د. محمد عياش
– كاتب وباحث سياسي
تتحرك الولايات المتحدة الأمريكية بكل الاتجاهات ، وذلك للحفاظ على هيبتها ومكانتها التي من شروطها خلق أزمات وافتعال حروب وتخويف كل دولة في هذا العالم من جارتها . ألم يقل الرئيس الأمريكي الأسبق دوايت ديفيد أيزنهاور 1890 – 1969 وتسلسله هو الرابع والثلاثون :” نصنع القنابل لكي نصنع الأعداء “!.
الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا ، هي لا تبعد عن تخطيطاتها ومرتسماتها والهدف استنزاف روسيا اقتصاديا وعسكريا ، بالإضافة إلى وضعها على سلم العقوبات المستمرة ، لأن روسيا بالأعوام الأخيرة أصبحت تتحرك وفق الرؤية التي يراها الرئيس فلاديمير بوتين بأنها قطب يجب احترامه واحترام تحالفاته.. وتُرجمت هذه الرؤية ( البوتينية ) في جورجيا ، وليبيا وسوريا وبعض الدول الأفريقية ، والأهم التحالف الوثيق مع الصين العدو الاستراتيجي للولايات المتحدة .
توقيع الاتفاق السعودي الإيراني المفاجئ برعاية الصين ، من أوامر بوتين شخصيا ً ، والتقارب التركي السوري المقبل أيضا ً ؛ إذ أن روسيا تتقدم إلى الخطوط الأمامية متحدية واشنطن بميدانها أي منطقة الشرق الأوسط الذي يتبع فيما مضى للإدارة الأمريكية حيث تعد السعودية الحليف الاستراتيجي لواشنطن التي بدورها استثمرت كثيرا من النزاع السعودي الإيراني ، وكذلك الكيان الصهيوني الذي يتسلل للدول العربية بحجة التطبيع وتخويفهم من الجمهورية الإسلامية الإيرانية .
إن الولايات المتحدة نشطت في الآونة الأخيرة من تعزيز حضورها لدى الدول المجاورة لروسيا كـ : كازاخستان ، ووقرغيستان ، وتركمنستان ، بالإضافة لتشجيع بعض الدول الأوروبية بالانضمام لحف الناتو مثل السويد وفنلندا ..؛ وهي الآن زودت استراليا بغواصات نووية حديثة وتفعيل حلف ما يسمى ‘‘ أوكوس ’’ للضغط على الصين كي لا تغامر وتغزو تايوان على غرار روسيا كما تزعم .
تدرك واشنطن أن القيادة الآحادية للعالم بدأت بالتلاشي ، وتدرك أيضا ً بزيادة عدد الدول التي تعارض سياستها ، وذلك عقب خروج السعودية من تحت عباءتها كان هذا الحدث بمثابة الصفعة القوية التي لا يمكن للولايات المتحدة ومن وراءها الدول العميقة أن تسكت ؛ وقد بان على وجه وزير الخارجية الأمريكي بلينكن الخيبة وتصريحه الذي جاء على خجل وتحذيره من هذا الاتفاق .
ربما في الأيام القادمة سنشهد دخول واشنطن بالحرب مباشرة لجانب كييف التي تطالب بالمزيد من الدعم العسكري والسياسي.. وحادثة التصادم التي جرت بين طائرتي روسيتين وطائرة مسيرة أمريكية وإسقاطها في البحر الأسود دليل واضح لإرهاصات التدخل الأمريكي القادم ، لأن سقوط الحليف الأوكراني ، يعني سقوط الهيبة الأوروبية وبالتالي ستفقد معها واشنطن شخصيتها أمام الدول الأوروبية التي تعول الأخيرة عليها بكل شاردة وواردة .
إن القلق الأمريكي من النجاحات الروسية العسكرية والسياسية قد يدفعها لضربة عسكرية محتملة لمنشآت إيران النووية لخلط الأوراق السياسية وإشغال العالم ؛ والمناورات الجارية مع الكيان الصهيوني التي تنتهي قبل شهر آذار / مارس الحالي وعنوانها ضرب منشآت حصينة تحت الأرض ، فواشنطن والكيان قد يقدما على مثل هذا العمل الإجرامي لأنه يخدم مصلحة تكتيكية ومفادها ضرب الحلفاء لروسيا وإجبار الأخيرة على وقف الحرب والجلوس على طاولة المفاوضات لإضاعة الوقت وتأجيل النصر الروسي .
مطلوب من الصين التمترس خلف القيادة الروسية وتوحيد الصفوف بين الدول الإقليمية وتعزيز الوقوف بوجه الولايات المتحدة وإجبارها على الاعتراف بالمتغيرات الدولية الجديدة التي ترفض الهيمنة الصهيو أمريكية على العالم لأنها فرصة تاريخية قد لا تتغير ، فواشنطن أرادتها كسر عظم وستضخ بكل قوتها المالية والعسكرية بهذه المعركة ، فاللعب خلف الخطوط ديدنها المستمر وفي حال فشل هذا الإجراء ستعلن بنفسها الدخول المباشر وسعتئذٍ العالم برمته سيعلن بأنها الحرب العالمية الثالثة .
عذراً التعليقات مغلقة