عبدالواسع الفاتكي
كاتب من اليمن
مثل تحقيق الوحدة اليمنية في ٢٢ مايو ١٩٩٠ م حدثا مفصليا هاما ، في تاريخ اليمن السياسي الحديث ، ونتيجة طبيعية لإزالة الفوارق السياسية لشعب واحد يقطن في شطرين شمالي وجنوبي ، يحكمهما نظامان سياسيا رأسمالي في الشمال واشتراكي في الجنوب .
لم تكن الوحدة اليمنية وحدة شعبين مختلفين هوية أو ثقافة أو انتماء ، ولم تكن وحدة بين أعراق وقوميات مختلفة ، كانت وحدة الأسرة الواحدة ، وحدة اليمنيين بعضهم ببعض ؛ بإزالة الحواجز الجغرافية المصطنعة ؛ بفعل الحواجز السلطوية والسياسية ، التي كانت تحكم الشطر الشمالي والشطر الجنوبي من اليمن ، أطلت برأسها مرة أخرى ؛ بفعل الصراعات السياسية ، التي مزقت عضد النظام السياسي اليمني وسلطة دولة الوحدة ، الأمر الذي ولد احتقانا وردة فعل غير صحية ، لدى ذوي المشاريع الارتدادية ؛ فبدلا من إصلاح منظومة الاختلالات في النظام السياسي لدولة الوحدة ، تم توجيه الصراع صوب الوحدة اليمنية ، وتحميلها إخفاقات وسلبيات النظام السياسي لدولة الوحدة ، والتي لا يمكن الجزم بأن كل مكوناته وأطرافه ليست في منأى عن المسؤولية عنها ، وعن استغلالها من قبل من عجز عن فرض تصوره أو رؤيته لدولة الوحدة ، أو عجز عن الهزيمة السياسية لخصمه ؛ فوجه سهمه نحو الوحدة باعتبارها أنها هي المسؤولة عن الغبن ، الذي يشعر به ، أو ضعفه أمام بقية الفرقاء السياسيين ، بدلا من البحث عن دعائم سياسية واجتماعية وجماهيرية ، تسنده في تأييد وتبني رؤاه السياسية ، وتضغط على المخالف له ؛ للوصول لتوافقات تصصح اختلالات المسار السياسي والسلطوي لدولة الوحدة ، دون المساس بالوحدة اليمنية ، التي تعد ملكا لليمنيين وحقا حصريا لهم على امتداد الجغرافية اليمنية ، وليست هبة أو منة من النظام السياسي اليمني ، سواء الذي كان في الشمال أو الجنوب .
مواثيق الأمم المتحدة ودساتير الدول تؤكد على احترام سيادة الدول وسلامة أراضيها ؛ ولذلك فهي في مواقفها المعلنة من الوحدة اليمنية ، تعرب عن تأكيدها الحفاظ على وحدة اليمن وسيادته وسلامة أراضيه ، هذا الموقف للإقليم والمجتمع الدولي في الوقت الراهن لا يعني أنه سيستمر ؛ لأن الذي يقف خلفه ليس قناعة الإقليم والمجتمع الدولي التامة بضرورة الحفاظ على الوحدة اليمنية ، بقدر ما هو افتقار الانفصال للأسس القانونية والدستورية ، التي تجعل قبول ودعم الإقليم والمجتمع الدولي له أمرا مقبولا ، دون أن يسبب أي انعكاسات سياسية أو حتى أخلاقية أمام الرأي العام الدولي ومؤسساته ؛ إذ أنه لا يمكن أن يتحقق الانفصال إلا بإحدى أمرين .
