كفانا مهاترات
فكلنا في الجزائر أبناء شعب واحد
الجزء الأول
سمير خلف الله
كاتب من الجزائر
كلام مدان وغير مقبول ، وخطيئة يجب التطهر منها . ذلك الكلام الذي ، نصادفه هنا وهناك ، ولا همَّ لأصحابه . سوى التبجح بالعنتريات الزائفة ، وإدارة المعارك الوهمية ، التي لا توجد إلا في مخيلتهم وعقولهم . التي اختطفتها وحجرت عليها ، أيديولوجيات مزيفة . عمادها العنصرية المقيتة والاقصاء ، المؤذن بدمار الأوطان وخراب المجتمعات . أصوات نشاز قادمة ، من أقبح أيام الجاهلية سوء . يتبنى أهلها سردية ، أبي جهل وأبي لهب . وإن لم يشتركوا معهما ، في العرق والدين واللغة .
نعم إننا كثيرا ما نسمع ، من بعض إخواننا في الوطن . وهم من القلة القليلة ، حتى أن البصر بالكاد يدركهم . بأنهم ليسوا ضد العرب في الجزائر ، فيرد عليهم الطرف المستهدف ، في خطابهم بأنهم هم كذلك ليسوا ضدهم . ترى عن أي عرب ، وعن أي بربر ( في الجزائر ) . يتحدث هؤلاء وهؤلاء ، هذا ما دفعنا لكتابة هذه الأسطر . علما أننا لا ننفى وجود ، البربر الأحرار في الجزائر ، أو وجود العرب الأشاوش . أو أننا سنقول الكلمة الفصل ، ونحل هذه المشكلة المفتعلة ، لإلهاء الجزائريين عن التحديات الحقيقية التي تواجههم . ولكننا سنحاول تفكيك ، هذه السردية القبيحة ، لما فيه صالح الجزائر . التي لن تنال من هذه المعركة الوهمية ، سوي نيران وويلات الحقد والكراهية . والبغضاء والاقصاء والإقصاء المضاد ، والخراب والدمار والتناحر والفتن . التي فيها هلاك وحرق ، الجزائر أرضا وشعبا . وحصادها لن يكون سوى ، العلقم المر والجراح والآلام والتوابيت . نعم لن يكون حصادها سوى بلقنة الجزائر ، وحفر ملايين القبور لأبناء هذا الوطن . حتى نقف جميعا على حقيقة حمقنا ، لأن حفر ملايين القبور . هو الأمر الوحيد الذي يرضى، تجار الفتن ممن يركبون ، موجة الجهوية والعنصرية المدمرة . وهذا ما يجب التصدي له بحزم ، من قبل أبناء الجزائر البربرة . مهما اختلفت ألسنتهم ، لأن الجزائر أمهم التي توحدهم جميعا . نعم إنه من حقنا الاختلاف كما نشاء ، ولكن عندما يتعلق الأمر بالجزائر . فإنه يتوجب علينا ، أن نتحدث جميعا لغة واحدة ، مفادها نموت نموت وتحيا الجزائر . بعيدا عن سردية ، الجهوية والعرقية البائسة . التي يقف وراءها أعداء ، الجزائر المحروسة بعيون ، أبنائها التي لا تنام . نعم لا يجب أن يكون هذا الطرف أو ذاك ، عن جهل منه أو عن إدراك ووعى . ونكاية فيمن اتخذهم زورا أعداء ، من إخوانه في الوطن . مجرد وسيلة وأداة لتنفيذ ، مشاريع القوى المتربصة . خدمة لأهدافها وأجنداتها ، التي ما عادت تخطئها العين . ولعل أبرز هؤلاء الكيان الصهيوني ، الذي لا تكل ولا تمل عزيمته وأجهزته . لضرب الوحدة الترابية للجزائر ، لأنه لا ضامن لاستمرار وجوده ، سوى ضعفنا وفرقتنا وتفرقنا .
إن تهديم أسوار الحقد والكراهية ، التي يريد البعض رفعها ، بين أبناء الشعب الجزائري الواحد . يتطلب الحسم بصورة نهائية ، في تلك المعادلة المرفوضة . القائلة بثنائية العرب في مقابل ، الأمازيع أو الأمازيع في مقابل العرب . ثنائية مرفوضة لأنه لا يوجد في الجزائر ، سوى شعب واحد وإن تعددت ألسنته . هذا التعدد الذي لا يمكن ، انكاره أو القفز عليه . لأن الجزائر ما كانت بدعا ، في هذا الأمر الذي يوجد في كل دول العالم . إلا عندنا نحن فهو أمر ، يراد منه أن يكون عامل تفرقة وهدم . بدلا من أن يكون عامل وحدة ، وبناء ووئام وانسجام ووفاق . إننا لا نفهم ها هي أوروبا ، قد تجاوزت ونست أحقادها وثاراتها العميقة ، التي مزقتها لعدة قرون وأجيال . إلا في الجزائر فهناك من يسعى ، لاختلاق عدوات وثارات وهمية . يريدها أن تكون بديلا ، عن أواصر الوحدة والأخوة . التي تربط أبناء الشعب الجزائري ، التي لم يعرف التاريخ سواها بهذه الأرض .
