سمير داود حنوش
“مَن سرق ذهباً أودِع سجناً، ومَن سرق بلداً بويع ملكاً” مثل ياباني، يقول أحدهم أن مشكلة الإنحراف ليست في فقر المال أو كُثرته، ولكن المشكلة في فقر الأخلاق، فكم من فقير ملتزم وغني منحرف، سؤال ظل يبحث عن إجابات لأكثر من سنتين دون أن يكون هناك من يشفي الغليل ويملئ الفراغ الشاسع بالجواب الذي أحدثه ذلك السؤال وهو أين إختفى كرسي البابا؟.
بدأت أحداث الحكاية عندما زار البابا فرنسيس العراق وهي الزيارة البابوية الأولى التي إستغرقت أربعه أيام، حط بها في مطار بغداد لزيارة بيت النبي إبراهيم في مدينة أور الأثرية، لم يكن يوم (٥-٨) من شهر مارس2021 في عهد حكومة مصطفى الكاظمي حدثاً عادياً حين إعتبرته الحكومة العراقية يوماً وطنياً للتسامح والتعايش بين المكونات العراقية يمكن أن يبعث الأمل في نفوس المسيحيين للبقاء بأرض آبائهم وأجدادهم بعد أن هاجر الكثير منهم إلى بلدان الشتات.
كانت الزيارة بمثابة (حج) بإعتبار أرض العراق هي أرض مقدسة للأديان السماوية خصوصاً مدينة أور الأثرية في محافظه ذي قار جنوب العراق مسقط رأس النبي إبراهيم الخليل.
العراقيون كانوا يُتابعون من على شاشات الفضائيات الزيارة التاريخية للبابا فرنسيس إلى مدينة ذي قار وإقامة قُدّاس وصلاة موحدة للأديان الإبراهيمية وجلوسه على الكرسي البابوي لإتمام شعائر القُدّاس، إلا أن الكرسي إختفى بعد الإحتفالية وضاعت آثاره وتعدد التأويل، وقيل حينها أنه تم نقله بعد إنتهاء تلك المراسم بطائرة خاصة من قبل فريق مجهول لم يُعرف مكانه ووجهته.
بعد مايقارب من عامين يُفجّر مسؤول عراقي هو مدير آثار ذي قار إعلاناً بأن زوجة مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء العراقي السابق (المسيحية) قد إستحوذت على الكرسي وتم نقله بعد الإنتهاء من الزيارة بواسطة فريق من الأمانة العامة لمجلس الوزراء بطائرة خاصة للإحتفاظ به بشكل خاص، على الرغم من قرار مُسبق بالإحتفاظ به في متحف المحافظة الأثري.
إختفى كرسي البابا إضافة إلى المنصة التي أُلقي منها خِطاب البابوية، حيث لم تسلم من السرقة حتى المرافق الصحية، تصورعزيزي القارئ حجم السرقة خصوصاً إذا كانت من حاميها حراميها.
أهمية الكرسي بإعتباره الوحيد من نوعه في العالم كونه أُقيم عليه قُدّاس خارجي للمرة الأولى في التاريخ.
خيوط السرقة بدأت تتضح أكثر عندما كشفت مصادر عن قيام الشركة اللبنانية المتعاقدة مع الحكومة حينها لتنظيم حفل إستقبال بابا الكنيسة الكاثوليكية إلى العراق بنقل الكرسي الذي أُقيم عليه قُدّاس صلاة الأديان في مدينة أور الأثرية إلى مكان مجهول تمهيداً لنقله إلى خارج العراق.
كان إعتراف السيدة الأولى أنها إستحوذت على الكرسي لقداسته وللتبرّك به في أجمل تبرير يُمكن للسارق أن يتفاخر بسرقته.
لم يكتفوا بسرقة ما فوق الأرض وما ضمنها، بل إمتدّت أياديهم إلى كنوز العراق التاريخية والأثرية.
حادثة كهذه تجعلنا نتصور حجم المُصيبة والكارثة التي يغرق بها بلد مثل العراق، يمكن أن نتخيل حجم المأساة الذي يخيم على العراقيين ووطنهم من الذين تسلطوا على رقابهم وإستباحوا حتى تاريخهم وآثارهم.
لايحتاج السؤال الى متفذلك ليجيبك عن سؤال مصير هذا الكرسي بالقول أنه سيُعرض بمزاد علني خارج العراق وسيباع بملايين الدولارات لتستقر في جيوب من إستولى عليه وهرّبه ويكون العراق هو الخاسر الأكبر من تهريب ذلك الأثر التاريخي من آثاره المهمة.
سيراود من يقرأ هذه السطور سؤالاً مؤكداً يصعب فهمه في بلد مثل العراق وهو من يُصلح الحاكم إذا الحاكم فَسد، لكن لاتنتظروا الإجابة لأننا حقاً أضعنا بوصلة الحلول أيها السادة، فلا يوجد من يُصلح ذلك الحاكم الفاسد.
عذراً التعليقات مغلقة