“رب، ملك الملك الكريم
ملك العرش العظيم.
رب قديم منذ الأزل
. رب قدس الأقداس.
لك المديح والثناء.
رب، كل الجهات،
تؤدي إليك.. يا رب العالمين
” نص ايزيدي مقدس
الدكتور توفيق رفيق آلتونجي
فكر وعقيدة:
ان التراكمية الحضارية والثقافية – العقائدية وامتزاج الشعوب والاقوام على ارض الرافدين وعبر التاريخ كون مزيجا بشريا متنوع في طيف تعددي بديع رغم ان سواد الفكر الشمولي والمطلق وعبر السنين الطوال ترك اثرا سيئا على البشر , حيث اندثر العديد من تلك العقائد ولا نعرف عنها اي شيء في حين بقت عقائد اخرى نتيجة لسياسة رجال الدين الحكيمة في قبول الديانات الاخرى ومحاولة مسايرة العقائد المطلقة وحتى استنباط اسس فرائضها وتحويلها الى مبادئ تؤمن بها الى جانب فلسفتها الحياتية الأساسية.
كما هو الخير والشر من عند الله سبحانه وتعالى في المبدأ الاسلامي الحنيف لذا نرى المؤمن يحمد الله تعالى عند اصابته بالضر او الخير . كذلك هو الحال عند المؤمنين بالعقيدة الايزيدية حيث يعتقدون بنفس المبدا أي
” الخير والشر كلاهما ينبعان من باب الله” ونرى بان الايزيدي يرى في الله المحبة ويتعرف عليه بواسطة أحاسيسه الإنسانية ونرى ذلك كذلك عند ابناء الطريقة البكتاشية المنتشرة في تركيا حيث الأشعار الدينية المقدسة والرقص الرتمي “الدراويش” والموسيقى تستخدم كاساليب للتوجه الى الخالق كعملية تصوفية يرقى فيه الحس الانساني الى اعلى درجات الكمال مكتشفا رحمة الخالق.
هناك ثنائيات في العقيدة ك النو الظلام , البداية والنهاية , النهار والليل , الاول والاخير…. وحيث يعتقد الايزدين ب “طائوس ملك” باعتباره رئيسا للملك او كبيرهم يدعوا فقط الى عمل المعروف ويحمل روح الخير والخلود. الميثولوجيا الايزيدية مليئة بالرموز والطقوس الدينية والكثير منها غير معروفة لعدم اجراء البحوث الاثارية في المنطقة بصورة عامة خاصة ان بعض تلك الرموز تعود الى التاريخ القديم للاقوام العراقية بينما نرى اسماء عبرية وانجيلية للملائكة في نصوصهم المقدسة. وقد جعل قلة المعرفة بعقيدتهم عند ابناء الديانات الاخرى الى ترديد مقولات خاطئة ومنافية للحقيقة والواقع عن تعاليمهم ومعتقداتهم وطقوسهم الدينية وافراحهم ومباهجهم واعيادهم في نيسان من كل عام. كل ذلك دون معرفة سبب ذلك وتحليل علمي لتلك المعتقدات . نحن كبشر ننطلق دوما من معارفنا الاولية وايماننا بعقيدتنا في تقيمنا لعقائد الاخرين ولا نصدق بانهم يرفضون ما ندعوا اليه ولا نرى في طقوس الاخرين الا بدعة وخروج عن “الدين” وربما كفرا والعياذ بالله , بينما نرى ان هناك امور كثيرة يعولها العامة اليهم من طقوس غريبة واعتقادات مخالفة تماما للواقع. نرى كذلك ان العديد من تلك الطقوس الدينية لها امتداداتها التاريخية تعود الى ايام السومريين واساطيرهم “الاله السومري شمش , عشتار” و” تموز , وتحولاتها لاحقا الى تاووز , زيوس او ثيوس في الاغريقية” بينما نرى ان الربيع يحمل معاني التجدد والعودة الى الحياة في تراود وتناسخ روحي بديع للطبيعة وعودة مرة اخرى الى الفعالية والنشاط .
لذا نرى البعد الزماني والمكاني لهذا الحدث يصبغ شهر نيسان بقدسية خاصة بينما يتحول يوم الاربعاء الى رمز مقدس ترى الناس يحتفلون و في ايران يحتفل العامة بيوم” الاربعاء الاحمر” يقومون باشعال النيران في اكوام متباعدة من الجمر يقفز الشباب من على فوقها مرددين ابيات شعرية بديعة. هنا نرى اهمية “البيض” الذي يفقس بعد حين وتتجد فيها الحياة كرمز مقدس اخر نراه كذلك احد طقوس عيد الفصح المجيد عند المسيحيين وقد نرى تقاربا كبيرا في نوع الطقوس الاحتفالية فيما يقوم به شعوب اوربا الشرقية في ضرب وكسر البيض ببعضها البعض بين اثنيين يتسابقون في كسر بيض الاخر مرددين عبارة” لقد عاد مرة اخرى الى الحياة” ويجيبه الاخر “نعم انه لحقيقة” بينما يكون الوان البيض مدعاة الى الفرح والسرور بمجيئ الربيع.
