بقلم المراقب السياسي
في لحظة صعبة من الصراع بين روسيا والغرب، بعد القتال في أوكرانيا، اكتسب الرئيس الروسي بوتين الذي لا تزال طائراته تقتل مدنيين في شمال غرب سوريا، امتداحاً واسعاً في العالم الإسلامي، وعبّر عن ذلك الازهر، حين ظهر بوتين محتضناً نسخة من القرآن الكريم. في حين خرجت التظاهرات الغاضبة وصدرت البيانات الساخطة من الدول العربية والإسلامية ضد السويد والغرب عامة بعد قيام متطرف في السويد بحرق نسخة من المصحف الشريف قرب مسجد إسلامي وتحت حماية الشرطة السويدية.
هذه ليست الحادثة الأولى ولن تكون الأخيرة، إذ جرى في مطلع هذا العام حرق المصحف في السويد أيضاً.
وبسهولة وتحت رعاية الشرطة السويدية كرر الشخص ذاته- مسيحي له سوابق جرمية ، وعنصر مليشيات سابق في العراق – تدنيس القرآن في 20 تموز 2023، وجرى حرق السفارة السويدية من انصار التيار الصدري الشيعي ببغداد، وطردت الحكومة -الشيعية- في العراق السفيرة السويدية.
حرق الكتب الدينية والكتب المقدسة لأي دين أو طائفة هو عمل عدواني ضد اتباع دين او طائفة بالكامل. لكن يبدو انّ السويد تعرف السقف المنخفض لردود الفعل عند المسلمين المكبلين بأنظمة حكم واقعة تحت الرعاية الغربية وتراعي مصالحها أولاً، حتى لو كان على حساب مقدسات الملايين من شعوبها المقهورة أصلاً.
اقتحام السفارة السويدية في بغداد، ليس الرد المناسب الذي يمكن أن يؤثر في السويد لتغير قوانينها التي تساعد في الحض على كراهية الاخرين تحت بنود حقوق حرية التعبير. ولا شك انّ السويد ليست جزيرة منعزلة أو دولة في كوكب آخر، فهي تعرف ما يدور حولها وما دلالة ان تمنح ترخيصاً لحرق القرآن ،الكتاب المقدس الذي يمثل دستوراً لأغلبية المسلمين، لكنها تعرف انَّ العالم الإسلامي في حالة من الضعف تجعله يتقبل الاهانات والتجاوزات على مقدساته.
رد فعل الدول الإسلامية الكبيرة دون المستوى المطلوب، وهي بذلك تظن انها تراعي مصالحها في عدم التصعيد المقابل، لكنها تزيد من نقمة ملايين المسلمين عليها، داخل بلدانها وخارجها.
ويبقى أسلوب الإسلام حضارياً راقياً في أساليب تعاطيه مع جميع المواقف والازمات، فالمسلمون الأوائل هم بُناة الحضارة ومؤسسو علوم الفلك والرياضيات والصيدلة والطب والكيمياء والجبر والفيزياء، فضلاً عن حملهم المبكر رسالة السلام والتسامح وحقوق المرأة والانسان عامة. لذلك لابدّ من ان تكون للدول المؤثرة سياسة دولية ناجعة تمنع من خلال الحوار مع البرلمانات في العالم تشريع قوانين تساعد في تكريس الكراهية ضد المسلمين، مثلما انّ القوانين لديهم تمنع الكراهية ضد الأديان الأخرى.
ولا يعني هذا استخدام لغة الكلام والحوار فقط في عالم “امبريالي النزعة” تحكمه الشركات الكبرى المصالح، وانّما لابدّ من توظيف المصالح الاقتصادية والنفطية في صالح هذه القضية التي لا يُراد منها سوى تلقي الاحترام، كما نبادل العالم الاحترام ذاته.
تستطيع السعودية أن تفعل أكثر من الشجب والاستنكار، ولو فعلت لسار وراءها أكثر من دولة، لكن في النهاية الأنظمة العربية تقوم على السياسة وليس الدين، فهي ليست أنظمة دينية، وتلك مسألة مهمة في التصنيف النوعي لأنظمة الدول في العالم. غير انّ السعودية بنظر العالم تبقى ذات مسحة إسلامية، حيث تقع فيها أقدس المقدسات الإسلامية و تأخذ عندها الشعائر منتهاها في موسم الحج الجاري الذي حدث توقيت حرق المصحف من قبل المتطرف “المسيحي” عراقي الأصل سويدي الجنسية.
حتى انّ ايران التي اشتغلت طويلا في “ الفتوى” التي اطلقها مؤسس جمهوريتها “ الاسلامية” في هدر دم الروائي البريطاني سلمان رشدي، الذي كتب آيات شيطانية، لم تعد تنجب فتاوى هدر دم جديدة ، ربما مادام الحرق لا يستهدف “آياتها” مباشرة.
وجدنا في الميدان قراءة أخرى تقول ان مليشيات شيعية متنفذة في العراق عمل معها مقاتلا في اوج استهداف المليشيات الطائفية العرب السنة تحت شعارات محاربة داعش والقاعدة، ثم اكتشفت المليشيا ذاتها استهتاره بتعليماتها فسجلته بضعة ايام قبل هجرته الى السويد ، فأراد ان ينتقم بطريقته “الخاصة” او “المدفوعة” ضد الدين الإسلامي، وكذلك ينتقم من ” العراق” كونه اعلن انه في صدد حرق العلم العراقي أيضاً ، واذا صحت هذه الرواية، فإنّ العراق امام مسؤولية كبيرة عن وجود مليشيات في بلد يفترض ان له جيشا وشرطة بشكل نظامي كباقي الدول ، وانّ الزيادة غير النظامية فيه مرتبطة بظروف انتهت، وانّ استمرارها يورط الدولة العراقية ككل في مشاكل أكبر، وليس المليشيا المعنية وحدها.
هناك حرية رأي، وهناك تقدير مواقف لمصالح الدول، وتعي السويد انّ تركيا التي ترفض حتى الان انضمامها الى حلف الناتو، لديها رد فعل غاضب على تساهل ستوكهولم مع المتطرف الجديد. غير انّ التوقيت لا يمكن أن يجري فصله عن الهدف المتعمد لهذا الحدث.
المسلمون قوة بشرية كبيرة ، وقوة اقتصادية لايستهان بها في انتاج الطاقة، واستهلاك الأسواق، ولا يمكن لأية دولة صناعية في الأرض ان تتجاهلها، لذلك ليس من السهل التجاوز على المسلمين من دون رد ، فذلك حق الدفاع عن النفس، إلا اذا كانت دول “المسلمين” تفرّط بحقوقها، عن جهل أو ضعف أو تواطؤ
عذراً التعليقات مغلقة