ولكل ما سبق وجدنا أنفسنا ، مجبرين لا مخيرين في الرد . على تلك الأراجيف ، والرد لا يكون . إلا عبر تفكيك الأيديولوجيا ، التي تغذي سرديات ومقالات . بعض من توهموا بأنهم ، هم وحدهم من يحوز الحقيقة . رغم أنف الجغرافيا والتاريخ ، والحاضر والماضي والمستقبل ، والدماء التي تجرى في عروق هذا الشعب الطيب الأعراق . إن تلك الأصوات لن تسكت ، إلا إذا أقبرت السردية التي تقف خلف مقالاتهم . وهذا لا يتحقق إلا بالحفر ، قد المستطاع ووفق ما هو متوفر . من شواهد تبين أصول ، سكان المغرب العربي عامة والجزائز خاصة . سواء ممن يحسبون ، على البربر أو على العرب . بعيدا عن أي توظيف سيء ، ومغرض لهذين المصطلحين .
وهنا يجب التأكيد على أنها ، مجرد سردية مزيفة . مبنية على ملاحظة خاطئة ، تلك التي تدعى تقسيم الجزائر ، إلى مناطق ناطقة بالعربية وأخرى بالبربرية . نعم هذا ما هو موجود ، على أرض الواقع . ولكنه لا يعنى أن هناك تقابلا ، ( إثنيا ، عرقيا أو جنسيا ) في الجزائر . نتيجة التقدم المستمر للغة العربية ، واكتساحها للمناطق المحسوبة ، على المتغيرات البربرية . ولئن كانت المناطق المحسوبة ، على البربر لا تشكل عرقا واحدا في الجزائر . وفي عموم بلاد لمغرب العربي ، فكيف نقول بأن هناك ، ثائية عربي وبربري . علما أن هذه المسألة ، ( ثنائية العربي والبربري ) . لم تكن مطروحة قبل 1380 ، فالكل في الجزائر كان متصالحا ، مع هويته وهوية أخيه في الوطن . ولكن المستعمر الغاصب ، الذي ما هو إلا شيطانا . لا هدف له سوى تخريب الأوطان ، وضرب وحدتها الشعبية والترابية . هو من زرع هذه النبتة الخبيثة ، والجرثومة المقيتة في عقول . بعض أبناء هذا الوطن ، أو في بعض جهاته ، في إطار ما يعرف بسياسة فرق تسد . ونحن هنا لا نقصد ، منطقة محددة من الجزائر . وإنما وباء الجهوية الكريهة ، الرائحة والطعم والعنصرية العفنة . هما من حاول المستعمر زرعهما ، في كل أنحاء الجزائر . نعم إن معاول الهدم الفرنسية ، لم تكل ولم تمل طوال ، فترة احتلالها للجزائر . من السعي لتفتيت ، هذا الوطن وضرب وحدته . بل إن حماسها كان ، يتجدد باستمرار لأجل الوصول . إلى غايتها ألا وهي ، على سبيل المثال فصل منطقة بلاد زواوة . ( نقول هذا الكلام بعيدا عن كل ، ما من شأنه أن يطعن في وطنية . أبناء هذه المنطقة الشرفاء ، أو حتى مجرد التلميح . بما يفهم منه التشكيك ، في مدي حبهم وتعلقهم بهذا الوطن . ونحن لا نقول هذا ، الكلام تزلفا أو نفاقا . وإنما هذا ما نؤمن به ، وهو ما يلمسه كل زائر لهذه المنطقة . وإنما نحن نتحدث ، عن المشاريع الاستعمارية . حتى لا يساء فهمنا أو يوظف كلامنا ، من قبل المغرضين ودعاة الفتنة ) . نعود ونقول بأنه ليس خافيا على أحد منا ، بأن فرنسا عملت المستحيل . لتقضي على اللغة العربية ، ولتنشر مكانها الفرنسية ، في كل عموم أرض الجزائر ، وبلاد زواوة ( منطقة القبائل ) جزء منها . ثم جاء الماريشال توماس بيجو ، الذي كان أكثر وضوحا . فيما يخص ما سطرته فرنسا ، لهذه المنطقة حينما قال في العام 1840 : ” بعد أن أخضعنا العرب يجب علينا نشر حضارتنا وقوانيننا في الوسط الأهلي البربري ” . نعم لقد سعت فرنسا الاستعمارية ، ورمت بكل أدواتها وثقلها . لفصل منطقة بلاد زواوة ، عن الجسد الجزائري. كما هو حالها في كل مستعمراتها ، مستغلة حالة الوهن والضعف ، التي عرفها العالم العربي والإسلامي . ونضيف إليها حالة القطيعة ، التي أحدثتها بين الجزائريين والعالم العربي . نتيجة قطع كل وسائل ، التواصل بينهما بما فيها عامل اللغة ، واستثمرت في هذا الوضع لصالحها . ونتيجة لظروف خاصة ، ( الفرنسة والتنصير وتزوير التاريخ ) . وبعد أن هيأت الأرضية ، اللازمة ومهدت الطريق . أمام مشروعها الرامي إلى تجزئة الجزائر ، نجد بأن مخططاتها قد نجحت بعض الشيء . حتى أن بعض الأمازيغ ، وكما جاء في الصفحة السادسة . من كتاب أبي يعلي الزواوي ، ابن ولاية تيزي وزو والمعنون ” بلاد زواوة ” . قد أصبحوا يبحثون عن ، أرومة أوروبية ينتمون إليها .
