د.فارس الخطاب:
كتب المحرر الدبلوماسي لصحيفة The Guardian، باتريك وينتر،في 20 مارس/آذار 2023م بمناسبة مرور عشرون عاماً على الحرب على العراق وإحتلاله، يقول “في 28 نيسان (أبريل) 2003، بعد أسابيع فقط من سقوط بغداد، ذهب السير جون سكارليت، رئيس لجنة المخابرات المشتركة ، إلى مكتب السكرتير الصحفي لتوني بلير ، أليستر كامبل وسأله: “ما مدى صعوبة الأمر إذا ظهر أننا لم نجد دليلاً على برنامج أسلحة الدمار الشامل لصدام؟” ومع تحول عراق ما بعد صدام بالفعل نحو حرب أهلية، وتبخر أسباب الحرب، أجاب كامبل: “صعب جدًا جدًا جدًا.”
لقد كان قرار خوض الحرب من أكثر القرارات جدلاً بالنسبة لرئيس وزراء بريطاني منذ عام 1945م وحتى اللحظة التي بدأت فيها الحرب فعلاً، حرب العراق كانت فضيحة مختلفة للسياسيين البريطانيين حيث لم يسقط الجمهور ثقته بهم بسبب فضائح جنسية أو مخالفات مالية ترتبط بالضرائب أو سواها، بل بسبب تلاعبهم بالحقيقة في محاولة لتبرير الحرب.
يرى وينتر، أن “مهارات توني بلير الإقناعية أدت في الأسابيع التي سبقت الحرب إلى ارتفاع نسبة التأييد للحرب من 38٪ إلى 53٪ يوم الغزو، وفي الوقت الذي دخلت فيه القوات الأمريكية بغداد ارتفعت إلى 66٪. وهذا جعل الهزيمة اللاحقة ودفاع بلير المستمر عنها خيبة أمل أكبر”، لكن إستطلاع أجرته You Gov عام 2013م أظهر أن 27 بالمائة فقط اعتبروا أنه كان شن الحرب على العراق صائباً.
لاحقت لعنة الحرب على العراق كل السياسيين الذين كانوا ضمن الفريق المؤيد لقرارات بلير الخاصة بتبرير الحرب والتدخل العسكري ضد العراق عام 2003م
لقد أظهرت الحقائق الخاصة بدور توني بلير التي نشرت عقب إحتلال العراق، إلى إعادة تقييم الوزن غير الواقعي الذي تضعه المملكة المتحدة على العلاقة الخاصة مع الولايات المتحدة، ولكن إذا كان هناك أي شيء ، فإن جرينستوك يجادل بأن الحرب أبعدت المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي بدلاً من ذلك ؛ إذ أن سقوط الثقة برئيس الوزراء البريطاني، ليس من قبل أغلبية الشعب البريطاني فقط، بل أنه فقد أيضاً الثقة بترشحه لمنصب رئيس المفوضية الأوروبية بتبني مباشر من قِبل أنجيلا ميركل،المستشارة الألمانية السابقة. إن تحقيق تشيلكوت يذكر أنه: “عمقت الحرب الإحساس بأن النخبة السياسية لم تستمع،وربما كان طريقًا متعرجًا، لكن نوعًا واحدًا من سياسات الاقتناع أدى في النهاية إلى نوع آخر وهو “خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي”.
فيما لاحقت لعنة الحرب على العراق كل السياسيين الذين كانوا ضمن الفريق المؤيد لقرارات بلير الخاصة بتبرير الحرب والتدخل العسكري ضد العراق عام 2003م. النائب السابق عن حزب المحافظين روري ستيوارت، وهو حاكم إقليمي في العراق في عام 2003، يقول “إن شخصيات مثل كامبل، التي يسودها تحيز التأكيد، ببساطة لم تفحص نوعية المصادر التي يصفها بأنها “قذرة”. فيما يعترف كامبل بأن الأمريكيين كانوا “هم من يتخذون القرارات، وكنا نحاول إحداث اختلافات عند الأطراف”. السير جيريمي غرينستوك، المبعوث البريطاني السابق لدى الأمم المتحدة، شبه المملكة المتحدة بأنها “محبوسة في شاحنة الحارس بدلاً من سيارة أجرة السائق”. جاك سترو، وزير الخارجية في عام 2003، إعترف بأن “المملكة المتحدة كانت خارج الحلقة”.
