بقلم: المراقب السياسي
واشنطن–
دبلوماسي غربي أخبرني انّ المصالحة العربية والتركية مع سوريا أمر حتمي في اطار خريطة جديدة تتشكل من المصالحات الجارية في الشرق الاوسط والخليج، انطلاقاً من انهاء الازمة الخليجية الى المصالحة بين تركيا والسعودية واطفاء قضية مقتل خاشقجي الى التصالح الاخير بين انقرة والقاهرة، فضلا عن الصلح الكبير بين ايران والسعودية ، ولفت الدبلوماسي الى انه في التفاصيل هناك طبعاً مواقف جزئية وتقديم وتأخير من دون الخروج عن السياق العام .
يرى الدبلوماسي ايضا ان ذلك يجري تحت جزء من المظلة الامريكية وليس كلها، اذ تنتهج ادارة الرئيس بايدن مسارا جديدا، جعل عددا من المسؤولين الامريكيين يوجهون رسالة عتب شديدة الى الرئيس بايدن ووزير خارجيته بلينكن ، كشفت عنها اليوم صحيفة الغارديان البريطانية طالبوا فيها وقف زخم التطبيع العربي مع دمشق، فيما يبدو ان واشنطن تساير المسار الاقليمي للمصالحات الجاري في الشرق الاوسط ، وقالت الصحيفة :
ان الموقعين على الرسالة هم مدير المخابرات الأمريكية السابق جون ماغلوغلين الذي يعتبر من أبرز المسؤولين الأمريكيين الذين عملوا في سوريا عام 2011، وكذا جيمس جيفري، المبعوث الأمريكي الخاص السابق إلى سوريا والجنرال المتقاعد أنطوني زيني ومعاذ مصطفى، مدير الطوارئ السورية العاجلة، إلى جانب جماعات مجتمع مدني وناشطين يقفون في الصفوف الأولى لتوفير المساعدات الإنسانية ويحاولون الكشف عن جرائم عناصر النظام.
وأضافت الصحيفة أن محاولات التواصل مع الأسد أثارت مخاوف في داخل الإدارة وأوروبا، حيث تجري محاولات لمحاكمة مسؤولين من الدرجة الدنيا في نظام الرئيس الأسد بتهمة ارتكاب جرائم حرب، ويقوم المحققون بجمع مواد يمكن أن تضع المسؤولين البارزين في مرمى انتباه المحققين الدوليين.
ومن أهم مظاهر القلق هي كيفية تحقيق الاستقرار في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، والتي تعتمد بشكل كبير على الدعم الخارجي، ولم يظهر الأسد أي استعداد للتصالح وبطريقة ذات معنى مع هذه المناطق، بخاصة شمال سوريا.
هل يكفي الاتفاق الإيراني السعودي الأخير وحده أن يكون سبباً في التشجيع على تسهيل خطوات الرياض للمصالحة العملية مع الحكم في دمشق بعد سنوات من القطيعة منذ اندلاع الحرب داخل سوريا، والتي لا تزال مستمرة ومحصورة في نطاقات التدخل الإقليمي والدولي؟
\ هناك مَن يقول انه لا يوجد أي مؤشر آخر لدفع السعودية خطاها سريعا نحو دمشق، بالرغم مّما قيل عن دبلوماسية الزلزال، التي لا تعدو أن تكون كلامَ جرائد في الموازين السياسية لدولة صعبة في آليات اتخاذ مواقفها هي السعودية.
الامارات انتقلت الى مرحلة عميقة مع العلاقات مع سوريا، بقدرة لافتة على الجمع بين مساري التطبيع مع إسرائيل ومع الدولة التي تحمل لواء المقاومة ضدها. ولم يعد هناك أي حاجز لعودة سوريا للجامعة العربية الخاضعة لكلمة مصر في الأول والأخر، وقد اظهر الرئيس السيسي تلك “الكلمة” بشكل واضح بعد الزلزال من خلال الاتصال الهاتفي بين الرئيسين، ومن خلال حث الامارات علناً على زيادة الدعم الاغاثي لسوريا. وبحسب مصادر في الجامعة العربية ذاتها فإنّه بعد التقارب السعودي السوري لم تعد هناك أية إعاقة في المواقف التي تؤيد عودة سوريا للجامعة وفتح صفحة جديدة، وكأنّ الحرب كانت سنوات وخسائر غير محسوبة.
