حبل الذاكرة البشرية لأهل الرافدين.. قصير أم طويل؟

حبل الذاكرة البشرية لأهل الرافدين.. قصير أم طويل؟

آخر تحديث : الثلاثاء 11 أبريل 2023 - 2:30 مساءً
التاريخ المشكوك به والتوثيق الناقص

النسيان نعمة أم نقمة؟

5.jpg

‏فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى

قرآن كريم

د. توفيق رفيق آلتونجي

roundcube 1 - قريش
د. توفيق رفيق آلتونجي

يقال) إن حبل الكذب قصير (ولكني أردت الحديث عن الذاكرة البشرية وقصرها. سيبقى الإنسان المعجزة الوحيدة علىالثرى الى يوم الدين. الذاكرة البشرية قاصرة من ناحية تذكر الحوادث والأشخاص وأسمائهم

والتواريخ وحتى الأماكن.  إن لم تدرك أخطاءك فلن تتعلم أبدا. هذه ليست بقاعدة عامة لأنّ الاستثناء موجود دائما. اذ انّ هناك أشخاصا لهم ذاكرة صورية يتعرفون على كل شيء من وجوه وأماكن ما برغم مرور السنين.

يعتبر النسيان نعمة للبشر وليست بنقمة. لأنّ تذكّر المآسي وإعادة استذكارها يوميا قد يؤدي الى الإحباط واليأس وقنوطالإنسان. نتيجة لذلك يتسبب في مآسي أخرى للبشر خاصة تلك التي مرتبطة بمحاولات الانتحار. كنتيجة للشعور بالكآبةوبتعاطي جرع الأدوية والحبوب بصورة غير منظمة والإخلال بوصفة الطبيب المعالج. هذا الأخير يكثر في دول مايسمى بدول الشمال وهي الدول الاسكندينافية مجتمعة وفنلندا، التي تكثر فيها حوادث الانتحار.

الكآبة والنهار الطويل

ومن الطبيعي انّ هناك أسباباً كثيرة اخرى لذلك، فأجواء هذه البلاد وخاصة في فصل الشتاء الطويل تكون عادة مظلمة،داجية والنهار قصيرا والليل طويلا. هذا عكس صيفها حيث تصل ساعات النهار فيها الى اكثر من ٢٣ ساعة اي اليوم بالكامل. هذا بالإضافة الى الوحدة والانعزال وعدم وجود الروابط الاسرية التي تعودنا عليها نحن في أعرافنا، ابناءالشرق. خاصة ما يخص احترام وتقدير الكبار والشيوخ في العائلة. اتذكر حادثة، لله الحمد هذه المرة أتذكرها جيدا ،لأني عادة النسيان باتت طبيعية خاصة مع الذاكرة القريبة.

 قبل حوالي أربعين عاما كنت لاجئا في احدى مدن السويد الشمالية، وجاء شهر رمضان) الذي حل علينا قبل ايام(  ذلكالعام في الصيف فعانينا الكثير في الصوم الى ساعات طويلة. حتى ان البعض قال لنفطر كما يفطر المغاربة لكونالمغرب هي الدولة الإسلامية التي تقع على نفس طول خط الطول لكن من يفطر وهو يرى الشمس ساطعة وسط قبةالسماء. لذا ليس من الغرابة الحديث عن كآبة الصيف كذلك في هذه البلاد. 

الذاكرة رغم قصورها فان وجود البعض من البشر ذوي الفكر النيّر تمكنوا من حفظ الذاكرة الإنسانية حيث وثقوا جميعالحوادث ( ليس كل ما كتب من التاريخ صحيح) وبهذا  تمكنت البشرية بواسطتهم الحفاظ على أرشيف الذاكرة الإنسانية. خاصة تلك الحوادث التاريخية التي على البشرية ان تأخذ منها العِبر كالحروب العالمية والحروب بين الدولواستخدامات الأسلحة الفتاكة ضد البشر أنفسهم كما هي عليها القنبلة النووية)  التهديد مستمر اليوم من قبل الروسويتحدثون عنها علنيا(  التي ألقيت على مدينتي هيروشيما ونگازاگي في اليابان من قبل الأمريكان ،والغازات السامةالتي استخدمت في الحرب العالمية الثانية وحرب البيولوجي والكيماوي التي القيت في ١٦ آذار من عام ١٩٨٨ علىمدينة حلبجة الشهيدة في كوردستان العراق والجرثومي. يجب ان لا ننسى المآسي الانسانية اثناء جميع الحروب منحرب فيتنام و البلقان وحرب الخليج الاولى و الثانية وصولا الى الحرب الجارية رحاها اليوم في الاحتلال الروسيلجزء من دولة اوكرانيا , الشعب الاوكراني يتحدث باللغة الروسية كما كان الشعب الكويتي يتحدث العربية) ناهيك عننتائج الحرب الباردة السياسية بين معسكر اليسار واليمين، تلك التي انعكست على اداء جميع الاحزاب السياسية في العالملحد يومنا هذا. ناهيك عن الحروب الاقتصادية والبيئية وحرب المياه والغذاء ونزاعات الحدود بين دول العالم والمستقبلغامض بما يحمل من ماسي. هذا والكثير من المدن تمّ تدميرها بالكامل ناهيك عن تدمير البنى التحتية للدول ناهيك عنجيش من المعوقين.

