د. محمد عياش
كاتب وباحث سياسي فلسطيني
سئُل الرئيس الأمريكي الأسبق ليندون جونسون عام 1967 في غلاسبور . لماذا تؤيد الولايات المتحدة « إسرائيل » ضد الدول العربية على الرغم من أن الدول العربية غنية بالمصادر التي تحتاجها أمريكا ؟ فأجاب جونسون ، إننا نؤيد «إسرائيل» لسبب واحد فقط ، أنها تظهر بمظهر المدافع عن مصالحنا.
بالطبع لا يجوز لأحد التفكير بتقليل أهمية تواجد أكثر من سبعة ملايين يهودي يتميزون بالنشاط والتنظيم الدقيق ، واستغلال الفهم المعلوماتي وقيادة كبرى وكالات الإعلام ، كما يركزون على المفاصل الأكثر حساسية للمجتمع الذي يعيشون فيه ، ويقدمون خدماتهم كلها لمصلحة «إسرائيل» حتى لو كانت هذه الخدمات متعلقة بالأمن الأمريكي العسكري والاستراتيجي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي وحتى الأمن الروحي .
طبعا ً أكثر من سبعة ملايين جاسوس إسرائيلي على الأرض الأمريكية ، ولهم الدور الفعال والمؤثر في ميادين الحياة الأمريكية ، كما لا يجوز إغفال عامل الغطرسة في التعامل مع الأمريكيين بدءاً من رئيس البيت الأبيض وانتهاء ً بأستاذ الجامعة ومرورا ً برجال الاقتصاد والصحافة والفكر والعلم وخبراء الاستراتيجيا وصولاً إلى العاملين في دور الثقافة والمعلومات والبحث .
في الحقيقة هذا التشابك أو التداخل في العلاقة الأمريكية – الإسرائيلية لا يعود في كثير من عوامله إلى قوة اللوبي الصهيوني على الأرض الأمريكية ، كما أنه لا يعتمد على عناصر كثيرة تعود في أساسياتها إلى قوة «إسرائيل» والقناعة الأمريكية بها ، أنها حامية مصالح واشنطن أو أنها ‘‘واجهة الديمقراطية’’ الغربية أو أنها ‘‘كنز استراتيجي’’ للولايات المتحدة والغرب ، بل يعود هذا التداخل إلى الإدارة الأمريكية أولا ً وإلى التأثير التوراتي ثانيا ً ، والتواجد اليهودي منذ عام 1636 م في أمريكا ثالثا ً ، وتوزع الأدوار بين المنظمات الصهيونية رابعا ً ، ولأن واشنطن كانت في أربعينيات هذا القرن بحاجة إلى قاعدة لها في المنطقة ، لتظهر بمظهر القوة العالمية التي لها دور أساسي بين قوى العالم ، فكان دعمها غير المحدود لـ «إسرائيل» خامسا ً ، ولأن اليهود بملايينهم انتظموا في أكثر من ( 6000 ) منظمة !! لا عمل لها إلا إقامة جسور الحقد على العرب في أمريكا .
إن هذه العلاقة الخفية أو كما يصفها هنري كيسنجر بالمجهول الذي يحكم أمريكا لم تعد خافية على أحد ، ذلك أن العلاقة التي بدأت بسرية تامة 1636 م ، ولم تخرج إلى العلانية وعلى شاكلة اتفاقات مكتوبة إلا في عام 1956 م ، عندما وقع الرئيس الأمريكي إيزنهاور اتفاقية مع «إسرائيل» ترتكز على بندين أساسيين أولهما التعاون التقني والعسكري والمادي ، وثانيهما التعاون في مجال الذرة .
