوب نزاع في المنطقة، وتشير بعض المصادر الإعلامية إلى أن معدل الهجمات الانتحارية للزوارق السريعة المفخخة على حاملات الطائرات والفرقاطات المشتركة في أي نزاع عسكري مع إيران سيكون من 500-100 زورق لكل هدف.

نعود إلى سلاح المسيّرات الذي يعود للصين فضل تقديم الدعم التقني والعلمي لإيران في هذه الصناعة وتطويرها، كما استفادت طهران من عينات حقيقية لطائرات مسيرّة صهيونية وأمريكية فقامت بدراستها وصناعة نماذج طبق الأصل منها تم تطويرها باستمرار بلغ حتى الآن أكثر من 40 نموذجا مختلفا أهمها شاهد، أبابيل، كامان، كيان ومهاجر، فهذا السلاح سيكون في حقيقة الأمر مرعبا في حال تمكنت إيران من إستخدامه بشكل مستريح.

أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، قالت في خطاب أمام البرلمان الأوروبي: “إن مئات الطائرات المسّيرة إيرانية الصنع تقتل مدنيين أوكرانيين وإن من واجبنا معاقبتهم ومواجهة إيران بشأن توريد طائرات بدون طيار ونقل المعرفة لبناء مواقع إنتاج في روسيا”، واشنطن التي غطت على الدور الإيراني الإقليمي في الشرق الأوسط تؤكد على أن طهران باتت رائدا عالميا في إنتاج طائرات بدون طيار رخيصة وفعالة للغاية، وإن خبراتها تراكمت بسرعة في برنامج تطوير هذه الطائرات، كل هذه التقييمات الخطيرة لتطور صناعة إيران العسكرية وتحديدا سلاح المسيرّات لم يُشعر الغرب بالخطر الإيراني عندما زود الانقلابيين الحوثيين بطائرات مسيّرة استهدفت أهداف مدنية بعضها يرتقي إلى أهداف عالمية مثل شركة أرامكو السعودية ومطارات متعددة في المملكة ودولة الإمارات العربية المتحدة، ذاك أن هذا الدور في الشرق الأوسط جرى ويجري ضمن خارطة طريق إيرانية-غربية أساسها جعل الدول العربية تتراجع حضاريا، لكن عندما يصل الضرر والخطر إلى أوروبا عبر بوابة أوكرانيا، فهذا أمر آخر.

كلمات دليلية
رابط مختصر

عذراً التعليقات مغلقة

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com