مسؤولية اخلاقية

يبقى ان نعلم ان على الكاتب والمؤرخ الذي يوثق تلك الحوادث تقع مسؤولية أخلاقية في كتابة وتوثيق التاريخ بعيدا عنالعاطفة والفكر القومي السلبي. اولاً بحيادية تامة ودون التحيز الى فكر او قوم او طرف

على حساب طرف اخر. لأننا اليوم في عالم نعيش فيها ثورة معلوماتية هائلة وبات معرفة المعلومة الصحيحة عن تلكالمزيفة امرا صعبا. ناهيك عن تأثير الاعلام بكافة اشكاله المكتوب، المسموع، المرئي والانترنت…. على عقول البشر

.  من ناحية اخرى بات الأفلام السينمائية التاريخية منها تعالج كانها حوادثها حقيقية ( يتم الإشارة الى ذلك بكون الحادثةقصة حقيقية) و بات يدافع عن فحواها احيانا حتى البعض من المثقفين. خذ مثلا الأفلام التاريخية التي أصبحت في عقولالبعض من الناس حقيقة دون نقاش.  

وسيبقى هذا التناقض بين كتابة وتوثيق التاريخ الحقيقي والمزيف للبشرية، ازليا. المنتصر يكتب التاريخ وهي حالة عامةعند كل البشر تتكرر حتى في المستقبل. لكن يجب الاشارة بان حتى في الخسارة نصر اذا استفدنا من تلك التجربة. فمنسوف يقرأ كلماتي هذه بعد الف والف عام سيجدها صحيحة ومطابقة لواقعه المعاش انذاك حتى لو عاش على كوكباخر غير كوكبنا الارضي.  طبعا هناك احتمال ان تتمكن البشرية من ايجاد طرق وأساليب لحفظ الذاكرة الانسانية، لكننالم نصل هناك اليوم في القرن الواحد والعشرين. 

ربما، اقول ربما ستجد الانسانية طرق لخزن الذاكرة والمعلومات و توريثها للاجيال القادمة بواسطة اجهزة ذكية تعالجالمعلومات وتمررها من مصفيات خاصة (فلتر) تغربل المعلومة وتمسح الخاطئة منها، والله اعلم. المستقبل كفيل كذلكبايجاد وكشف رقائق كي تعزز قدرات المخ الإنساني المستخدم اليوم فقط ب ربما ٥% منه. فما بال لو استخدم ٨٩% في المستقبل من ناحية ومن ناحية اخرى تجديد خلاياها بين الحين والآخر ، لاطالة عمر البشر. بالمقارنة مع انسان اليومفي القرن الواحد و العشرين.

عودة التطرف

لا توجد اي ضمانات لتكرار الأخطاء وربما يفيد التوثيق لعدم تكرارها. ييقى ان التقدم التقني في عالم صنع الأسلحةوالقنابل سيؤدي حتما الى نهاية الحياة بكافة اشكالها على الارض. ناهيك لو استخدمت تلك الأموال لسعادة البشريةللتطورات البشرية وقفزت الى مستويات عالية في اسلوب حياتها وتفكيرها.  لا توجد اي ضمانات كي لا نرى ولادةدكتاتور جديد يهدد العالم من جديد حتى بعد مئات السنين. وحتى عودة احزاب سياسية متطرفة ( ممنوعة اليوم) منقومية، سلبية، نازية وفاشية عدوانية وتستخدم العنف ضد البشرية كاداة سياسية للوصول الى سدة الحكم. الأفكار يجبان تتطور وتلاءم العصر ولا يوجد اي ضمان ان تكون افكار مر عليها الاف السنين قابلة وملائمة للتطبيق فيالمستقبل.  

لا ريب ان عالمنا اليوم عالم مزيف بكل معنى الكلمة. ما نراه دوما يجرى عليه التجميل والتغير قبل وصول الصورةالينا. الحقيقة بيد البعض القليل وهم دوما سيخفونها من باقي البشر. تبقى المشكلة الأساسية في ذاكرة الانسان. هي ، نحنو ببساطة نولد باذن الله دوما بذاكرة فارغة تماما. فارغة من العلوم والتجارب والمعارف. نتعلم كل شيء من جديد بدءابالنطق ونحبوا ونتعلم المشي ووو . هذا مع الأسف الشديد يتكرر مع كل ولادة بشرية جديدة. اذا لم تكن ذاكرة البشريةبكل جزئياتها صحيحة بصورة مطلقة سنكون امام تكرار الأخطاء. هذه المرة تكلفنا وجودنا البشري والحياة بصورةعامة على الثرى، قارئي الكريم.

الأندلس

رابط مختصر

عذراً التعليقات مغلقة

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com