مقالة صادمة على الناطقين بالعربية في الجزائر العودة إلى السعودية
إن الحديث عن عرق بربري ، صافي مميز ونقي عن غيره ، من الأعراق والإثنيات الأخرى . لهو حديث خرافة يذكرنا ، بخرافة شعب الله المختار . المنحدر من ابراهيم ع ، والتي أثبت الدراسات ، العلمية زيفها وعبثيتها . وفضح هذا الادعاء ، جاء من اليهود أنفسهم . كما هو الحال في كتاب ، اختراع الشعب اليهودي وكتاب اختراع أرض إسرائيل ، لليهودي الإسرائيلي شلومو ساند . كما نجده في كتاب ، القبيلة الثالثة عشر لآرثر كيستلر . وفضلا عن هذا فإن علم الأنتروبولوجيا ، ينفي نظرية النقاء العرقي . أمّا علم الاجتماع فيؤكد ، بأن تكوين الأمة أساسه ، تاريخي وليس بيولوجي . فعرب اليمن أو عرب العراق ، ليسوا عربا أقحاحا . وإنما هم في مجموعهم ، نتاج تراكم تاريخي . نتيجة الفتوحات الإسلامية ، وأسلمة شعوب الشرق الأوسط . التي بعد اسلامها دخلت ، في ولاء هذه القبيلة أو تلك . ومع تقادم الأزمان تورات ، أصولها الحقيقية مع تعربها النهائي . وأصبحت تقول بأنها عربية ، من قبيلة كذا أو كذا . ومن هنا فالمنطق يرفض ، أن ينسب البربر قسرا . إلى عرب العراق أو اليمن أو الشام . وهم أنفسهم ليسوا عربا أقحاحا ، ونحن هنا نتحدث عن الفترة بعد ، ظهور الإسلام وليس ، عن شعوب تلك المناطق في العصور القديمة . ونفس الأمر حدث في المغرب العربي ، حيث تعربت القبائل البربرية ، ونست لسانها بصورة نهائية مثل قبيلة كتامة . ولكن اللسان البربري بقي ، وخاصة في المناطق الجبلية . وإن كنا نرى إلى اليوم ، استمرار حركة التعريب القوية . وخصوصا بمنطقة الأوراس الجزائرية ، ومن يزورها يجد بأن مركزها ، ولاية باتنة لا تختلف عن أية مدينة جزائرية أخري . من حيث استخدام اللسان العربي ، وهذا دليل على أن التعريب ، فيها يسير بخطوات متسارعة . وإلى غاية اليوم نستطيع أن نسمع ، كلمة ” دادا ” تستخدم من قبل كبار السن . عندما ينادون آبائهم أو يذكرونهم ، وهذا في مناطق واسعة . من أقصى الشمال الشرقي للقطر الجزائري ، كأجزاء من ولاية الطارف وعنابة وسوق اهراس وقالمة . وكلمة دادا يقابها في العربية كلمة أبي ، ولكنهاتنحدر من الكلمة البربرية ” أذاذا ” التي تحولت إلى أدادا . وأخيرا إلى دادا عبر استبدال ، حرف الذال بحرف الدال . أو هي تحريف لكلمة أفافا البربرية ، والدال حل محل حرف الفاء . لعدم وجود هذا الحرف ، V في اللغة العربية . تماما كما يستبدل حرف p ، في كل الكلمات التي تستعار من اللغات الغربية . فهذا الحرف هو الآخر ، لا يوجد في اللغة العربية . وهذا دليل على أن العنصرين البربري والعربي ، قد حدث تمازج بينهما . لدرجة أصبحت الحدود الفاصلة بينها ، لا يمكن تحديدها فما ، بالك بأن تكون واضحة المعالم . وهذا ما يؤكده قول ، العلامة عبد الحميد بن باديس حينما قال بأن : ” أبناء يعرب وأبناء مازيغ قد جمع بينهم الإسلام منذ بضع عشرة قرنا ، ثم دأبت تلك القرون تمزج ما بينهم في الشدة والرخاء ، وتؤلف بينهم في العسر واليسر، وتوحدهم في السراء والضراء ، حتى كونت منهم منذ أحقاب بعيدة عنصراً مسلما جزائرياً ، أمه الجزائر وأبوه الإسلام .
وقس على ما سبق ذكره أعلاه ، ما لا يحصى من الكلمات البربرية الأخرى . المستعملة بصورة عادية ، في حياتنا اليومية . ونفس الأمر مع أسماء الأماكن ، التي هي بربرية مثل تسمية صنهاجة . وهي تسمية لقرية بدائرة، بوحجار بولاية الطارف . أو تسمية رغيوة وهي أيضا ، تسمية لقرية بدائرة البسباس في نفس الولاية . وكما نعلم جميعا بأن هذه الولاية ، تقع في أقصى الشمال الشرقي للقطر الجزائري . وهاتان التسميتان هما لقبيلتين بربريتين ، من فرع البرانس حسب النسابة . ولا تفسير لهذا الأمر سوى ، أن هذه المناطق تعرب سكانها ، مع احتفاظ المنطقة بالتسمية البربرية . أما مدينة سدراتة بولاية سوق اهراس ، فهي تحمل اسم القبيلة البربرية ، البرنسية المعروفة بهذا الاسم . وهذا يدل دلالة واضحة على أن أصول ، من يعتبرون أنفسهم عربا . في منطقة المغرب العربي ، ما هم في الأصل إلا بربرا تعربوا . وبتقادم الأزمان نسوا ، أصولهم البربرية واصطنعوا ، لأنفسهم أنسابا عربية . حتى أصبحنا نسمع منهم ، من يدعى بأن أجداده قد جاؤوا ، من اليمن أو من العراق أو الحجاز . وكل هذا ما هو إلا