“تكرار حوادث التاريخ ، مهزلة”.
د توفيق رفيق التونجي
قرطبه مدينة تاريخية، زرتها عدداً من المرات . لك ان تشاهد فيها اثار الماضي وفي كل زاوية من زوايا المدينة القديمة. زرتها قبل أيام مع أصدقائي من العراقيين وجاءت الزيارة مناسبة مع حلول شهر رمضان الكريم.
كل المدن جميلة، وهنا قي الأندلس للمدن روح تحمل في طياتها عصارة المعرفة الإنسانية وتجاربها. جرى في ظهرانيهاالحوار الحضاري بين الأمم والعقائد. لكن لمدن الأندلس عبيراً مختلفا. كلما اذهب الى زيارة احداها تأخذني رهبة عجيبةكأنّي أمشي في أزقتها مع أناس عشت معهم قبل دهر من الزمان هذا ابن الرشد يدعوني الى مجلس وليمة فلسفية لا يتخلفمنه حتى التمر العراقي. للماضي وجهان عزيزي القارئ الكريم، منه الجميل يضيف الى أرواحنا البهجة والسروروالغبطة، ومنه العكس من ذلك.
شيء من التاريخ:
في احد الايام لم يُسمَع الأذان من على مئذنة المسجد في قرطبة ، ذلك الاذان الذي كان يتردد في سماء المدينة أكثر منخمسة قرون. وفي يوم 29 يونيو تموز من عام 1236 ميلادية دخل القشتاليون المدينة ، ورُفع الصليب على قمةصومعة جامعها ، و تحول المسجد الى كنيسة ودار اخر للعبادة ،أي حُوّل المسجد في الحال إلى كنيسة. دخل فرناندوقرطبة مع كوكبة من جنوده وأتباعه، وهو لا يصدق أن حلمه قد تحقق والأسباب كثيرة لسنا بصددها.
جامع قرطبة احد الآلاف المساجد في المدينة والمعروفة رسمياً باسمها الكنسي “كاتدرائية تناول العذراء” عام 1236 مباشرة بعد سقوط قرطبة في يد فرديناند الثالث أمير قشتالة.
هي كاتدرائية كاثوليكية وهي مقر مطران أبرشية قرطبة. من اعمال إقليم الأندلس في اسبانيا. بني على الطراز المعماريالدمشقي ،وكما تذكر المصادر التاريخية على أنقاض معبد و كنيسة سنة 784 ميلادية في زمن الأمير الاموي المنفي الأمير عبد الرحمن الداخل المكنى ب صقر القريش، مؤسس اول دولة الإسلامية في اوربا بمساعدة اقوام شمال إفريقيامن الامازيغ، البربر وغيرهم ممن دخلوا الدين الاسلامي. كان الجامع عند بنائه بمقاييس 75 في 65مترا، بالإضافةإلى صحن الجامع حيث يعتبر اليوم تحفة عمرانية تترجم الفن الابداعي الاندلسي،,والشرقي والمتمثل في عصارة الفنالمعماري لتلك الشعوب وعبر الاف السنين.
يسمى الجامع الاموي بالإسپانية Mezquita-Catedral وتنطق: ” مـِثكيتا ” وذلك طبعا تحريف للكلمة العربيةالمسجد. المسجد الجامع بني على مدى اكثر قرنين من الزمان وتناوب الأمراء على بنائه وتحديثه كما أضاف الأمير عبدالرحمن الناصر مئذنة جديدة في فنائه. يتألف البناء من قاعة للصلاة كبيرة محاطة بالأقواس وقد تم توسعتها عدد منالمرات وتزين محرابها بالآيات القرآنية المذهبة ورفع سقفها وبناء قبة فوق المحراب. المحراب بحد ذاته تحفة فنيةومعمارية على شكل حدوة حصان تزين واجهة المحراب بعض الكتابات يصعب فهمها، ومما كتب على جدار المحرابالآية السادسة من سورة السجدة ( عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيم ). كما كتبت الآية 23 من سورة الحشر:
(هو الله لا اله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عمّا يشركون)
وهناك على جدار الكنيسة حائط خط عليها آيات من الذكر الحكيم وبجانبها رموز من الديانة المسيحية. وقد أوصل الماءإلى المسجد عبر قناة مدت من سفح جبل العروس قرب قرطبة كما أنشا الامير الحكم عدداً من المقصورات منها مقصورة”دار الصدفة” غربي الجامع، وقد جعلها مركزاً لتوزيع الصدقات، ومقصورة أخرى أمام الباب الغربي كان الفقراءيتخذونها مسكناً لهم.
هنا اود ان اشير الى اهمية الحفاظ على الموروث الثقافي لأنه ملك للإنسانية. فرغم ان هذا الجامع تعرض للتخريبوالنهب والاهمال قرونا عدة،حافظ على وجوده كأثر تاريخي للأجيال القادمة كي يفقهوا مدى أهمية التسامح الديني في بقاءالبشرية على المعمورة وإدامة النسل البشري و الحياة عليها.
كان اخر تجديد و قبل بناء الكنيسة في وسطها من قبل الأمير المنصور بن ابي عامر سنة 987 ميلادية. البناء اليوميجتمع فيه طراز بناء معماري من الطراز إسلامي الدمشقي، القوطي الاوربي، عمارة شمال إفريقيا، عمارة العصرالباروكي و عمارة عصر النهضة.
بني المسجد على ساحل نهر الوادي الكبير وعلى تلة مرتفعة على بقايا أنقاض اثار لمعبد قديم لاله ( يانوس) الإغريقي. تحول المعبد في بادئ الأمر الى كنيسة وبعد استيلاء المسلمين على الجزيرة الليبيرية تحولت الى جامع. اليوم البنلءمسجد كبير يتوسطه كاتدرائية يعتقد بان بعض أعمدتها ترجع الى مقبل بناء المسجد واعيد تدويرها خاصة في البناءالاول. لكن المتتبع للمرمر المستخدم للأعمدة يرى كيف ان الدولة حين كانت ثرية استخدمت أعمدة جميلة من المرمروبمرور الزمن مع ضعف الدولة وفقرها بدات باستبدال المرمر بالأعمدة الحجرية كما خط بعض البنائين أسمائهم تحتتاج الأعمدة. وكان للمسجد باب واحد يعرف اليوم باسم (بويرتا دي سان استيبان.
هناك قنطرة تربط طرفي نهر الوادي الكبير جُددت من قبل منظمة اليونسكو يمر من قرب الشارع الرئيسي الذييمر غرب الجامع، والهدف منها انتقال الأمير عليها من قصره دون أن يمر في الشارع. المئذنة الحالية بني سنة 951 ميلادية أنشأها الأمير عبد الرحمن الناصر ، تقع في أقصى صحن الجامع جهة الشمال، وهي على هيئة برج ضخم لهشرفتان للأذان يصعد إليها بسلم داخلي، وهذه المئذنة لا تزال موجودة تشبه كثيرا المآذن المنتشرة اليوم في مساجد المملكةالمغربية. وقد حوّلت لاحقا إلى برج أجراس للكنيسة.
هنا في هذا المسجد الجامع درس الناس وتعبدوا في قرطبة أنشاء أول مدارس للعلم في أوربا ولا تزال العباءة السوداءالشرقية تزين أكتاف الطلبة من خريجي الجامعات في إنحاء العالم كافة. وتلك المدرسة تبعد خطوات من المسجد الأموي الذي زرته ونقلت لكم بعض من مشاهداتي.
الأندلس
2023-03-26
عذراً التعليقات مغلقة