فارس الخطاب
لم تكن العلاقات العراقية-الكويتية خلال الفترة الممتدة من عام 1921م حتى عام 1991م، ذات خط بياني ثابت أو متطور بشكل إيجابي لصالح البلدين الشقيقين والجارين؛ وربما كانت مسألة الحدود الكويتية مع العراق هي الهاجس الأول لحكام الكويت منذ الاحتلال البريطاني للعراق وتحديداً عند العام 1923م حيث طالب أمير الكويت آنذاك الشيخ أحمد جابر الصباح، المندوب السامي البريطاني السير بيرسي كوكس، بتثبيت حدود إمارته التي كانت حينها تتبع لسلطة “متصرف البصرة” الإدارية، كما هو شأنها أيام الدولة العثمانية.
وبسبب عمق العلاقات الاجتماعية والعشائرية بين شعبي العراق والكويت ، وبحكم التاريخ المشترك وعوامل الجغرافية السكانية للبلدين، فإن العلاقات السياسية بينهما لم تشهد توترات خطيرة إستدعت التدخل العسكري أو التلويح به إلا بثلاث مناسبات؛ الأولى في عهد الملك غازي بن فيصل الهاشمي الذي اعتبر أن خارطة العراق هي تلك التي رُسمت من قبل الدولة العثماني والتي إعتبرت الكويت جزء لا يتجزأ من محافظة البصرة، لكن بريطانيا رفضت هذه المطالب التي تم تسكينها بعد مقتل الملك غازي في 4 أبريل 1939م.
في 19 حزيران 1961م قام حاكم الكويت آنذاك الشيخ عبد الله السالم الصباح بإلغاء اتفاقية الحماية مع بريطانيا تمهيداً لحصول الكويت على استقلالها الكامل وهو ما اعتبره رئيس وزراء العراق آنذاك عبد الكريم قاسم مشروعاً بريطانياً موجهاً ضد وحدة العراق فقرر في 25 حزيران 1961م ضم الكويت للعراق بداعي أن الكويت أرض عراقية فصلها الاستعمار البريطاني عن العراق وقرر في ذات الوقت تعيين الشيخ عبد الله الصباح قائمقاماً لقضاء الكويت الذي اتبعه للواء البصرة. كما قرر العراق قطع علاقاته الدبلوماسية بعدة دول منها الولايات المتحدة واليابان وإيران وتونس والأردن وغيرها بسبب اعترافهم باستقلال إمارة الكويت. ودفع قاسم بعض قطعات القوات العراقية لتتحشد قرب حدود الكويت فقابلت الكويت ذلك بطلب المساعدة العسكرية من المملكة المتحدة وجامعة الدول العربية والجمهورية العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والمملكة الأردنية ، بقيت حالة التوتر قائمة بين الطرفين حتى حدوث إنقلاب 8 شباط 1963م الذي أطاح بحكم عبد الكريم قاسم في العراق فانتهت بسقوطه الأزمة الثانية بين العراق والكويت.
أما الأزمة الثالثة فكانت في 2 آب 1990م حين غزت القوات العراقية الكويت لتبسط نفوذها على كامل مساحتها خلال 48 ساعة وليعلن العراق بعدها اعتبار الكويت المحافظة 19 وأنها جزء من خارطة العراق الإدارية، بعد أن هرب أمير الكويت والعائلة الأميرية إلى قطر والمملكة العربية السعودية ودول عدة. ثم استمر وضع الكويت كمحافظة عراقية لفترة 7 أشهر حتى تم إخراج القوات العراقية منها بعد حرب واسعة شاركت فيها قوات أكثر من 30 دولة، حرب كانت كافية لإصدار عدة قرارات مهمة وخطيرة ضد العراق كان من بينها قرار تشكيل لجنة أممية لترسيم الحدود العراقية الكويتية البرية والبحرية برقم 833 عام 1991م والتي أنهت أعمالها وتم الاتفاق على توصياتها بالإجماع عام 1993م.
