عبدالواسع الفاتكي
التدخلات والمتغيرات الإقليمية وأثرها على حاضر ومستقبل اليمن
دخلت الحرب الجارية في اليمن مرحلة تعقيد الحلول ، فليس هناك في المستقبل المنظور حسم عسكري ولا إمكانية لتسوية سياسية أو حتى هدن شاملة ؛ يعزو ذلك إلى تركيبة الحرب ، التي هي خليط غير متجانس من الحرب الأهلية والتأثيرات والتدخلات الإقليمية الدولية ، وبالتالي فهي ليست تعبيرا عن صراع داخلي مستقل قائمًا بذاته ؛ إنما تمثل وجها من وجوه صراع مركب متعدد الأطراف ، تتداخل فيه تأثيرات إيرانية سعودية إماراتية ومصالح الدول الكبرى ، كأمريكا وبريطانيا ، كما تتداخل فيه عوامل سياسية وطائفية وجهوبة من جانب آخر ؛ الأمر الذي أدى لأن يصبح اليمن مرهونا برسم الحسابات والصراعات الإقليمية والدولية ، وهو نوع من الحروب ، التي يمكن أن تطول ، ففي الوقت الذي يبدو فيه السلام المنشود في اليمن بعيدا ؛ مع تزايد الصراعات الداخلية ؛ وتباين المصالح بين دول الإقليم والدول الكبرى ؛ لذلك ستظل الحرب تستنزف اليمنيين ؛ ما لم يتم لجم الفواعل المليشياوية المناوئة لقيام الدولة الاتحادية بمؤسساتها الوطنية ، يشارك كل اليمنيين في بنائها متساوون في الحقوق والواجبات .
في الوقت الراهن ينظر إلى إيران من جهة ، والسعودية ومعها دولة الإمارات – في إطار التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن – من جهة ثانية باعتبارها مَن تقود التحالف العربي ، الذي شكل في ٢٦ مارس ٢٠١٥ م والمؤثرة بشكل مباشر في معادلة الصراع ضد المليشيات الحوثية الانقلابية ، ومع ذلك هناك فاعلون إقليميون فرعيون ، ينشطون في شؤون اليمن ، بيد أن نشاطهم محدود التأثير ؛ كما هو حال مصر وسلطنة عُمان وقطر ، وعلى المستوى الدولي ، الذي يقوم برسم خريطة الحرب وتوجيه مسارها ، من خلال التحكم بعدد من المفاعيل المؤثرة في أحداث اليمن ، تعد الولايات المتحدة اللاعب الأقوى ومن بعدها تحضر كل من المملكة المتحدة والاتحاد الأوربي والصين وروسيا . تنطلق السياسة السعودية تجاه اليمن من مجموعة من المحددات ، التي تشكل توجهات ومنطلقات للسياسة السعودية في اليمن ؛ إذ تمثل اليمن بالنسبة للمملكة العربية السعودية العمق الاستراتيجي ؛ نظرا للتقارب الجغرافي بين الدولتين اللتين ترتبطان بشريط حدودي بري طويل ، وللتقارب الثقافي والامتداد التاريخي بين اليمن والسعودية ، من هذه المنطلقات كانت المملكة العربية السعودية حاضرة في كل الأحداث المفصلية ، التي شهدتها اليمن منذ العقد الثالث منذ القرن العشرين وحتى الآن ، بما يتلاءم مع سياستها ولا يؤثر على أمنها القومي .
تسترجع إيران الماضي للتمكن من المستقبل ؛ فإيران بوصفها دولة لها عمقها التاريخي البعيد كإمبراطورية فارسية ، لا تزال تستدعي ماضيها ، وتحاول ما أمكنها استعادة مجدها الفارسي ، الذي سلبه العرب منها بالفتوحات الإسلامية .
منذ عام ١٩٧٩ سعت إيران لتصدير ما تسميه الثورة الإسلامية إلى بلدان العالم العربي والإسلامي ، كأحد أهداف السياسة الخارجية الإيرانية ، ومن هذه البلدان اليمن ، غير أن تمايز الحالة الإيرانية عن اليمنية ، من حيث طبيعة المجتمع اليمني المذهبية والاجتماعية ، أعاق نجاح إيران في ضم اليمن لدائرة الاستهداف الإيراني التوسعي ، حتى جاءت الفرصة لها في العقد الأول والثاني من القرن الحادي والعشرين ، من خلال الحركة الحوثية ، التي تمكنت من إسقاط الدولة اليمنية بانقلاب عسكري في 21سبتمبر2014م عدته إيران امتدادا لثورتها الخمينية .