كما توجد على الأرض الأمريكية دلائل تشير إلى قوة هذا اللوبي فقد فرضت أسماء على مناطق تعتبرها الصهيونية العالمية بعضا ً من حقوقها الثابتة أو من المواقع التي تتضمنها توراتهم اليهودية – وفي حقيقة الأمر إن غالبية هذه الأسماء مسروقة من التراث العربي – ومنها / أريحا / في ولاية الآباما ، و / عدن / في أريزونا ، و/ السامرة / في إياهو ، و / الخليل / في داكونا الشمالية ، وبحيرة سيناء في داكونا الجنوبية ، والأردن في إلينوي ، واليشا في رود إيلاند ، وسدوم في أوهايو ، وبيت لحم في بنسلفانيا ، وكنعان الجديدة في كونيكتيكت ، وضاحية غوشين في يومنغ وهناك 15 مستوطنة تحمل اسم صهيون وأربع مستوطنات في أربع ولايات تحمل اسم القدس ومالا يقل عن 27 مدينة وقرية وضاحية تحمل اسم سالم ! .
والمؤشر الأكثر وضوحا ً على التجاهل والاستخفاف والعلاقة الخفية هو قيام واشنطن بأعمال التغطية والتعتيم على تاريخ الإرهاب الصهيوني ، حتى ولو كان ضد الأمريكيين أنفسهم ! وليس حادث السفينة الأمريكية ( ليبرتي ) بعيدا ً ، ومع هذا كان التجاهل الأمريكي الرسمي له متعمدا ً ، في الوقت الذي أدرك فيه المسؤولون في الحكومة الأمريكية أن الهجوم الإسرائيلي كان متعمدا على السفينة في البحر الأبيض المتوسط عام 1967 وهو الحادث ذاته الذي قُتل فيه 24 من البحارة الأمريكيين ، وتجاهلت أيضا ً متعمدة قيام إسرائيل بتهريب عدة مئات من الكيلوغرامات من اليورانيوم من مفاعل ناميك في ولاية بنسلفانيا في الستينات .
إن من ينتظر التغيير مع قدوم أي رئيس أمريكي جديد عليه مراجعة التاريخ والتحليل والاستقراء لكل الرؤساء الأمريكيين سيجد في النهاية أنهم لا يملكون القدرة على قيادة الولايات المتحدة بحرية كاملة ولا يستطيعون أن يفرضوا أي قرار لا تحبذه «إسرائيل» ولا يتماشى مع سياستها ، وبالتالي الحديث عن السلام وراعية السلام يتوقف على «إسرائيل» بالدرجة الأولى ، وقد قال مثل هذا الكلام نائب وزير الخارجية الأمريكية الأسبق جورج بول من عام 1961 – 1966 مستشهدا ً بقول المشاركين في المفاوضات المصرية – الإسرائيلية ، إن محاولة مساعدة «إسرائيل» للسير في طريق السلام هي كمن يحاول إبعاد دراجة عن طريق قطار قديم ، بينما يصر الطفل الذي يركبها على تشغيل البدّال إلى الخلف _ أي أن «إسرائيل» مصرة على محاولة إرجاع العجلة إلى الوراء ، وهي لا ترجع بهذه الطريق وبذلك ستنتحر .
إذا ً فالآلية السياسية التي تتحرك ضمن مسار العلاقات الأمريكية – الإسرائيلي ، تتبع خطا ً بيانيا ً كثير التعاريج ، إلا أنها في المحصلة تصب في المجرى الذي جعلته إسرائيل عاما ً لخدمة مطامعها في مواصلة الغزو والتوسع .
والملاحظ في هذه الأيام التعنت الذي يبديه رئيس وزراء “العدو الصهيوني” بنيامين نتنياهو وحكومته المتطرفة ، والذي يقابله في البيت الأبيض من تراخ وتهاون وتماه مع السياسة الصهيونية في هدم المنازل والإخطارات التي تنتظر التنفيذ لتهويد القدس وطرد المقدسيين من ديارهم ولو بالقوة وعن الحصار الظالم لقطاع غزة الذي يفوق في قوته الزلزال الذي حدث في تركيا وسوريا .
عذراً التعليقات مغلقة