من خلال ما تقدم فإن العراق ، وكجزء رئيس من ضريبة خسرانه للحرب غير المتكافئة بينه وبين قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ، وجد نفسه “مضطراً” بقبول قرارات مجلس الأمن كلها ، وبضمنها بالطبع قرار ونتائج قرار ترسيم الحدود البحرية والكويتية مع الكويت ، لكن، وكناتج ثانوي عن قبول هذا القرار ، بقيت مسألة تقبله كقرار “الأمر الواقع” محط امتعاض وغضب ورفض من قبل الكثير من فئات الشعب العراقي ، تماماً كإجراء الكويت الأخير إزاحة قرية في أم قصر العراقية ، بداعي قربها من الدعامة الحدودية المثبتة من قِبل الأمم المتحدة ، والأغرب في هذا الإجراء الكويتي هو اختيار يوم 2 اب ، لتنفيذ أمر استلام المناطق المشار إليها في أم قصر العراقية ، وطبعاً مجرد استذكار هذا اليوم يعني الكثير للعراقيين بغض النظر عن قناعاتهم بصحة قرار القيادة السياسية للنظام السابق آنذاك من عدمه.
إن العلاقات بين شعب الكويت وشعب العراق هي الأعمق في مساحة الوطن العربي كله، بل هي الأعمق حتى مع منظومة دول الخليج العربي؛ بسبب التقارب الاجتماعي المتجذر ومساحة الأنساب التي تشكل أصول معظم العوائل الكويتية، ولا أعلم حقيقةً لماذا يُسمح للمتربصين بهذه العلاقات ببث الفرقة والكراهية بين الشعبين ؛ فملف ترسيم الحدود لن ينتهي سواء البحرية منه أم البرية، وتبقى مصالح الكويت مع العراق الآن وفي المستقبل هي الأكبر بين كل دول المنطقة، وعلى الأشقاء في الكويت الانتباه إلى أن ضعف الموقف العراقي في المحافل الدولية بُعيد إحتلاله الكويت بما تسبب في موافقته “مُضطراً” على قرارات أممية مرتبطة بهذا الحدث لن تكون دائمية لإنه في فترةٍ ما حين تكون علاقاته إيجابية مع المجتمع الدولي ، سيطالب بإعادة فتح ملفات القرارات الصادرة بحقه سابقاً ، بسبب ربطه موافقته عليها حينه بمفردة “مُضطراً” التي تشبه قانونياً مفردة “الاعتراف تحت التعذيب” في المحاكم الجنائية.
هل يبيع العراق أراضيه كما يروج البعض؟ ليس هناك ما يشير إلى ذلك، وإن حدث فلن يكون مستغرباً ، لكن هناك أمر يثير استغراب المراقبين، حتى من داخل المؤسسة السياسية في العراق، ذاك هو، الصمت المطلق عن كل ما يموج به الشارع ، احتجاجا ورفضاً لما يجري على الأرض بعد أن رأوا بإم أعينهم إخلاء قرىً في أم قصر العراقية لصالح الكويت مع أراضٍ بمساحات مختلفة بما يعنيه ذلك أيضاً من تنازل عن مناطق مليئة بالنفط والغاز .
البصرة مُقبلة على أحداثٍ جسام ومتغيرات كبيرة سيكون محورها الأول وفاعلها الأساس، الكويت، وسيقابلها صمت وتسويف رسمي عراقي بما يجعل الشعب العراقي وجهاً لوجه مع موقف التصعيد الشعبي الكبير الذي لا يمكن لإحد التكهن بنتائجه، وقد أعجبتني كثيراً تغريدة الشيخ ضرغام المالكي، وهو أحد وجهاء محافظة البصرة، التي قال فيها: “البصريون أهل كرم بكل شيء، عدا إعطاء الأرض”.
العراقيون ينتظرون من الشعب الكويتي موقفاً يحفظ روح الأخوة والنسب معهم، موقف ينبه صُنّاع القرار في دولة الكويت بإن حقوق الشعوب لا يمكن أن يتم نسيانها أو تجاهلها مهما تقادمت عليها السنين وأن العراق شقيق كبير وقوي قد يضعف في فترة ما لكنه لن يموت وأن من الحكمة الوقوف معه في ضعفه لا ترك طعنات في ظهره .
عادل ابو زيدان -دبي منذ سنة واحدة
لا ادري كيف ينظر الكاتب الى وحدة الشعبين في العراق والكويت، بعض الانتسابات القبلية واللغة لا تكفي. ، العراقي لا يستطيع دخول الكويت من دون موافقة امنية تستغرق ستة اشهر ولا يبقى فيها سوى شهر واحد. ، هذا في زمن قوة الدولة العراقية ، لا توجد اية علاقات توحد بين البلدين في خلال قرن كامل. فمتى تحدث المعجزة. .. هل بغزو “صدامي” ثاني ؟