لم يستطع روؤساء الوزارات تحرير أنفسهم من قضية الحرب على العراق، فـ (جوردون براون) لم يستطع تبرئة نفسه من الحرب، ووجد تشيلكوت أنه مذنب مثل بلير في تجنب اتخاذ القرارات الجماعية. في وقت متأخر من سيرته الذاتية لعام 2017، كان براون لا يزال يسعى إلى تبرئة نفسه، وادعى أن الأدلة الجديدة أظهرت أن البنتاغون ضلل المملكة المتحدة بنشاط من خلال حجب تقييم استخباراتي متشكك للغاية. لم يتم عرض الوثيقة أبدًا على تحقيق تشيلكوت. لكن إرث بلير بقي يواجه كل الساسة البريطانيين وخاصة من حزب المحافظين الذي إستثمر هذه الحرب للنيل من غريمه حزب العمال البريطاني وزعيمه جيريمي كوربين الذي كان رافضاً بقوة للحرب ومشككاً في حججها.
في عام 2016 قال توني بلير” “بصراحة، فهمي للشرق الأوسط الآن أعمق بكثير مما كان عليه عندما كنت رئيسًا للوزراء، لقد استخفينا بشدة بالقوى التي كانت تعمل في المنطقة وظننا أننا سنحقق التغيير المنشود بمجرد إسقاط النظام في العراق لكننا استوعبنا الدرس؛ إنه عندما تزيل الدكتاتورية، تخرج قوى زعزعة الاستقرار، سواء كانت القاعدة في الجانب السني أو إيران من الجانب الشيعي “.
إن الغزو الأميركي للعراق ما زال يلقي بظلاله على المشهد السياسي في بريطانيا، حليفة الولايات المتحدة التي شاركت في الغزو، رغم مضي 20 عاما على أحداثه. وأبرز الكاتب الصحفي البريطاني جون هاريس في مقال نشره بصحيفة The Guardian أن “أحداث غزو العراق، الذي بدأ يوم 20 مارس/آذار 2003، أسهمت في تحطيم ثقة الشعب البريطاني بحكومته”، وأضاف إن الذكرى العشرين للغزو، ، لا تمثل تذكيرا بمسؤولية بلير وآخرين عن أكبر كارثة سياسية وإنسانية تورطت فيها المملكة المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية فحسب، بل تمثل أيضا اللحظة التي بدأ فيها مركز الثقل السياسي المفترض في بريطانيا يترنح على نحو متهور وكارثي.”
وذكّر هاريس بأن حزب المحافظين والغالبية العظمى من الصحافة البريطانية دعموا غزو العراق حينها، وعليه فإن الذكرى السنوية لتلك الحرب المدمرة تعد مثالا حياً على أخطارالتفكير على نحو جماعي، والنتائج القاتمة التي يفضي إليها اختزال الحقائق المعقدة في روايات بسيطة. وأشار إلى أن الناس في العراق، “الذي يعاني جروحا غائرة ويعيش أزمات متلاحقة، وفي المنطقة ككل، ما زالوا يعانون يوميا بسبب تداعيات تلك الحرب. بينما يملك البعض في بريطانيا، والغرب عموما، رفاهية التفكير في أن تلك الحرب كانت حدثا بعيدا تلاشى بمرور الوقت”.
هل تلاشت تداعيات الحرب على العراق عام 2003 أم أنها تزداد رسوخاً في ذاكرة الساسة ليس البريطانيون وحسب بل كل قادة وساسة العالم ، فمن الدول التي روجت لإكاذيب تبناها قادة هذه الدول شخصياً ، الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، مع التحشيد الإعلامي لمسوغات غير صحيحة تم من خلالها خداع الرأي العام ، من هذه الدول وسواها لا يكاد يمر موسم إنتخابي أو إضطراب دولي إلا وتقفز الكذبة التي أستبيح من خلالها دولةً وشعباً في الشرق الأوسط إسمه العراق ، وقد إحتفى جميع الساسة البريطانيون استذكروا الحرب على العراق بقناعة مفادها أن تلك الحرب كانت خطأً كبيراً وأن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء سواء فيما يخص إستقرار العراق أو إعادة ثقة البريطانيين بساستهم.
عذراً التعليقات مغلقة