ترديد ، لمقولات نمطية ذكرها مؤرخو ورحالة ، العصور الوسطى لتبرير واقع اجتماعي ، قائم في تلك الفترة . وكل هذا لأن الانتماء ، إلى تلك المناطق . قد كان مدعاة للفخر ، ويلحق أصحابه بطبقة الأشراف . وما يُحصل من هذا التموقع ، من امتيازات ومزايا ، سياسية اقتصادية ودينية واجتماعية . لأن العرب كانوا ، في تلك الفترة هم مركز العالم ، وإنجليز القرن التاسع عشر . واليوم عندما تحول هذا المركز ، إلى الغرب الأوروبي . أصبحنا نرى في فترات سابقة جزائريين ، يلهثون وراء الجنسية التركية . لا لشيء سوى لأن تركيا ، تفاوض لأجل الانضمام ، إلى الاتحاد الأوروبي . لأنه يضمن لهم ، الالتحاق بالغرب الذهبي . ونحن هنا لا نشكك ، في أصول بعض الجزائريين التركية . وإن اندس بينهم ، من لا يرجعون إلى الأتراك . ونفس الأمر مع من ينقبون ، عن أي خيط يربطهم بفرنسا وجنسيتها . ولكن متى تغير المركز ، فإن المراكز السابقة تصبح هوامش ، مهمشة تتبعه بصورة ألية . وتنفصل عنها توابعها السابقة ، لتلتحق بالمركز الجديد . وهذا ما يحدث اليوم ، مع بعض البربر . ممن يرغبون في الحاق نسبهم بالغرب ، بعيدا عن قبائل الحجاز المتخلفة ،الممثلة لكل ما هو عربي في نظرهم . وتناسوا بأن العربية عنوانها الحقيقي ، غرناطة وقرطبة وإشبيلية ، وبغداد الرشيد ودمشق الأمويين . ولنكن صادقين مع أنفسنا ، كما أن نسبة العرب . الذين أتوا إلى منطقة المغرب العربي ، كانت قليلة لدرجة أن الأغلبية البربرية ، كانت قادة على تذويبهم في بوتقتها . وهو عين ما حدث ، في مصر وليبيا وغيرهما . ونحن هنا محتارون ، لماذا المصريون تصالحوا مع تاريخهم ، إلا نحن لا زلنا في حالة عداء مع تاريخنا . كل يستخدمه حسبما يراه ، لإقصاء الآخر . بدلا من جعله الخيط الذي ، يربط كل فئات الشعب الجزائري . لما فيه صالح الجزائر أرضا وشعبا ، كما يربط خيط العقد حباته . على اختلاف ألوانها وأحجامها ، فتزداد قوة على قوة . والهجرات العربية لمنطقة المغرب العربي ، لم تكن تكفي لتحدث تغيير ، ديموغرافي لصالح العرب . والتاريخ لم يحدثنا عن أية ، إبادة جماعية للبربر . حتى نقول بأن العرب حلوا محلهم ، مثلما فعل الغزاة الإسبان في كوبا . أما المناطق الأخرى ، التي لم يبيدوا سكانها بصورة كاملة . كالمكسيك فسكانها بقوا كعرقية إثنية ، ولكنها أصبحت تتحدث اللغة الاسبانية ، واتخذت من المسيحية دينا لها . ولكن في منطقة شمال إفريقيا ، لا يمكن أن يوجد مثل هذا التمايز العرقي . لأن من جاؤوا هم فئة قليلة ، حدث بينها وبين البربر اندماج . يستحيل معه تحديد الحد الفاصل بينها ، خاصة أن من جاؤوا مع الفتوحات الاسلامية . إضافة إلى عددهم القليل ، فهم في معظمهم جنس متوسطي . يشتركون مع البربر ، في الخصائص الفسيولوجية . يخبرنا كل من المؤرخ ستيفان ، جزيل وبيرونيه بأن : ” الآثار ببلاد الجزائر وما حولها توجد لها نظائر في إقليم مصر والنوبة منذ خمسة آلاف سنة ، كما يعلم من تاريخ الرومان أنهم استنجدوا بحلفائهم في اليمن والحبشة فأنجدوهم بقوة كبيرة بقيت في إفريقيا الشمالية ، ولم يعد منها إلى موطنها الأول غير القليل والباقي اندمج في البربر . تماما كما اندمج في عقود ماضية ، العبيد الأفارقة السود المحريين . في منطقة بني مزاب ، وأصبحوا جزء أصيلا ، من التركيبة الاجتماعية المزابية .
ونحن هنا نتعجب كيف ، يحاول بعض أنصار النزعة الأمازيغية . ولا نقول البربر ، التركيز فقط على عنصر النقاء العرقي البربري المزعوم . والتاريخ يكذب هذا الادعاء ، فالبربر أنفسهم تعربوا . وانتقلوا بالآلاف مع المعز الفاطمي ، وسكنوا القاهرة وذابوا في الشعب المصري ، وأصبحوا مصريين . ونحن هنا نقصد كل من قبيلة ، كتامة وزويلة ومن سلك نهجهما . والشيء الأكيد أن أحفادهم ، اليوم بالملايين ممن نسوا بصورة نهائية ، أصولهم البربرية وتمصروا . أما من بقي من البربر المعربين ، فهم ممن نطلق عليهم ، اليوم عرب المغرب العربي . والفرق بينهم وبين ، من انتقل مع الفاطميين . هو بقاؤهم هنا في ، أرض آبائهم وأجدادهم . ونفس الأمر يقال مع البربر، الذين انتقلوا إلى فلسطين . خلال حقبة الحروب الصليبية ، للدفاع عنها ولا يزال باب المغاربة ، يشهد على هذا الأمر . فهم بربر تعربوا وأحفادهم ، اليوم فلسطينيون ، أو لبنانيون وسوريون .
