د. عماد الدين الجبوري
لندن
على حين غرة أعرب نظام الملالي الإيراني بأحقيته في التنقيب والاستثمار بحقل الدرة البحري للغاز، طالما ترسيم الحدود البحرية لم تتم بعد. وهذا الموقف أثار توترًا مباشرًا مع الكويت، التي يقع الحقل في مياهها، ودعت إيران إلى بدء مفاوضات ترسيم الحدود مع الكويت والسعودية كطرف تفاوضي واحد. وكذلك أعلنت السعودية عبر خارجيتها بشأن تقاسم الحقل، وأكدت بأنها والكويت فقط تملكان حق استغلال الثروات الطبيعية في “المنطقة المغمورة المقسومة”. وجددت دعوتها لطهران للتفاوض مع المملكة والكويت كطرف واحد، من أجل ترسيم الحدود وفقًا للقانون الدولي.
بالنسبة إلى إيران تستند على مخطط بريطاني قديم منحها مجالًا عند تقسيم مناطق الخليج العربي، وترى أن حصتها في حقل الدرة الغازي تصل إلى نسبة 40في المئة، وبدلًا من أن تستجيب للدعوة الكويتية والسعودية والدخول في مفاوضات فيصلها القانون الدولي، اتجهت إلى تصريحات مستفزة وخطرة مشحونة بلغة التهديد والوعيد. فعلى سبيل المثال، في حديث متلفز لرئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني قال فيه بما يلي:
“إن سقوط نظام بشار الأسد في سوريا مقدمة لسقوط الكويت، أفهموها كما شئتم. إنّ الكويت تشكل لإيران عمقًا إستراتيجيًا لن تتنازل بلاده عنه. وعلى دول، ما أسماه الخليج الفارسي، ألا تعرقل طموحات إيران العظمى، وإلا فالعرب سينحسرون إلى مكة كما كانوا قبل 1500 عام”!
وعلى هذا النمط الاستفزازي الأرعن، جاء تصريح وزير الدفاع الإيراني محمد رضا اشتياني حول حقل الدرة، قائلًا: إنّ “الكويت تآمرت على العراق ابان حربهم معه، وأُطمئن الجميع أن تآمر الاعراب في ما بينهم مستحب ومرغوب فيه، أمّا تآمرهم ضد إيران سوف نلقنهم درسًا، وسنمحيهم من خريطة المنطقة، ولا ننسى أن الكويت جزء من إمبراطورية فارس والتاريخ لن يكذب”.
وعلى الرغم من مرور أيام على هذه اللغة الصلفة، والإهانة الواضحة من مسؤولين رسميين إيرانيين ضد الدول الخليجية خاصة، والأنظمة العربية عامة، فإن رد الفعل العربي ما زال يسوده الصمت والتجاهل، ولا غرابة في ذلك لأسباب عدة لا يسعنا الخوض فيها الآن، لكن مختصرها: غياب مشروع عربي، عدم الاستفادة من أخطاء الماضي، الأمن القومي العربي مجرد شعار، الاعتماد على الحماية الأجنبية وغيرها.
ولا نريد فتح الجراح عمّن شارك، وما زال يشارك للآن، في تدمير العراق وإخراجه من ميزان المعادلة الإقليمية تجاه إيران الشر، فمستقبل العراق يحدده أبناء ومهما اشتد عليه أعداءه، ولكن من المهم أن ننظر لما يجرى اليوم من تهديد إيراني سفيه، مقدمته في الكويت ونهايته “الاعراب” جميعًا. فما الذي ستفعله الكويت حيال التهديد الإيراني؟
على أرض الواقع لم يحدث شيء ميداني، والألفاظ غير الأفعال، ولا أتصور إيران بذلك الغباء لترسل قواتها المسلحة لضم الكويت إليها عنوة، ولكن لها أذرعها وخلاياها التي تحركها في زعزعة المنطقة، وهي قادرة على فعل ذلك وبكل جدارة، لأن سياستها متوافقة مع الغرب، لا سيما مع الولايات المتحدة الأميركية، فمنذ مجيء الخميني عبر التمهيد الغربي، ونظامه السياسي حقق للغرب ما عجزت عنه إسرائيل من تأخير وتدمير لكل دولة عربية وصلها المشروع الإيراني الطائفي والعنصري. والكويت اليوم على رأس القائمة في لائحة إيران الخليجية، والتلويح بالتنقيب والاستثمار في حقل الدرة، إنّ هو إلا حلقة أخرى تضاف إلى سلسلة مشروع التمدد الإيراني في المنطقة العربية.