تدرك إيران أهمية الموقع الجغرافي لليمن ، الذي يمثل مكسبا بالنسبة لها من حيث كون اليمن تملك موقع يجعلها تتحكم بالملاحة البحرية الدولية ، من خلال إطلالها على البحرين العربي والأحمر ، وسيطرتها على باب المندب ذي الأهمية الإستراتيجية بالنسبة للسياسات الدولية ؛ ولذلك تسعى إيران ليكون لها موطئ قدم في اليمن ؛ لتحكم سيطرتها على خط الملاحة البحري الهام , الممتد من حدود العراق البحرية حتى خليج عدن وباب المندب .
بما أن اليمن تمثل العمق الاستراتيجي بالنسبة للسعودية العدو اللدود لإيران ، فان تواجد إيران في الناحية الجنوبية للسعودية عن طريق حلفائها الحوثيين ، يمثل مكسبا لإيران تظل تهدد وتستفز به المملكة العربية السعودية ، وتساوم به للتواجد في مناطق أخرى من العالم العربي .
ترى إيران في اليمن مجالا حيويا لنظام الولي الفقيه ؛ لاسيما وأن تاريخ اليمن القديم والوسيط ارتبط في بعض فتراته بالنفوذ الفارسي قبل الإسلام ، والتشيع لآل البيت لدى بعض الدويلات ، التي حكمت لفترات عدة اليمن ، والتي كانت تظهر بين الفينة والأخرى ، منذ دخول الهادوية الرسية اليمن في أواخر القرن الثالث الهجري حتى أواخر القرن الرابع عشر الهجري .
عندما تلتقي إيران والسعودية في أي منطقة فإن مشاريعهما تتصارع وتتناقض ، ولذلك فاليمن باعتبارها ساحة من ساحات الصراع السعودي الإيراني ، تتأثر سلبا بتوترات الصراع السعودي الإيراني ، كما أن ارتفاع حدة الصراع السعودي الإيراني في لبنان والعراق وسوريا وغيرها من المناطق ، ينعكس على اليمن من حيث تعظيم مكاسب أحد طرفي الصراع في حال خسارته في منطقة أخرى .
حشرت المليشات الحوثية الانقلابية الصراع اليمني اليمني في الصراع السعودي الإيراني ؛ ما أدى إلى إطالة أمد الصراع ، ونجم عنه أوضاع سياسية غير مستقرة ، وتدهور اقتصادي وتصدع اجتماعي ، وتعميق للأزمة السياسية اليمنية وولد الكثير من الهويات الجزئية داخل اليمن ؛ فظهر الولاء للطائفة والمنطقة والقبيلة والحزب والفرد ، بل ظهر الولاء للخارج والذي اثر على الهوية اليمنية الجامعة لكل الهويات ، كما أنتج الصراع الإقليمي انقساما داخل مستوى التنظيمات والنخب السياسية والاجتماعية والثقافية ؛ وفتح الباب لدخول اليمن مرحلة الفوضى ، وجعله أرضا خصبة للمليشيات المسلحة .
يزداد الأمر تعقيدا في أن مايحدث في اليمن في الوقت الراهن من تأثيرات إقليمية ودولية ، لعبت دورا مهما في أزمة تكوين الدولة اليمنية الحديثة ، توزع بين التدخل المباشر والغير مباشر ، فضلا عن تنوع أبعاده بين سياسية واقتصادية وأمنية ودينية واجتماعية ، والتي تقاطعت مع الإشكالات اليمنية الداخلية ، التي أنتجت فواعلا يمنية ذات ارتبط وثيق بتحالفات تجاوزت حدود الدولة الوطنية ، وباتت رأس حربة في صراع الإرادات الإقليمية والدولية ؛ نتيجة غياب الشعور بالانتماء الوطني ، واللجوء للاسقواء بالخارج بغية توهم الغلبة على بقية الفرقاء اليمنيين .
لا ينبغي تحميل الصراع الإقليمي في اليمن المسؤولية الكاملة عما آلت إليه الأوضاع ؛ إذ أن العوامل الداخلية للصراع في اليمن المتمحورة في صراع القوى اليمنية على السلطة والثروة , كان لها الدور البارز في وصول الصراع الحالي لهذه الدرجة من الحدة والاتساع والضراوة .