ولذلك فإن المنطق يقول ، بأن تلك المقولة القائلة . بأنه يتوجب على الناطقين بالعربية ، في الجزائر أن يعودوا إلى السعودية . وكأنهم جاؤوا منها ، حتى يعودوا إليها . لهي مقولة تجافي ، العقل والمنطق وتقفز على التاريخ . مقولة عنصرية بغيضة ، وما هي إلا ضربا من الجنون . ترى كيف يعودوا إلى السعودية ، وهم بربر تعربوا ، منذ زمن قريب أو بعيد . ولنقف على هذه الحقيقة ، التي لا تقبل النقاش . ما علينا سوى مطالعة كتابEnquête sur la dispersion de la langue berbère en Algérie – Edmond DOUTTE . فعلى سبيل المثال يذكر صاحبه ، بأن منطقة فج مزالة . التابعة لولاية ميلة الحالية ، كان بها 9236 نسمة من البربر ، الذين تعربوا نهائيا . أما في منطقة خنشلة ، في نفس الفترة فقد تعرب . من أبناء المنطقة 112 فرد ، وهناك 1870 في طريقهم للتعرب التام . وقس على هذا ما حدث من تعريب ، للبربر قبل وبعد 1913 ، تاريخ تأليف هذا الكتاب . لدرجة أن مناطق شاسعة ، من الجزائر تعربت نهائيا ، أو بقيت بها جيوب بربرية لا تكاد تذكر . وإلا أين هم بربر الغرب الجزائري ، كبربر معسكر وغليزان وتلمسان على سبيل المثال . ونفس الكتاب يخبرنا بأن ما يقارب 300.000 أمازيغي ، فقدوا لغتهم الأصلية خلال خمس سنوات ، ( 1906 و 1911 ) . وهو رقم ضخم للغاية في تلك الأيام ، يوم لم يكن عدد سكان الجزائر ككل ، يزيد عن الأربعة ملايين بقليل . علما بأن عمليه التعريب الذاتي ، لم تتوقف إلى غاية اليوم ، والعدد في ارتفاع مستمر . وعليه فمن الجنون ، أن يمارس جزائري عنصرية . واضطهاد وفصل عنصري ، ضد أخيه الجزائري . الذي لا ذنب له سوى أنه تبني ، عن قناعة الهوية العربية الجزائرية . التي لا علاقة لها ، بفكرة القومية العربية والعروبة . التي ما هي إلا صدى ، للفكر القومي الأوروبي . وها هي القومية العربية ، قد قبرت منذ زمن بعيد . ولكن البربر نراهم مستمرين ، في تبني اللغة العربية . عن طريق التعريب الذاتي ، الذي ما كان أو سيكون ، سياسة دولة ممنهجة . وعلى الذين ينكرون ، جزائرية وأصالة وعراقة ، الناطقين بالعربية في الجزائر . وأنهم جزء من ساكنتها ، قبل الفتح الاسلامي . أن يجيبوننا أين ذهب البربر الزناتيون الرحل ؟ ، لقد تعربوا ولم يبقى سوى إخوانهم ، الصنهاجيون من طوارق الجنوب ، أو الشمال الجزائري . علما بأن الفتح الاسلامي ، لم يكن مشروعا استيطانيا احلاليا . كما هو حال الغزو الاسباني ، للقارة الأمريكية أو الفرنسي في الجزائر . وعليه فسكان الجزائر الحاليين ، ما هم في معظمهم إلا أحفاد ، هؤلاء البربر المستعربين . ممن لا علاقة لهم بالأصل ، الأسطوري الخرافي اليمني ، خاصة والمشرقي عامة ( ونحن هنا نتحدث عن ، عرب الفتوحات لا على عرب ما قبلها ) . وإن كنا لا ننكر تمازج الشعوب ، عبر مختلف الهجرات الفردية والجماعية .
وعليه فليس من المعقول أو من المنطق ، أن يكون كل سكان المغرب العربي عربا . مثلما هو من المستحيل أن يكون ، سكان السودان الناطقين بالعربية عربا . بل إن وجوههم تنبؤنا وتخبرنا ، بأنهم أفارقة في أثواب عربية . ومعهم أهل التشاد ومالي ، وكل الناطقين بالعربية ، في إفريقيا السواحلية . وعليه لا يُعقل أن يكون البربر ، ينتمون إلى عرق واحد عربيا ، كان أو بربريا فهذا الأمر محال . وإنما هناك عدة مجموعات بربرية ، تعرب أفرادها كما تعرب أفارقة إفريقيا ، الذين ينتمون إلى إثنيات وعرقيات مختلفة .
ومقولة أنه يجب على المعربين في الجزائر ، أن يعودوا إلى السعودية . لهي مقولة انحدرت من الأدبيات الفرنسية الاستعمارية ، التي تزعم بأنه يتوجب على العرب ، أن يعودوا من حيث أتوا . وهي مقولة قبرت بانتهاء ، المشروع الاستعماري الفرنسي في الجزائر . وما الجزائر اليوم بدعا ، في كون شعبها يتحدث أكثر من لسان . فهذا الأمر أصبح هو القاعدة ، في كل دول العالم وغيره الاستثناء ، بفعل تواصل الشعوب وتداخل عناصرها .
