حرفة الفيلسوف[i]
عرض: عزيز القاديلي
يذكرني عنوان ” حرفة الفيلسوف” بعناوين كتب مثل: le métier de sociologue و métier d’élève و غيرها من الكتب الأخرى التي يمكن افتراضها ك: حرفة الأستاذ أو حرفة المفكر… في الحقيقة اختيار مصطلح حرفة له وقع دلالي أكثر قوة من مصطلح مهنة، فأن نتحدث عن حرفة فإننا نقصد مجال الصنعة و الدقة و ما يصاحب ذلك من نكران الذات و التضحية و الإتقان. و اختيار هذا العنوان لأعمال مهداة إلى الباحث و الأستاذ المتميز عزيز لزرق اختيار موفق لأنه يسير بنا نحو عمق الدرس الفلسفي و الفلسفة.
من دون شك أن الفلسفة في العصر الراهن الرقمي و الافتراضي و العولمي أصبحت تطرح أكثر من سؤال على المتلقي، و لم تتمكن منذ عصورها الذهبية من ردم الهوة التي تفرقها عمن هي موجودة من أجلهم، لأن الفيلسوف و الفلسفة لا يتمظهران من أجل التمظهر فقط بل يكتسبان كينونتهما من خلال الأدوار الحضارية و الثقافية التي يرسمانها و يحددانهما. فالفعل الفلسفي لا يمكن تلخيصه في فعل النطق و الكتابة بل في الأثر أو الآثار التي تتولد عنه، و ما يصاحب هذا الفعل من تحريك للبرك الآسنة و الفكر الخامد. الفلسفة خلخلة للفكر إذ غالبا ما يركن الكائن لما هو متوارث و متعارف عليه، رافضا القيام بمجهود من أجل الخروج من حالة القصور.
إن الفلسفة باعتبارها حرفة تسائل وضعها المعرفي و التربوي داخل المدرسة كفضاء مخصص للتدريس و التعليم، كما أن لحظة سقراط لحظة متميزة في تاريخ الفلسفة، لأن سقراط أخرج الفلسفة إلى الفضاء العمومي و خالط الناس بحيث شاركهم هواجسه الفلسفية و جعلهم يتفلسفون باحثين هم أيضا عن الحقيقة التي يعرفونها لكنهم يتناسونها بسبب جهلهم أو تجاهلهم. إلا أن هذه التجربة الرائعة انتهت بمحاكمة المدينة للفيلسوف وأصدرت في حقه قرارا بالإعدام. و منذ ذلك التاريخ عادت الفلسفة إلى مكانها الخاص/الضيق بعد أن أنشأ أفلاطون تلميذ سقراط الأكاديمية.
كيف يمكن رد الاعتبار للفلسفة؟ من أين يمكن لنا منحها قوتها؟ الجواب من خلال الاشتغال بها باعتبارها حرفة. كيف؟ ذلك هو التحدي الكبير المنتظر إنجازه من قبل المشتغلين بها و فيها.إننا في الحقيقة نحن في حاجة ماسة إلى ” حريفية” أساتذة متمكنين من آليات العمل و الفعل الفلسفي، قادرين على منح معنى للفلسفة بالنسبة لهذه الشريحة العريضة من المراهقين المرهقين و الضائعين وسط العالم العنكبوتي للأنترنيت و ثقافة الصورة غير المؤطر و التي تشتغل ضد مسارهم و مشاريعهم الشخصية في البناء و الإرساء و الترقي.
تلك هي بعض التداعيات الفكرية التي أثارها في ذهني و فكري كتاب “حرفة الفيلسوف” و الذي يشتمل على مجموعة من المقالات القيمة المنجزة من طرف أقلام أكن لها كل الاحترام و التقدير بفضل المساهمات الفكرية التي تقدمها حتى يستمر الدرس الفلسفي و النقاش الفلسفي حاضرا و منتعشا داخل الساحة الفكرية المغربية بشكل خاص و العربية بشكل عام.
د. عزيز القاديلي
[i] حرفة الفيلسوف، أعمال مهداة إلى عزيز لزرق، تنسيق و تحرير :عزيز بوشقطاط و عبد الله باعلي. منشورات الجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة فرع سلا. العدد 01،الطبعة الأولى 2019.
عذراً التعليقات مغلقة