البقاء على الحياة ومبدأ “التقيه”:
اما وجود مبدا “التقية” اي محاولة البقاء على الحياة والاستمرارية والصمود امام العواصف الى حين فهو مبدا معروف للبشرية لا يمكن لاحد انكارها اوانكار ممارستها ك القول مثلا “الناس على دين ملوكهم” ” الحشر مع الناس عيد” وطاعة اولي الامر وامور اخرى كثيرة. وربما نرى ان هناك نوع من الشبه في الفكر الاسلامي الداعي الى تحريم رمي النفس الى التهلكه حين يكون سطوة الطغاة على اشدها . ان طرق ومعتقدات دينية عديدة تحولت الى باطنية يعلم كنه وتعليماته عددا قليلا من الناس يتوارثونها ابا عن جد لتبقى بعيدة عن الاخطار وهذه حالة التجا اليها العديدون حتى في عالم السياسة والتحزب وحتى الدين اليهودي نرى قد سمح لابنائه التلائم مع الوضع حتى زوال الخطر في حين هناك ومع الاسف الشديد شعوب كثيرة تتركت او تعربت و تفرست وغيرت دياناتها ومعتقداتها في الشرق نتيجة وجود سلطة القوي على الضعيف والفكر الشمولي المطلق في عملية دفاعية عن النفس متحولة الى قوميات اخرى وانصهرت العديد من الاقوام والشعوب الأصلية في المنطقة فاقدة بذلك تماما اي ارتباط باصولها العرقية والعقائدية الحقيقية الاصلية.
الايزيدين بصورة عامة تمكنوا من البقاء عبر دهر من الزمان واكثر نتيجة لباطنية الدين وعدم اتخاذهم مبدا نشر الدين والدعوة اليه من ناحية ومن ناحية اخرى لكون المجتمع الايزيدي مجتمعا منغلقا فلا يتزاوجون عادة من غير الايزيدي مثلا . بقت التعاليم الدينية محفوظة بين عدد قليل متعدد من طبقات رجال الدين يثوارثونها ابا عن جد شفاهيا ومن الطبيعي ان هذا التلائم مع الوضع العام السياسي والسلطوي السائد ادى الى استمرارية بقائهم الى يومنا هذا . ويعود ارتباط الدين بالدين الاسلامي الى اسلوب ابداعي للعبقرية الايزيدية حيث مزج الكثير من الرموز الاسلامية في الدين الايزيدي ليعطي طابعا مقبولا عند المسلمين وكي لا ينعتوا وبالدرجة الاولى ب”الكفار” ولعل الشيخ المجدد “آدي” احد اكثر الشيوخ شهرة في هذا المضمار. واني لاعتقد جازما ان العديد من العقائد قد زالت ومع الاسف الشديد لعدم ظهور اناس فيهم يوعون درجة الخطورة ايام سيادة القوي على الضعيف وفرض الراي بالقوة وباستعمال كافة اساليب العنف الى درجة المجازر البشرية التي راحت ضحيتها ملايين البشر في الشرق وفي الغرب .
اذ ان هناك العديد من العقائد الدينية التي زالت ولا اثر لها في يومنا هذا ولا يعاب الايزيدي على اتباعه تلك الاساليب بقدر ما يعاب الحاكم والمتسلط الذي لا يعرف حدوده ولا يحترم انسانية الاخرين لا بل يلجا بشتى الوسائل لتطهيرهم عرقيا وازالة وجودهم العقائدي , القومي والانساني .
ايزيديي الشرق اليوم ينتشرون في بلاد تمتد من ارمينيا, ايران, كوردستان, سوريا , لبنان , فلسطين ومصر واماكن اخرى والله اعلم. التراكمية التاريخية: ان غموض الذي يسود العقائد الباطنية يؤدي بالعامة الى التوجه بخيالهم الى عالم واسع رحب من التكهنات يملئها الخرافات والمعتقدات الباطلة وكما اسلفت سابقا . تلك التفسيرات الخاطئة قد تبقى تفعل دورها السلبي في نشر المعلومات الخاطئة متواترا من جيل الى اخر الى درجة قد تصبح لاحقا حقيقة تؤخذ بها ويتداولها الناس كامر بديهي متفق عليه. الطقوس الدينية بحد ذاتها هي مجرد طقوس يراد بها العبادة والتقرب الى رب العالمين. والكثير من النصوص والاشعار المقدسة عند العقائد والطوائف الدينية ليس الا سجع كهان , نص يحاولون فيها تهذيب النفوس والدعوة الى العبادة وترك المعصيات والرضوخ الى اوامر الله سبحانه وتعالى.
