في الهواء الطلق
علي عزيز السيد جاسم
عقدان من الزمن يكفيان لاطلاق التقييمات على الاداء البرلماني والحكومي ، عقدان تخللتهما هجمات واعتداءات ارهابية من تفجيرات دامية الى مفخخات وعبوات الى اغتيالات بالفراد والجماعة ، مئات الآلاف من العوائل هُجّرت واخرى هدمت بيوتها ومدن سقطت و مئات غرقوا و نحو ألفين شاب قتلوا بدم بارد ، وقبلها كانت الجرائم من الانواع التي تبقى بالذاكرة كجريمة ابو غريب وفتاة المحمودية وغيرها من بين آلاف الجرائم التي سجلها تاريخ العراق الحديث تحت وصاية اعظم دولة بالعالم.
هذان العقدان هما اشبه بدورة زمنية سواء اقل او باكثر بقليل من السنوات تجري بعدها تغييرات جذرية في طبيعة ادارة الدولة العراقية ، ويمكن للمتتبع لتاريخ العراق الحديث ان يلاحظ ذلك ، وبالرغم من توفر عوامل التغيير الداخلي الا انه نادرا ما ينجح ذلك التغيير من دون رعاية وهندسة خارجية مبنية على المصالح السياسية والاقتصادية بشكل رئيس.
عشرون عاماً والعراق يغرق في بحر فساد اخلاقي واداري ومالي، توقفت خلالها الصناعة واغلق اكثر من 350 معملا بحسب وزير معني اسبق وتراجعت الزراعة وحجبت حصص العراق المائية كما توقفت التجارة لان البلد غير مصنع وغير منتج ولا مجال للقطاع الخاص الخوض في انعاش هذه المجالات خشية من هيمنة القوى المسيطرة سواء تحت تهديد السلاح والارهاب النفسي ام عبر تعطيل المعاملات…
غير ذلك الكثير من التجارب الهدامة للبنى التحتية للبلد واستنزاف خيراته وثرواته بطرق ممنهجة كانت الحكومات لقلة ادراكها وعدم خبرتها في قضايا ادارة الدولة وعدم الاستعانة بالمختصين من الشخصيات الوطنية غير المنحازة الا للمصلحة الوطنية قد اخذت دور الناطق الاعلامي لتقديم مسوغات الفشل ، هذه المبررات الحكومية نفسها غير منطقية وتنم عن فضح الضعف وغياب الارادة الوطنية الحقة ، فاغلب السنوات العجاف الماضية (على مستوى البنى التحتية للدولة) كانت الحكومات تتذرع بوجود الارهاب القاعدي ام الداعشي وانه يمنع دخول القطاعات الاستثمارية …الخ ، غير ان العديد من محافظات الوسط والجنوب (العراقي) المستقرة نسبياً من الناحية الامنية (سوى بعض القضايا المفتعلة لاظهار انعدام الامن) لم تشهد اي عمران حقيقي وتحسين الواقع الحياتي سوى بشكل بسيط او بمبادرات من العتبات الدينية وهي لا تمثل شغل دولة سيما في محافظتي كربلاء والنجف (لا يوجد في محافظة النجف الاشرف عمران يتناسب مع ما تتشرف به المحافظة ـ حضرة الامام علي ـ و رغم وجود اغلب المراجع الدينية العليا). علي بن ابي طالب (صهر واخو وربيب نبي الاسلام كله (يمك مرقده) عائدات زيارة ابو الحسن علي سنويا تضاهي زيارة الحج!
اما السماوة والديوانية والبصرة والناصرية (ذي قار) والعمارة (ميسان) فدائماً حصتهم النضال والقهر والحرمان وكأنما كتب على ناسها العيش داخل دوامة صراعات تكاد تكون لا نهاية لها في جميع الحقب اذ لم يأتي من ينصفها وأهلها الذين لا تتعدى مطالبهم سوى توفير سبل العيش الكريم وعمران محافظاتهم وتذليل متاعب ومصاعب الحياة من مسكن ومأكل وتوفير فرص عمل ووجود ميزان اداري يعطي كل ذي حق حقه فالاستاذ الجامعي والشباب العاطل عن العمل والاخر التواق لتلقف فرص الشهرة والافادة من عبقريته … الخ جميعهم يبحثون عن فرص عيش كريم …. لكن اذا توفر العيش الكريم لهم فبماذا ستدوخهم الحكومات وتشغلهم عما يجري من بيع لثروات بلدهم من دون ان يلحظوا مقابل ملموس على تحسين حياتهم على ارض الواقع؟
بيع الثروات امر طبيعي لأي دولة غنية ، لكن مقابل البيع هناك عائدات ، وهذه العائدات معكوسة على رفاهية المجتمع (هكذا يفترض) و فرق ما بين البيع والشراء والمقايضة ، وكأنك صاحب معمل ثلج … فلماذا تشتري الماء البارد منذ عشرون عاماً!
رسالة الى رئيس الوزراء المحترم : الناس تعرف ان للمنصب الوظيفي تبعات و تعب ، ربما يجعل المسؤول مقصراً سواء بقضايا عامة ام خاصة ام مع اخر ، لكن الناس مقياسها الملموس من الخدمات وهذا تعرفونه ، وهناك فساد ورشا وهذا ايضا تعرفونه ، وهناك مقايضات واتاوات بصحيح العبارة هي التي تتحكم ، والوزارات ودوائرها ومفاصلها كثر وتحتاج الى تنظيف…. هذا التنظيف يبدأ من مكتبكم وتوابعه وهو لن يحصل لان بعض الاشخاص لا نقول مفروضين وانما حصص احزاب قائدة في السلطة ام في غيرها … فاذا كانت القصة هكذا ـ وهي كذلك ـ اذن لا نرتجي اكثر مما ينجز على مستوى الدوائر الصغيرة ، البلدية والصحة ولم اسمع شيئا عن المدارس التي تذكرني بكلمات مديرة مدرسة زارها رئيس وزراء ووعد بتخصيص مبلغ لترميمها وذهب ولم يعد.
انت سيادة الرئيس ابن العراق الذي عاش ضيمه وظلامه ،واكلت ما اكلناه، وتعرف البير وغطاه ،وتعرف الشريف من المنتفع فاستعن بالله واستخدم كل صلاحياتك بقوة … بقوة وقسوة ، واوصي وزراءك بالكف عن مضايقة الناس ومحاربتهم في عيشتهم واوصيهم بكسب رضا الناس .. رضا الشعب الذي فار تنوره.دم على قول الحق ولا تأخذك العزة بالمنصب ، فجميعها زائل .. زائل .. زائل
عذراً التعليقات مغلقة