د عزيز القاديلي
كاتب من المغرب
لماذا نلجأ إلى التخييل و التخييل السردي الروائي على الخصوص؟ لماذا يلزمنا نثر الذات و استعراضها أو القيام بسلسلة من الاعترافات و البوح و التعبير عن الذات في شكل سردي روائي؟ ما الوظيفة التي يضطلع بها التخييل و السرد في إخراج و إبراز كوامن الذات و صراعاتها و مشاكلها النفسية و الاجتماعية، و أيضا اصطداماتها؟ هل نقوم بهذا السلوك فقط لوظيفة التفريغ أم أن الأمر يتجاوز ذلك إلى الرغبة في إبراز حالة أو التعبير عن إرادة للمعرفة واستعداد لقول الحقيقة؟
هناك كم هائل من المعنى و المعاني تحملها اللغة السردية و الساردة، و هناك استراتيجية نصية مقصودة و متعمدة ينجزها النص السردي التخييلي للتفاعل مع القارئ و وضعه في حالة من الحالات و الإحالات.
القارئ يقبل على العمل الأدبي الروائي طارحا جملة من الأسئلة، فالصراع و القلق لم يعد محمولا في النص فقط بل انتقل إلى القارئ و هو يواجه النص و عوالم و علاماته.
القارئ في حيرة من أمره و هو يتعامل مع العتبات النصية و خصوصية اسم المؤلف و العنوان: اسم المؤلف حسن أوريد ليس عاريا من الدلالة بل مليء و ممتلئ من خلال حضوره في الساحة الأدبية و الفكرية و السياسية:( درس في المدرسة المولوية إلى جانب الملك محمد السادس حينما كان هذا الأخير أميرا- ناطق باسم القصر الملكي – والي جهة مكناس تافيلالت – مؤرخ للمملكة – كاتب- مفكر حداثي- أستاذ جامعي..) إن دلالات اسم المؤلف تحيلنا على كاتب و مفكر حداثي، و هذه الحمولة تجعل القارئ يتساءل عن علاقة هذا المفكر و المحلل الحداثي بالعنوان: رواء مكة؟
مكة مكان مقدس لدى المسلمين، فيه تتم شعيرة الحج. إننا أمام سكريبت يكثف جملة من الأفعال و البرامج السردية التي يقومها المسلم الذي سيوصف بعدها بالحاج. مكان لإنجاز طقس المرور و فعل تحول، انتقال من حالة الذنوب و المعاصي و الشرور المقترفة و المسجلة و المحفوظة في صحيفة المعاصي إلى الرغبة في التكفير عن الذنوب و محوها و الثوبة إي الولادة من جديد.
هكذا نجد القارئ و قد انفتح على دلالات تتصارع، و معان دينامية، و على آثار للمعنى: فاعل حداثي ينتقل إلى مكان مقدس من أجل الارتواء، و إنجاز طقس المرور و هو التحول من حمل الذنوب و المعاصي إلى حالة جديدة عار من كل خطيئة.
لكن، ما محل مقصدية المؤلف و مقصدية النص من هذا التصادم الذي تنتجه العلامات النصية/ العتبات؟
إن النص حمولة من المعاني تتصارع بداخله كل من اسم المؤلف و المكان المقدس الأمر الذي يخلق توترا في الحبكة الروائية و متواليات الأحداث و هذا ما يخلق ثراء في المعنى و يساهم في إثارة اهتمام القارئ.
تتشكل أحداث رواء مكة من ثلاث محطات:
1 ما قبل الحج
2 الحج
3 ما بعد الحج
في المحطة الأولى السارد يتقد أمام القارئ باعتباره شخصية تتقلد منصبا ساميا في جهاز الدولة و حامل لمشروع حداثي تنويري عقلاني، متحرر من كل الرواسب و القيود الدينية و الاجتماعية، يمارس سلطته، و يتمتع بنمصب يوفر له الجاه و الحظوة والنفوذ، إلا أن هذه الحالة لم تكن ثابتة أو مستقرة: بين الفينة و الأخرى كان عالم الامتيازات و النفوذ و الثراء يتزلز من تحت أقدامه. و في غمرة هذه الأحداث يعرض عليه السفر لتأدية مناسك الحج في مكة/ بيت الله الحرام،المكان المقدس بالنسبة للمسلمين.
نحن أمام شخصية تعيش صراعا من جهة بين الرغبة في المنصب و ما يوفره من امتيازات و حظوة و مكانة، لكنه أيضا مليء بالضغوطات و الاصطدامات و الإكراهات و العرضة لمساوئ التسيير و ما يرتبط بها من انتقادات مكلفة، بالإضافة إلى هذا السياق التاريخي و المرحلي الذي يعيشه البلد و العالم من تحولات، كل هذا يجعل الذات تعيش أزمة و حيرة. داخل هذا السياق يعرض عليه القيام بشعيرة الحج التي حاول التنصل منها بسبب مواقفه العقلانية و المتحررة. إلا أن عامل الأزمة النفسية الذي تعيشه الشخصية يساهم في دفع الشخصية إلى الاستجابة للعرض.
في المكان المقدس الذي بداخله تتم شعائر الحج تتقدم الشخصية الساردة/ البطل و هي تعيش صراعا داخليا يتمظهر في شكل آرائه و مشاعره و مواقفه من بعض الأمور التي كان يشاهدها هناك فيستقيظ بداخله المفكر و الناقد و المحلل، إلا أنه مايفتئ يبحث في ظواهر أخرى عن سكينته و هدوئه. هذا الصراع في الرؤية سيتم الحسم فيه بسبب تغلب إرادة نيل السكينة و الهدوء على الأرادات الأخرى التي تجلب القلق و تعمق الأزمة النفسية للشخصية المحورية.
هذا الوضع سينقلنا إلى الحالة الثالثة حيث ستجد الذات لنفسها مخرجا وذلك بانقلابها على المكانة الاجتماعية و الرؤية العقلانية، مفضلة السكينة و الهدوء و الراحة النفسية.
عذراً التعليقات مغلقة