الدكتور محمد عياش
– كاتب وباحث سياسي
يقول وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر ، عند اندلاع أزمة أو صراع مسلح في أي مكان ، فإن على الولايات المتحدة الأمريكية التريث طويلا ً لتتضح الفوائد من تلك الأزمة .
جميع المؤشرات والدلالات تشير لتورط واشنطن بالحرب الروسية الأوكرانية قبل أن تندلع في الرابع والعشرين من الشهر الثاني للسنة المنصرمة ، لأن دولة مثل أوكرانيا ما كان لها أن تصمد لهذه اللحظة أمام القوة الروسية لولا الدعم والتجييش المسبق من الولايات المتحدة وحلف الناتو الذي يشكل خطرا ً مستمرا ً على الأمن القومي لموسكو .
في تسويفة لاحتلال هاييتي كتب الرئيس /33/ للولايات المتحدة فرانكلين روزفلت في العام 1928 يقول فيها ، كان الرؤساء يُقتلون والحكومات تهرب عدة مرات في السنة ونحن لم نرسل مشاة البحرية إلى هاييتي ، إلا بعد ما لقي كبير القضاة مصرعه ُ .
إن واشنطن دولة استغلالية مقيتة ، والنزاع بهاييتي كم استغرق حتى قُتل كبير القضاة ؟ إذاً هو الوقت المطلوب بالإستراتيجية الكيسنجرية والتي تتضح من خلالها الفوائد الجمّة من لحظة التدخل التي تكون وبالا ً بالمطلق .
الحرب الروسية – الأوكرانية تسير وفق الرؤية والإستراتيجية الأمريكية ، نقصد في ديمومة الحرب وأعتقد أن الحرب مع موسكو لا تقتصر على الحرب العسكرية الدائرة بل تتعداها إلى أبعاد أخرى تخوض موسكو حربا ً بكافة الوسائل والاستمرارية على حد قول جنرال العصر كلاوفيتز .
السؤال الكبير متى تعلن واشنطن الدخول بالمعركة الدائرة بشكل مباشر؟ ، سيما أن الوقت المطلوب تم تسخيره وفق الرؤية ، وبالتالي فإن واشنطن ستقود حربا ً استنزافية ظاهرها قانونية وباطنها منهجية لإزاحة القوة الروسية من طريقها .
يمكن القول ، أن الولايات المتحدة إلى هذه اللحظة نجحت في جعل المعركة تقليدية وبالسلاح المتطور دون الحديث عن السلاح النووي ودوره في حسم المعركة ، والمبارزة الحالية بكافة أنواع الصنوف من الأسلحة وإشهارها يصب في صالحها للاطلاع من جهة والعمل على إيجاد السلاح الرادع من جهة أخرى .
من جهتها روسيا تدرك أن هذه المعركة وبالسلاح الأكثر تطورا ً واستفرادها بأنواع من الصواريخ الفرط صوتية لن تحسم الأزمة بقدر ما تطيل منها ، وهذا ليس في صالحها على المدى القريب ، لأن التحالف الغربي يغدق المليارات ويعمل على فتح مستودعات السلاح لأوكرانيا وسياسة العقوبات المستمرة ، كلها عوامل قد تتأثر روسيا .
في خطة استباقية لكل ما يحاك لموسكو من الغرب ، أعلن الرئيس البيلاورسي ألكسندر لوكاشينكو الخميس مايو / أيار 25 / 5 / 2023 أن روسيا باشرت بنقل أسلحة نووية إلى بلاده ، يعني ذلك في أبجديات الحرب أن روسيا لن تبقى مستمرة بالمعركة وفق المحددات الغربية ، وبالتالي فإن عليها أن تظهر أكبر قدر من قوتها الردعية وأن تعلن استعدادها لاستخدام السلاح النووي عند الخطر المحدق ، سيما مع الوعود الغربية لكييف بشن حرب لاستعادة كل المناطق التي سيطرت عليها موسكو بما فيها جزيرة القرم .
كل الاعتقاد ، أن الحرب الدائرة أصبحت قريبة جدا ً من النهاية ، وأشراطها بدت للعيان ، وأول هذه الشروط ، التلويح بالسلاح النووي ، إذ لا يمكن عمليا ً أن تتورط القارة الأوروبية بالحرب المباشرة مع روسيا ، لأنهم أرادوها حرب طويلة المدى لاستنزاف روسيا اقتصاديا ً وبشريا ً ، وتاليا ً أدركت روسيا ما الذي تريده الدول الغربية وواشنطن لذلك قطع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الطريق وانتقل إلى الأخطر الذي تخشاه هذه الدول .
ليست وحدها واشنطن ما تستفيد من توصيات واستراتيجيات هنري كيسنجر ، ولا نجزم بأن الخطط الأمريكية قابلة للتحقق ، ذلك أن القوة الروسية ليست هاييتي أو فيتنام واليابان واغتنامها التدخل بالحرب العالمية الأولى إلى جانب الحلفاء بعد أن أضعفتهم ألمانيا النازية بالهجوم التي شنته بالغواصات ضد بريطانيا ، وكانت السفينة الأمريكية آر إم إس لوسيتانيا التي غرقت يوم الجمعة 7 مايو / أيار 1915 بمثابة السبب المباشر للانخراط بالحرب .
إن الإدارة الروسية إلى هذه اللحظة تدير المعركة بخطى دقيقة ، فالدبلوماسية الروسية في أوجها ، والعقوبات الاقتصادية لن تثن من عزيمة روسيا كما صرح بوتين ، والغرب ماض في الدعم بكافة الأشكال مع الوعود بالنصر هذا العام ، والجولات المكوكية للرئيس الأوكراني فلاديمور زيلينسكي لا تنتهي ، فموسكو تقرأ جيدا ً كتب كيسنجر ، وتعلم جيدا ً من أين تتألم واشنطن .
عذراً التعليقات مغلقة