هل قدمت تل أبيب عرضا سخيا حقاً؟
طه خالد منصور
كاتب فلسطيني – لندن
أشارت أخر الأخبار المتداولة عن تقديم اسرائيل لحماس مقترح وصف بالسخي من أجل اتمام صفقة تبادل الأسرى، وهو الملف الذي يراوح مكانه منذ سنوات طويلة، حيث فشل الطرفان في إبرام الصفقة نظراُ لعدة اعتبارات اهمها التعنت من جانب حكومة الاحتلال والتي لطالما ماطلت في هذا الشأن، ووفقا لما كشفه مسؤول عربي على اطلاع بحيثيات اخر المستجدات في هذا الملف في احد المواقع العربية فأن المقترح الاسرائيلي كان مغايراً لما سبقه من مقترحات من حيث عدد الأسرى الفلسطينيين المزعم إطلاق سراحهم وأعمارهم ومدة محكوميتهم عدا عن الإفراج عن كل جثث الفلسطينيين المحتجزة لدى اسرائيل من القدس والضفة الغربية.
ووفقا لما أشارت له المعلومات المتداولة فقد تم نقل المقترح لقيادة حماس والتي بحثته مؤخراً وبعض المشاركين رأوا فيه تقدماً ايجابياً جداً نحو ابرام صفقة، الا أن يحيى السنوار أعلن معارضته للمقترح ولم يفصل المسؤول ماذا طلب السنوار او ما هي مطالب حماس النهائية لابرام صفقة.
الخوض في تفاصيل ملف تبادل الأسرى بين حماس وحكومة الاحتلال يتطلب إبراز الخطوط العريضة لتطوّرات هذا الملف المتخم بالكثير من التفاصيل الممتدة والمعقدة منذ سنوات، فبعد نحو 4 سنوات على صفقة “وفاء الأحرار” 2011 المعروفة إعلاميا بصفقة شاليط، وبالضبط في الحرب الثانية على غزة عام 2014، نجحت حماس مجددا في أسر الجنديين هادار غولدن وأرون شاؤول، فضلا عن احتجازها هشام السيد وأفيرا منغستوا، اللذين دخلا غزة في ظروف غامضة، وخلال السنوات الثماني الماضية لم تتراجع حماس عن موقفها بإنجاز صفقة تبادل تصفها بالمشرفة وتسميها “وفاء الأحرار 2″، ولا تقل من حيث القيمة عن صفقة شاليط، غير أنها اصطدمت دوما بموقف إسرائيلي رافض ومتشدد.
ومع بقاء الملف في مكانة كانت كل الدلائل تشير إلى أن الصفقة كانت ستتم خلال العام الجاري لعدة اعتبارات منها التهديد الحاسم لزعيم حركة حماس يحيى السنوار، في ذكرى انطلاقتها الـ35 منتصف ديسمبر/كانون الأول 2022؛ والذي قال فيه “نمهل الاحتلال وقتا محدودا لإتمام الصفقة، وإلا سنغلق ملف الجنود الأربعة إلى الأبد”، وهنا يمكن القول أن سعي المقاومة الفلسطينية لإطلاق سراح أسراها لدى إسرائيل كان وسيظل أحد جوانب الصراع الممتد بين الطرفين. وقد نجحت المقاومة في أكثر من محطة في إجبار إسرائيل على إطلاق سراح أسرى لديه ففي العام 2011 أطلقت إسرائيل 1027 أسيراً فلسطينياً، بينهم 280 أسيراً محكوماً بالمؤبد العالي مقابل إطلاق حماس سراح الجندي جلعاد شاليط بعد أسر دام خمس سنوات. والملفت في هذه الصفقة تحديداً إطلاق إسرائيل عدداً كبيراً من الأسرى مقابل استعادة عدد قليل جدّاً من الجنود، الأمر الذي يشير إلى حساسية موضوع الأسرى لدى إسرائيل.
ومنذ ذلك الحين اصبح القرار المتعلق بإتمام صفقة كبيرة ومشرفة ومشابهة لما جرى في صفقة جلعاد شاليط مؤجلا بالفعل، حيث أضحت الرهانات الحالية مرتبطة فقط بإمكانية تحريك المياه الراكدة، خاصة مع رفض حركة حماس للمقترح الأخير رغم مميزاته، وهنا لا بد من الإشارة إلا أن هذا الرفض قد يكون لعدة أسباب أهمها فقدان الثقة بين الطرفين ففي صفقة تبادل الاسرى سنة 2011 وبعد أيام من إطلاق العديد من الأسرى الفلسطينيين ، اعتقلت قوات الاحتلال العشرات من الأسرى الذي سبق أن أفرجت عنهم خلال الصفقة، أو أن هناك بنودا في الصفة تتعارض مع المطالب التي تسعى حركة حماس إلى تحقيقها والتي غالبا ما قد تكون متعلقة برفع الحصار الخانق الذي يفرضه الاحتلال على قطاع غزة جواً وبراً وبحراً منذ سنة 2007.
ورغم اختلاف احتمالات رفض حماس لصفقة تبادل الاسرى، إلا انها تبقى مجرد تكهنات لا يمكن الجزم بها أو حتى الاقتناع بها، وهنا يمكن القول أن قيادة حماس أصبحت مجبرة الآن على تبرير موقفها خاصة أن العديد من الاسرى الفلسطينيين ينتظرون هذه الصفقة منذ سنوات طويلة، وليس هذا فقط فحتى أهالي العديد من الشهداء الذين تحتجز سلطات الاحتلال جثتهم على أحر من الجمر لاستلام ذويهم ودفنهم في مكان يليق بهم، ضف إلى ذلك أن تعثر هذا الملف أو وصوله إلى طريق مسدود يعني أنَّ الأوضاع خلال الأشهر المقبلة ستكون قابلة للانفجار في غزة في أيّ لحظة إلى ما لا يحمد عقباه، وبين هذا وذاك يبقى ملف تبادل الأسرى يراوح مكانه دون إحداث اختراق جدي في الملف .
وائل الحموي – دمشق منذ سنتين
كل ما قيل في هذا المقال عن الحقوق الفلسطينية كان من اجل تمرير وجهة نظر اسرائيلية في تحميل حماس مسؤولية ملف الاسرى المتعثر .