المملكة العربية السعودية في طريقها لإحتواء صراعها مع إيران في إطار استراتيجية بناء حالة من الهدوء ، ونزع فتيل الصدام وتصفير المشاكل مع الغلاف الجيوسياسي للسعودية ، بدأت ملامحه ، بعودة العلاقات السعودية الإيرانية برعاية صينية ، وإعادة سوريا للجامعة العربية ، بالتزامن مع توافقات استراتيجية إقليمية ودولية ، منحت الضوء الأخضر ، للمضي قدما في صياغة حلول للحرب في اليمن وفق رؤية إقليمية دولية ، يخشى اليمنيون من أن تضع تلكم التوافقات في حساباتها بدرجة رئيسة المصالح الإقليمية والدولية ، مع عدم الأخذ بعين الاعتبار ، هل ستؤدي إلى إزالة أسباب الحرب والوصول لسلام يحقق تطلعات اليمنيين في استقرار وتنمية دائمين ؟! في ظل دولة اتحادية مدنية ، بمرجعياتها الوطنية مخرجات الحوار الوطني والإقليمية المبادرة الخليجية وآلينها التنفيذية ، والقرارات الدولية ذات الصلة في مقدمتها القرار ( ٢٢١٦) .
تشير المؤشرات الأخيرة المتمثلة بالمحادثات المباشرة بين المليشيات الحوثية والسعودية إلى أن السعودية تسعى للخروج من الحرب في اليمن ، وأنها قررت البحث عنن توفير ضمان طويل الأمد لأمن السعودية ؤ والمليشيات الحوثية مع الأسف أحد الخيارات كأمر واقع ، في ظل عدم الحسم العسكري معها وبقائها مسيطرة على جل المحافظات الشمالية ، وربما تم البدء فعليا بإجراءات جدية ، تمثل اختبارات قبول لهذا الخيار ، بتفاهمات وضمانات إقليمية ودولية ، ناهيك عن أن هناك الكثير من المؤشرات تكشف وجود رغبة جامحة لدى قيادات الحركة الحوثية ، في التقرب من السعودية وعقد صفقة معها ، بموجبها تتحول المليشيات الحوثية لحارس الحدود الجنوبية السعودية ، وتكف عن استهداف الأراضي والمنشآت المدنية والاقتصادية السعودية ، مقابل امتناع المملكة العربية السعودية من تقديم العون العسكري المباشر للسلطة الشرعية ، واحتفاظ المليشيات الحوثية بمكاسب سياسية واقتصادية وعسكرية ، وشرعتة وجودها في أي توليفة قادمة للسلطة ، وفق تسوية ستكن المليشيات الحوثية مكونا أساسيا فيها ، إذ أن من أهم القواعد الأساسية في العلاقات الدولية ، لا يهم من يحكم ولكن كيف يحكم ، وليس ببعيد عنا تسليم أمريكا أفغانستان لحركة طالبان .
الضرورة الوطنية واللحظة الحرجة التي يمر بها اليمن الآن ، تحتم على القوى والقيادات الوطنية اليمنية إدراك المتغيرات ، ومغادرة حالة العناد السياسي و الشتات والمماحكات ، وتجاوز إفرازات وترسبات المرحلة السابقة ، والبدء فوراً في صياغة مشروع وطني موحد ، والذوبان في كيان سياسي واحد ، يعمل الجميع من خلاله لإسقاط كل المشاريع الأيدلوجية الطائفية أو المناطقية والجهوية ؤ وإعطاء أولوية قصوى لدمج الوحدات العسكرية والأجهزة الأمنية ، تحت مظلة وزارتا الدفاع والداخلية اليمنيتين ؛ لترسيخ دعائم الأمن والحفاظ على السلم الأهلي في كافة المناطق المحررة ، وبما يضمن فعالية وتوحيد العمل العسكري والأمني ، نحو معركة تحرير ما تبقي من المناطق ، التي مازالت المليشيات الحوثية تسيطر عليها ، ومن الأهمية بمكان التأكيد على أن الحفاظ على علاقة الشراكة الاستراتيجية مع العمق العربي ، لاسيما دول الجوار في مقدمتها السعودية كمسار اجباري وخيار وحيد وواقعي لأي سلطة يمنية أو نظام سياسي يمني ، تفرضه الاعتبارات الجيوسياسية والاقتصادية والجغرافية ، فضلا عن الأمن القومي اليمني الذي يعد جزءا لا يتجزأ من الأمن القومي لدول الجوار ، بل من الأمن القومي العربي .
لا تزال الفرصة سانحة أمام التحالف العربي والسلطة الشرعية ؛ لتصحيح الاختلالات وتقويم المسار والفوز بالحفاظ على اليمن دولة وشعبا من المشاريع التدميرية الطائفية أو المناطقية ؛ كي لا تغرق سفينة اليمن وسفينة الخليج والجزيرة العربية .
#عبدالواسع_الفاتكيكاتب صحفي ومحلل سياسي يمني
عذراً التعليقات مغلقة