فإذا أرادت الكويت أن تُفعّل اتفاقياتها الدفاعية مع الغرب، خاصة الولايات المتحدة، فهذا الأمر إنّما يصب في الأهداف الأميركية المرسومة لدول الخليج العربي كافة، إذ لا يمكن اللجوء إلى طلب الحماية الأميركية إنّ لم يكن فيه خطر كبير قادم، ولهذا لا بدّ من وجود البعبع الإيراني الداهم على الأبواب الخليجية. إنها الدائرة الأمنية ذاتها التي رسمتها بريطانيا سابقًا، وتحافظ عليها أميركا حاليًا.
أمّا في حالة التقارب مع روسيا أو الصين أو الاثنين معًا، فالأمر يتطلب وقتًا أطولًا من ناحية، ولن يكون بديلًا عن أميركا من ناحية أخرى، ناهيك عن أن إيران أكثر تشعبًا بعلاقتها مع الطرفين، والتوازن لدى سياسيات الدول الكبرى له منظور آخر يخص مصالحها بالدرجة الأساس.
وفي كل الأحوال، مثلما لا تضم إيران الكويت بالقوة، فإنها لا تدخل في حرب مع السعودية أيضًا، ليس لعدم قدرتها على فعل ذلك، بل لأن الثعلبة والخباثة الإيرانية عندما لا تحقق أهدافها بشكل مباشرة، فإنها تتجه عبر وكلائها من العرب سواء المخدوعين فيها أو المرتبطين بمشروعها الطائفي أو الذين يسعون إلى حطام الدنيا من مال وجاه ومنصب. فالحرب الوحيدة التي خاضتها إيران كانت ضد العراق على مدى ثمان سنوات، ولم تتوقع إيران ولا إسرائيل ولا الغرب أن يخرج العراق منتصرًا على إيران.
ومع ذلك، فإن التصريحات الإيرانية عن “سقوط الكويت”، وعلى دول الخليج “ألّا تعرقل طموحات إيران العظمى” هي مناطيد هوائية أو زوابع فنجانية تطلقها في هذه المرحلة سواء كانت تهديدًا لجس النبض أو ربما تمهيدًا لفعل عدواني قادم. وعليه، فلا مناص للمنظومة الخليجية إلا بتطوير مجلسها الذي مضى عليه أكثر من أربعة عقود، وتحوله من تعاوني إلى اتحادي، ليرتقي أكثر تجاه التهديدات الإيرانية، إضافة إلى التحديات والمتغيرات الدولية. وبما أن هذا التحول الجوهري لم يتحقق في الماضي، خاصة في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز، ولم يتكرر طرحه في الوقت الحاضر، لذا فإن مطرقة الوعيد الإيراني ستستمر بدق حدود الأنظمة الخليجية الواحدة تلو الأخرى، فالكويت بعد العراق، والبحرين عندهم “محافظة إيرانية” يجب أن تعود لهم، والجزر الإماراتية الثلاث تم استيطانها لتلحق بدولة الأحواز التي احتلتها قبل قرن من الزمن، وساذج مَن يظن أن دولته خارج نطاق القائمة الإيرانية الخليجية.
عذراً التعليقات مغلقة