نرى هنا الى اهمية ورود نصوص قرانية عديدة بوجود شعوب واقوام من الموحدين لا دخل لهم مكانيا او زمانيا مع ابناء الديانات السماوية الثلاث المعروفة الى درجة الوصول الى نبينا ابراهيم عليه الصلاة والسلام كمسلم حنيف, موحد لا بل نرى ان هناك ذكر في القران الكريم ل” ذي القرنين” باعتباره مصلحا ويعتقد ان الاشارة ها هنا الى اسكندر المقدوني (مع وجود تفاسير واراء مختلفة اخرى) ذلك القائد الاغريقي الذي سيطر على الشرق الى افغانستان وكان موحدا حسب الروايات التاريخية لكونة احد تلاميذ الفيلسوف اليوناني الموحد “ارسطو”. يعني ان التوحيد في العقائد من المبادئ الاساسية في العقيدة ويعفوا الله سبحانه وتعالى كل ما سواه “اي ما سوى الكفر والاشراك بوحدانيته”. اما لفض الجلالة “الله” قد نراه باللغة الكوردية يلفظ “خودا / خود دي” وبالفارسية”خودا” يعتقد الايرانيين انها جائت من تركيب كلمة “خود” اي بنفسه و كلمة ” دا” اي القوة وتاتي الكلمتين بمعني الذي ياخذ قوته من نفسه واحيانا يستعمل كلمة الزدشتية “يازدان” بينما نراه بالتركية “تانري” وباللغات الاخرى تتخذ الفاظ كثيرة اخرى بينما يطلق الايزيديين كلمة “ايزد” على لفظ الرب. وموضوع اللفظ هذا يعتبره البعض خروجا وبدعة على اعتبار ان لفظ الجلالة”الله” لا يمكن ترجمتها حتى لو كان لفظي اي كلمة ذو الدلالة ومعنى واحدة رغم اختلاف نطق الكلمات.
تطور وسائل الاتصال وزوال الحواجز:
ان التطورات الهائلة خاصة في العقود الاخيرة في وسائل الاتصال وانتشار الثقافة والعلوم ادى الى تغيرات جوهرية في تعاليم العقائد الباطنية . فقد كانت تلك العقائد تفرض مبدا السرية في معرفة النص الديني المقدس وتلك من المبادئ التي تتوارثت في العراق القديم حيث كان طبقة رجال الدين في حظارات القديمة من سومريين وآشوريين واخرين يرون في معرفة اللغة الدينية حصر عليهم يتوارثونها ابا عن جد وحتى كتابتها في المعابد كانت منحصرة ببعض الكتبة لا يعرف كنهها العامة من الناس. هذا المبدا بقى الى دهور طويلة تسيطر على معظم الديانات. الا ان انتشار العلم ووصول النور الى عقول الناس وافئدتهم بعد غياب الجهل والامية كثر عدد اللذين يمكنهم القراءة والكتابة. هذا التطور ادى شيئا فشيئا الى انتشار النص المقدس بين العامة من الناس ولا ريب ان النص المقدس عند الايزيديين كان الى فترة قريبة منحصرة على البعض من رجال الدين وربما لا يزال تفسيرها منحصر عندهم لحد يومنا هذا مع وجود عامل المعرفة التراكمية لاصول الدين والعبادات عند هذه الطبقة. ويجب ان لا ننسى ان النص المقدس توارد من جيل الى اخر شفاهيا عند الايزيدين وربما عند عقائد دينية اخرى كذلك. ومجرد تصفح لبعض مواقع الايزيدية على الانترنت كافية لمعرفة مدى شوق هذا الشعب ومحبته للعلم والمعرفة والادب والثقافة بصورة عامة ومساهمة ابنائه في اعلاء راية الثقافة العالمية وقد بدا الاستاذ الكريم سفو القوال باصدار موقع باسم بحزاني بنشر كتاب القاضي زهير كاظم عبود عن الايزيدية وفي حلقات والجدير بالذكلا ان الكاتب الجليل وكما عودنا يعتبر من القلائل اللذين انصفوا ابناء هذه الطائفة الكريمة بعد كل الظلم الذي لحق بهم. يقوم الموقع كذلك بنشر طموح وامال ابناء العقيدة وتعريفهم الى العالم والاستاذ الجليل من عائلة متدينة توارثوا ابا عن جد لقب “القوال” وكان يعتبر والده المرحوم الشيخ الجليل سليمان القوا ل رئيس وشيخا للقوالين عند الطائفة الايزيدية, ورثة ولده بعد وفاته.
ان سيادة روح بناء ركائز المجتمع المدني الديمقراطي والتعددي في عراقنا سيكون صمام الامان لجميع العقائد الدينية والقوميات المختلفة المكونة للبوتقة العرقية والثقافية والعقائدية الفكرية للامة العراقية في العيش بامان وطمئنيه وسلام .
عذراً التعليقات مغلقة