د. عماد الدين الجبوري
في الأول من حزيران من كل عام يعيش العراقيون ذكرى تأميم النفط عام 1972، ذلك القرار التاريخي الذي اعلنه الرئيس العراقي الراحل أحمد حسن البكر (1914-1982) إلى الشعب العراقي خاصة، وإلى أبناء الأمة العربية عامة. ومع أن فكرة تأميم النفط كانت تراود بعض الاقتصاديين والسياسيين، لكن لم تجرؤ أي سلطة وطنية على اتخاذ مثل هذا القرار، الذي يجعلها في مجابهة تصادمية مباشرة مع شركات النفط الغربية الاحتكارية، التي لها من النفوذ والقوة على إسقاط الحكومات والزعامات. إلا أن قادة حزب البعث العربي الاشتراكي، ومنذ المنعطف التاريخي المهم في 17 تموز 1968، كان ضمن خططهم الاقتصادية الرامية إلى نهضة العراق، أن يمتلك الشعب كامل ثروته، ومنها النفط الذي تتحكم فيه تلك الشركات الاحتكارية.
وضمن الخطة المدروسة التي وضعها “مجلس قيادة الثورة” تحت قيادة البكر، أن تكون عملية التأميم بشكل تدريجي جزئي نحو الكلي، بدأت بمفاوضات مع “شركة نفط العراق” (IPC)، مكتبها في العاصمة بغداد ومقرها في محافظة كركوك، وتشترك في ملكيتها شركات نفط عالمية إدارتها الرئيسة في لندن. وبعد فشل جولات المفاوضات بسبب تعنت الشركة، التي ظنت من دونها لن تنجح الحكومة العراقية من تسويق نفطها عالميًا، لذا اتخذت القيادة قرار تأميم “شركة نفط العراق” في 1 حزيران 1972. ثم تخلت الشركة لاحقًا عن “شركة نفط الموصل” في 23 شباط 1973. وبعد ذلك، تم تأميم المصالح الأميركية في “شركة نفط البصرة” أكسون موبيل (Exxon Mobil Crop) في 7 تشرين الأول 1973، جراء حرب تشرين/أكتوبر 1973 ضد العدو الصهيوني، وموقف الولايات المتحدة المعادي. وضمن هذا المسار القومي من الحرب ضد الدول المعادية للعرب، قرر “مجلس قيادة الثورة” تأميم مصالح “شركة رويال داتش شيل” (Royal Dutch Shell) الهولندية العاملة في “شركة نفط البصرة، بتاريخ 21 تشرين الأول 1973. وكذلك الأمر جرى في تأميم مصالح “شركة بارتكس للنفط والغاز” (Partex Oil and Gas) البرتغالية، لموقفها المضاد أيضًا، في 20كانون الأول 1973.
وكانت آخر الخطوات التي أتخذها “مجلس قيادة الثورة” بتأميم الحصص المتبقية لشركات “شيل والنفط الفرنسية” في “شركة نفط البصرة” بتاريخ 8 كانون الأول 1975. وهكذا، تمكن العراق من امتلاك كامل لثروته المعدنية، بعد عمليات التأميم التدريجية للشركات النفطية الغربية الاحتكارية ومصالحها وحصصها الموجودة في قطاع الطاقة النفطية، وجعلها حكومية ضمن القطاع العام للدولة.
مضت 51 سنة على ذكرى التأميم الخالد، رحل خلالها القادة العظام ومعظم الرجال الشجعان، الذين صنعوا هذا الفعل التاريخي الذي سيبقى أبد الدهر. إلا أن تلك الشركات الاحتكارية وحكوماتها الغربية لم تفتأ يومًا من التخطيط والتآمر المتواصل، حتى حققت هدفها بالعودة ثانية إلى العراق والسيطرة على نفطه وثرواته ومقدراته في الغزو الأميركي الأطلسي الصفوي الصهيوني، ودخول قوات الاحتلال الأميركية إلى بغداد في 9 نيسان 2003.
وعن مستهل التأميم النفطي، في تلك الفترة المهمة من تاريخ العراق المعاصر، كنا حينها شبابًا يافعين، بعضنا شارك بشكل مباشر في تنفيذ آليات التأميم، والبعض الاخر بالدعم والتأييد سواء بالنزول إلى الشارع في تظاهرات ومسيرات أو في نشاطات أخرى، إذ كلنا اليوم نُعدّ شهود عيان على تلك الأيام المفصلية الحاسمة، مع ألم يعصر صدور جيلنا أشد العصر لِما نراه من تدمير ماحق إلى كل تلك المنجزات التاريخية الجبارة، التي نقلت العراق إلى مطاف الدول المتطورة، لكنه قدر الله الذي يجعل العراق يمر بفترات عصيبة وأخرى عظيمة، فهذا القدر الإلهي يصنع الرجال الأشداء، الذين لن تلين عزيمتهم ولا تنكسر إرادتهم مهما تكالب على عراقهم الخطوب، وإن غدًا لناظره قريب، وحقائق التاريخ تشهد.
عذراً التعليقات مغلقة