وإنه لجنون هذا الكلام غير المسؤول ، الذي مفاده بأنه يتوجب على عرب الجزائر . كما يقول البعض أن يعودوا إلى السعودية ، هل يريد صاحب هذا الكلام . أن يشن حرب تطهير عرقي ، على إخوانه في العرق والجنس والدين والوطن . فقط لأنهم تبنوا اللسان العربي ؟ ، كما فعل الإسبان مع إخوانهم . من الأندلسيين الإيبيريين المسلمين ، لأنهم يختلفون معهم في العقيدة ؟ . أي جنون هذا إنه يتوجب ، على الحكماء التصدي لهذا الأمر بحزم . كما تصدي كريم بلقاسم ، وطهر منطقة القبائل . من أنصار النزعة البربرية المتعصبة ، في الفترة ما قبل 1962 . إن هناك من يتهم بعض إخوانه ، في الوطن الجزائري . بأنهم يتسترون وراء ، أسلمة البلاد لتعريبها ، وكأن أهلها وثنيون يحتاجون للأسلمة . وفي مقابل هذا الادعاء الزائف ، فإنهم عن قصد وعمد يتجاهلون . سياسة الفرنسة الممنهجة ، قبل الاستقلال من قبل فرنسا ، وبعد الاستقلال من قبل وكلائها . والتي هي الأخرى ( الفرنسة ) ، الطريق الرئيسي والأوحد المؤدي إلى التنصير .
إنه من غير المعقول ربط ، تعرب البربر بالإسلام . ونحن نرى في المشرق العربي ، مسيحيين عربا لا علاقة لهم بالإسلام . وإنما التعريب حدث في الجزائر ، وبلاد المغرب العربي . نتيجة انهزام البربر ( الأمازيغ ) ، أمام الثقافة العربية الإسلامية . المحكمة والساحرة والمتينة ، وذات الجاذبية التي لا تقاوم ولا تهزم . والتي لم تستطع أية ثقافة أخرى ، طوال العصور الوسطى أن ، تنافسها أو تبزها أو تطاول صرح بنيانها . وهذه الثقافة استطاعت ، أن تأسر البربر كما فعلت مع الإسبان . فتعربوا جميعا بمحض ، إرادتهم دون أي ضغط أو إكراه . وإلا بماذا نفسر فئة المستعربين ، في إسبانيا ممن تبنوا الثقافة العربية الإسلامية . دون التخلي عن نصرانيتهم ، وكذلك فعل اليهود ومسيحيو ، مصر وبلاد الشام والعراق .
ولهذا فالإسلام وكما هو ملاحظ ، على أرض الواقع ، لم ولن يكون دين تعريب . والدليل هو أن يوسف بن تاشفين ، وما أدراك ما يوسف بن تاشفين . أمير المسلمين وبطل الزلاقة الشهير ، ومنقذ الإسلام في الأندلس ، من موت محقق واندثار سريع . يقال بأنه لم يكن يحسن اللغة العربية ، حسب ما جاء في كتاب ابن خلكان ، وفيات الأعيان الجزء السابع . وإن كان هذا الكلام يجانب الصواب ، ولو أنه قيل في بعض جنده لكان مقبولا . ولكن ربما يكون الحقد ، على الإسلام هو من أعمى، أصحاب هذه المقولة . وإلى جانب ما سبق وهذا دليل كاف على أن ، الإسلام برئ من تهمة التعريب . وما يؤكد أن لا علاقة ، بين انتشار الإسلام وتعريب سكان الجزائر . هو أن هناك مناطق شاسعة منها ، بحجم دول لم تتعرب إلى اليوم ، في محتلف زواياها الأربع . وعلى رأس القائمة منطقة بلاد زواوة ، ومنطقة الأوراس مع أن سكانهما أسلموا . ولذلك فما من داع ، لاتهام الإسلام بتعريب البربر في الجزائر . ولا يعتنق هذا الرأي ، إلا المعادين له ممن يتمنون . لو أنهم يستيقظوا صباحا ، فيجدونه قد اندثر ( الإسلام ) من بلاد المغرب العربي . ولهذا فالفشل المزدوج ، فيما يخص العجز عن التصدي ، لانتشار الإسلام من جهة . والفشل في معرفة الآلية ، التي تعرب بها البربر ، هي من أوحت بمثل هذا الكلام . وكان الأجدر البحث في مكان آخر ، بعيدا عن اتهام الإسلام بتعريب البربر . وإلا فلماذا لم يعرب الترك والفرس ، والملاويين والطاجيك والكرد . والأفغان والبشناق والسلاف ، وغيرهم من أمم الدنيا الأخرى المسلمة . وها هو كتابEnquête sur la dispersion de la langue berbère en Algérie المذكور أعلاه يخبرنا ، بأن العامل الاقتصادي . وظهور أقطاب صناعية اقتصادية ، وامتداد طريق السكك الحديدية من الغرب إلى الشرق ، سهلت عملية الفرنسة والتعريب . فخروج الأمازيغي من بيئته الجبلية ، نحو الفضاءات الأوسع . والنشاطات الأفيد له ، جعله يفقد لسانه بالتدريج ، لحساب العربية والفرنسية .
ولذلك يجانب الصواب من يدعى ، بأنه قد قال كلمة الفصل . فيما يخص الآلية التي ، تعرب بها البربر في منطقة الشمال الإفريقي ، عامة والجزائر بصورة خاصة . وإن كانت هناك عدة مقاربات ، أعطتنا عدة تفسيرات . قد تقترب أو تبتعد من هذه الآلية ، حسب ما يتوفر من مصادر ومراجع . وقدرات معرفية وبحثية ، عند من يتصدى لهذا الموضوع . ولكن الشيء المؤكد ، هو أن عملية التعريب . مرت بمرحلة الازدواجية اللغوية ، كمحطة نهائية صوب التعريب الكلي . ازدواجية لا مفر من حسمها ، لصالح العربية أو أحدى المتغيرات البربرية .