الأول : الانفصال بالقوة ، وهذا سيكلف دعاة الانفصال تكاليف باهظة مالية وبشرية ، ناهيك عن أن سلوك هذا المنحى سيفقد دعاة الانفصال المشروعية السياسية لمطالبهم ، فضلا عن الحاجة الماسة لرعاية ومساندة خارجية لمشروعهم ، بشكل معلن في المحافل الإقليمة والدولية ، وهو ما ستحجم عنه كثير من الدول ؛ تجنبا للتبعات المستقبلية لمواقفها ، حتى تلك التي ترى بأن انفصال الجنوب اليمني في صالح مصالحها السياسية والاقتصادية ، أو تلك المؤيدة له من خلال غض الطرف عن كل تحركات المجلس الانتقالي وتصعيده المستمر لفرض الانفصال كأمر واقع .
الثاني : الانفصال بالاستناد لمرجعية وطنية أو دستورية يصادق عليها الشعب اليمني ، تتضمن حق تقرير المصير لأبناء المحافظات الجنوبية ، وهو في تصوري ما يجري الإعداد له ، بناء على المعطيات الموجودة على الأرض ، والتغيرات التي طالت بنية السلطة الشرعية والتي أكسبت المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال شرعية الاعتراف به ، كممثل للجنوب ، وما يستدعيه هذا الاعتراف من تمهيد مسبق للتعاطي مع مطالبه الانفصالية ، في المرحلة القادمة ، المزمع هندستها بتسوية سياسية ؛ لإنهاء الحرب ستحتفظ بالحوثيين كفصيل مشارك في أي ائتلاف قادم للسلطة ، وهذا بالطبع يستدعي استمرار الاحتفاظ بالمجلس الانتقالي الجنوبي كمشارك في السلطة أيضا ، والتي لن يوافق المجلس على المشاركة فيها إلا إذا تضمنت التسوية القادمة حق تقرير المصير لأبناء المحافظات الجنوبية ، وهو ما سيوافق عليه المجلس الرئاسي والحكومة اليمنية بضغوط إقليمية ودولية ، عندئذ سيكسب المجلس الانتقالي الجنوبي ومن يدعمه في مشروعه الانفصالي مشروعية سياسية ، بمرجعية داخلية وإقليمية ودولية ، في خضم فترة انتقالية ، يكن المجلس الانتقالي قد استكمل فيها بناء المؤسسات والهيئات الجاهزة لإدارة شؤون الحكم في المحافظات الجنوبية .
ظل اليمن موحدا في أغلب مراحله التاريخية ، فوفقا لدراسة أحد المؤرخين اليمنيين ، توحد اليمن بامتداداته التاريخية جغرافيا وسياسيا اثنين وعشرين مرة ، آخرها في ٢٢ مايو ١٩٩٠م ووصل مجموع عمر دولة الوحدة اليمنية ٣٢٥٠ سنة ، أما فترات الصراع والانقسام فكانت إما من أجل إعادة الوحدة ، أو بسبب الفشل في إقامة دولة الوحدة .
انقلاب ٢١ سبتمبر ٢٠١٤م أوجد الأرضية الصلبة لدعاة الانفصال ، وساهم في خلق الظروف المهيئة له ، وفتح شهية البعض من أبناء المحافظات الجنوبية لرفع الصوت عاليا مطالبين بفك الارتباط مع المحافظات الشمالية ، ويمثل استمرار بقاء الانقلاب الحوثي في معظم محافظات شمال اليمن ، وعدم تحريرها من قبضة الحوثيين ، رافدا مهما ساندا لدعاة الانفصال ، يمنحهم مبرراته ، ويكسبهم تأييدا ملحوظا لدى أيناء المحافظات الجنوبية ، وبالتالي فإن إضعاف صوت الانفصال في الجنوب ، وقطع الطريق أمام داعميه ، لن يتحقق إلا بهزيمة الانقلاب الحوثي وعودة مؤسسات الدولة الشرعية لكافة المحافظات الشمالية ، عندئذ ، لن يجد دعاة الانفصال من المبررات والأسباب ، ما يقنعون به أبناء الجنوب بالانفصال ، وسيدافع عن الوحدة اليمنية ، ويتمسك بها أبناء المحافظات الجنوبية أكثر من أبناء المحافظات الشمالية .
عذراً التعليقات مغلقة