هناك تغير جوهري في الرؤية الى العالم ينتهجها قائد السعودية الأمير محمد بن سلمان تضع حدا لكل التبعيات في المسارات الدولية التي لم تقدم نفعا للرياض، في مراجعة حقيقية لسياسات وواقع بلاده من دون مجاملة لوضع داخلي او علاقات مع الاخرين. ليس هناك سبب اخر لاي موقف جديد في السياسة السعودية ازاء سوريا او سواها من المحظورات في السنوات القليلة الماضية.
اذا كان التقارب مع ايران هو الذي شجع السعودية لمد يد التعاون الدبلوماسي مع سوريا، فَلِمَ لا تكون العلاقات الايرانية القطرية، القوية تاريخياً، والتي لم تنتكس ابداً على الأقل في طوال ربع قرن، والمتطورة بعد الازمة الخليجية المطفأة، سبباً في إعادة العلاقات القطرية السورية الى مسارها الطبيعي. هذا سؤال يطفو على السطح في ظل بروز المواقف العربية المفاجئة والتغيرات التي تبدو متلاحقة من أجل رسم معالم مرحلة جديدة ستكون المنطقة كلها على مسارها، بعد المرحلة “الابراهيمية” التي دشنتها الامارات مع اسرائيل.
الجواب الذي يمكن أن يفكك ما تقوم به السعودية او قطر في التعامل مع سوريا، يكمن في انّ السعودية والامارات معها كانتا في الأساس تخوضان حرباً ضروساً ضد التنظيمات الإسلامية، لاسيما الاخوان المسلمين عماد التيار الإسلامي في سوريا، والبلدان يشتركان مع دمشق في محاربة تلك التنظيمات او جعلها تنتحر بعيداً عن الأرض السعودية او الإماراتية. وهذه نقطة تلاقٍ أساسية توجب التعاون على أصعدة عديدة، وعودة العلاقات في مقدمة ذلك، كما انَّ الدعم السعودي والاماراتي للتنظيمات الإسلامية بمختلف أسمائها التي قاتلت في سوريا بقيت تحت هامش الدعم غير المعلن وعبر جمعيات مراقبة جيداً، لكن في النهاية لم تكن السعودية مكلفة الاضطلاع بدور” اسلاموي” معين في حركات”الربيع العربي” التي تطورت الى حرب لا تبقي ولا تذر وعبر أذرع روسية وايرانية وشيعية عراقية في سوريا.
دولة قطر، كانت صاحبة دور، والتيارات الإسلامية تمر من خلالها أو قريبا منها أو متصلة بها أو ناتجة عنها من حركة حماس وحركة الجهاد في غزة الى حزب الاخوان في سوريا وجماعة الاخوان المسلمين في مصر، وما اتصل بذلك من جماعة النصرة ولواء التوحيد والتيار الإسلامي الليبي والقاعدة والدولة الاسلامية التي بايعها علناً شخص ظهر من استوديو القناة الجزيرة مع فيصل القاسم واعلن مبايعته بحسب تسجيل في برنامج الاتجاه المعاكس لتنظيم داعش، وهذا لا يمكن أن يحدث في اية بقعة بالعالم رسمياً وعلناً، ما لم يكن هناك “دور” للدوحة يسمح بذلك. والقول هنا ليس اتهاماً من النوع السياسي الساذج لقطر بدعم داعش أو سواه، لكنه توصيف للمشهد الإسلامي المرتبط بالشاشة القطرية. هذا واقع لتاريخ لايزال طرياً، وشهوده لم يختفوا بعد.
إزاء هذه العوامل المرتبطة بالدور يكون من الصعب على الدوحة أن تكتفي بالتقارب مع إيران كوسيلة مبررة لإعادة العلاقة كاملة مع سوريا. لكن العلاقة مع ايران ليست من دون ثمن، اذ هي حمت قطر من تداعيات حرب اليمن وتهديد الحوثي واثار الحصار الخليجي، وكذلك من الاستهداف من مليشيات شيعية عراقية سبق أن تمكنت وقصفت الأراضي الإماراتية ذات يوم.
اقرأ ايضا التقرير المتصل بسوريا:
عذراً التعليقات مغلقة