إنّ الواحد ليقف متعجبا من هذا العداء ، الذي وصل إلى حد الضغينة والحقد . من قبل قلة قليلة لا تمثل إلا نفسها ، على اللغة العربية . في منطقة المغرب العربي ، وكأن العربية هي المسؤولة . عن تراجع مختلف ، المتغيرات البربرية بالجزائر . على وجه الخصوص ، ولكن القصة غير ما يروج لها البعض . وهنا ما علينا سوى أن نعرج ، على كتاب كابرييل كومب البربر ذاكرة وهوية . هذا الذي يخبرنا بأن الكثير ، من الكتابات الليبية والتيفناغات القديمة . في مناطق باتت اليوم معربة بالكامل ، في تونس والشمال الشرقي من الجزائر . وفي الغرب ومنطقة طنجة ، من المغرب وفي شمال الصحراء . وقد تعرضت هذه الكتابة ، في بلدان الشمال لمنافسة البونيقية ، ثم من اللغة اللاتينية . ويسلم البعض بأن هذه الكتابة ، قد صارت إلى إهمال ونسيان . من قبل أن يكون دخول ، الكتابة بالعربية في القرن السابع الميلادي . وهذا الكلام يمكن أن يكون ، مطعونا فيه أو مردودا على صاحبه . لو أنه كان ممن يسميهم البعض ، تهكما وغمزا ولمزا العروبيين . ولكنه جاء على لسان ، واحد ممن يريد البعض . إيجاد صله قرابة مصطنعة ، تربطهما وإلحاق نسبه وأصله به وبقومه . ولو بالكذب والتزوير والتدليس ، ومصادمة حقائق التاريخ . وبعد ما سبق من كلام لكامب ، إنه من غير المعقول ولا المفهوم . سبب هذا العداء الذي يكنه البعض ، للغة العربية ويحملها مسؤولية ، ما هي بريئة منه . وما حدث للمتغيرات البربرية ، في منطقة المغرب العربي . من اضمحلال وضمور ، وانحصار وتراجع واندثار ، لم يكن سببه وصول اللغة العربية ولا انتشارها .
وإنما يعود لضعف وعدم قدرة ، البربرية على التعبير . كما يخبرنا بذلك كابرييل كومب ، في كتابه البربر ذاكرة وهوية . كما أن غابرييل كامبس ، يؤكد على عدم وجود ، لغة بربرية موحدة . ولهذا فقد كتب أبوليوس البربري ، رواية الحمار الذهبي باللاتينية . كما أن الأب دوناتوس ، زعيم الحركة الدوناتية . وهو الآخر بربري ، كان هو واتباع هذا المذهب ، يصلون باللغة الكنعانية الفينيقية . فلماذا لا يوجه لهم اللوم ، على صنيعهم وتخليهم عن لغتهم ؟ ، ويُبحث عن السر الكامن وراء مسلكهم . بدلا من المصادرة عن المطلوب ، وافتعال معركة وهمية ، مع العربية في الجزائر . علما بأننا لا نتخذ أي ، موقف من المتغيرات البربرية وأصحابها . وإنما نستعرض مختلف وجهات النظر ، التي ربما تساعدنا على الوصول إلى الحقيقة ، أو ملامستها لما فيه خير الجزائر وشعبها .
علما بأن اللغة العربية ، لم تزاحم ولم تحارب وما سعت ، لتحل محل المتغيرات البربرية . وإنما حلت محل اللاتينية ، لغة المستعمر الروماني كتحصيل ، حاصل لإسلام المنطقة . وهو عين ما حدث في مصر وبلاد الشام ، وفي عدة مناطق من العالم . أين حلت لغات محل أخرى ، كما حدث في الفليبين أو القارة الأمريكية . وهنا لا يجب أن يخفى عنا ، بأن العيب لم يكن في تلك اللغات ، التي حلت محل المتغيرات البربرية . وإنما العيب يكمن في ضعف الأخيرة ، وعدم قدرتها على الصمود . فحتى دولة ماسينيسا ، لم تكن البربرية لغتها الرسمية وإنما البونيقية . حتى أنه علم ابنه ، اللغة اللاتينية والبونيقية والإغريقية . فلماذا لا يلام البربر ، ممن تخلوا بكل حرية وطواعية ، عن لغتهم لصالح لغات أخرى . ولماذا لا يلام ماسينيسا ، على هذا الصنيع أي تبنيه اللغة اللاتينية . في حين أنه لمّا تبني البربر ، اللغة العربية تم التشنيع عليهم . وكأنهم ارتكبوا جريمة لا تغتفر ، أو أنهم أتوا عارا وفضيحة وخطيئة . وأنه يتوجب عليم التوبة والعدول عنها ، بالتخلي عن الإسلام والعربية . حتى يرضى عنهم بعض بني جلدتهم ، ممن ربطوا مصيرهم بالضفة الشمالية للمتوسط ، كما ربطها ماسينيسا من قبل .
إن التعريب في شبه الجزيرة الإيبيرية ، قد أنتج الأندلس أعجوبة الدنيا . ومعها أنتج قرطبة وإشبيلية والزهراء ، وقصر المورق والحمراء ، والمعتمد بن عباد وابن زيدون . فحتى أعدائهم وقعوا في حبهم ، ولا يزالون إلى اليوم ، يعشقون المعتمد بن عباد . ويكفي تعريب الأندلس فخرا ، أن فرناندو الكاثوليكي . عندما دخل قصر الحمراء ، لم يجد من كلمات سوى أن يصف ، قصره بإشبيليا بزريبة وإسطبل للحيوانات . في مقابل جمال وروعة قصر الحمراء ، ومن فعلها مرة يفعلها ألف مرة . فلماذا يريد البعض للبعض ، أن يرتدوا عن الكمال ، إلى ما هو أدني منه منزلة ودرجة ؟ ! . والبربر أنفسهم ما أصبحوا أساتذة لأوروبا ، إلا بعدما تبنوا اللغة العربية . وللتدليل على هذا يكفينا ، ليوناردو فيبوناتشي الذي تعلم الأرقام العربية ، في بجاية ومنها نقلها إلى أوروبا .
إن هذا العداء غير المبرر ، لتعرُّب البربر ليس له من تفسير . سوى أن أصحابه ارتبطوا ارتباطا ، مصلحيا وأيديولوجيا وثقافيا . ولمَا لا دينيا بالمستعمر السابق ، وولوا وجهوهم شطر الضفة الشمالية للمتوسط ، وكم كانوا يتمنون لو أن ما حدث لم يحدث . وكم هم ناقمون على ما حدث ، فهم دوما يتساءلون . لماذا تعربت هذه المنطقة ، دون سواها من المناطق الأخرى ، التي دخلها الإسلام . هذا هو السؤال الذي يؤرقهم ، وكم هو صعب التعايش ، مع هذا الواقع المؤلم بالنسبة لهم . والواضح أن أغلى وأسمى أمانيهم ، لو أن المنطقة ( المغرب العربي ) . انصهرت في القادم من الشمال ، وترومنت وانتهى الأمر . ولهذا نراهم يتمنون لو أن البربر ، لم يكونوا أعداء للبيزنطيين ، ولو حدث هذا لكان للتاريخ وجهة أخرى . ويبقي يدور في أذهانهم ، السؤال اللغز والمحير ، الذي يؤرقهم ويجلدهم كصخرة سيزيف . ما هو السر الذي جعل البربر ، يتآلفون مع العرب الفاتحين ؟ . بشهادة غابرييل كامب ، الذي يخبرنا في كتابه البربر ذاكرة وهوية . بأن مقاطعة إفريقيا كانت ، مسرحا لمواجهات طاحنة بين ، البيزنطيين والبربر المتمردين . ولذلك كم قتل هؤلاء الغزاة، من أجدادنا البربر ؟ ولماذا التشنيع على ما حدث ، بعد الفتح الإسلامي ، والتغاضي عما كان قبله وكأنه لم يحدث . وما حدث من حروب في بلاد المغرب العربي ، كان شأنه شأن ما حدث ، في كل جهات العالم الأخرى . فالحروب بتلك الأيام كانت ، في كل مكان وإن تعددت ، أسبابها اقتصادية كانت أو دينية .
إن الكثير من الناطقين بالبربرية في الجزائر، قد تم تضليلهم عن عمد ، عند استخدام كلمة غزو . ولذلك كثيرا ما نسمع بعضهم ، يتحدث عن الغزو العربي . وهم يدركون وواعون ، بتلك الحمولة السيئة . التي تختزنها هذه العبارة ، فهي ترتبط بالغزو ، الاسباني المتوحش للقارة الأمريكية . وبالغزو الهمجي الفرنسي ، للجزائر والبلجيكي للغونغو . وما رافق ذلك الغزو ، من توحش يندى له الجبين . ولكن مهلا وكما تساءل أحدهم ، متى كان العرب غزاة لغيرهم ، من شعوب وأمم الدنيا الأخرى ؟ . فهؤلاء العرب الذين ، تلصق بهم زورا تهمة الغزو . قد عاشوا لأكثر من ، ستة عشر قرن في جزيرتهم . ولم يسمع أحد بغزوهم ، أو محاولة غزوهم لأراضى غيرهم . بل هم من حاول البعض غزوهم ، كالإسكندر المقدوني والرومان ، والأحباش والفرس . وهنا يطرح هذا السؤال المشروع ، لماذا العرب طيلة كل تلك الفترة . لم يعرف العالم شيئا ، اسمه الغزو العربي ؟ . الذي يحاول البعض زورا الصاقه بهم ، وعلى المروجين لهذه الفكرة ، ( الغزو العربي ) أن يجيبوننا على هذه الأسئلة .
إن ما حدث منذ القرن السابع الميلادي ، لم يكن أبدا غزوا عربيا . بل كانت عمليات انتشار للإسلام ، صحيح أنها عرفت مواجهات عسكرية . ولكنها لم تكن موجهة ، للسوريين والقبط والبربر . وإنما ضد محتليهم من ، البيزنطيين ورثة الرومان . ثم إن من حمل الإسلام إلى إيبيريا ، لهو طارق بن زياد البربري . ومن قبله قبيلة لواتة البربرية ، هي من نشرت الإسلام بين البربر ، في كل من تونس الجزائر الحاليتين . ولفظ غزو يستخدم في غير محله ، والعيب هنا ليس في اللفظ العربي . وإنما في اللغات الأوروبية ، التي لا توجد فيه كلمة فتح ، وإنما كلمة غزو أو احتلال . ولذلك فالحروب العدوانية التي شنها الإسبان ، على الأندلس سموها إعادة الاحتلال Reconquista . وبالتالي فإن الكثير من أتباع ، المدرسة الفرنسية من الجزائريين . وخصوصا الطبقات المتبنية ، للأطروحات الكولونيالية . تلقفت هذا المصطلح كما لو أنها ، وجدت الحل السحري . لتصفية حساباتها مع الوجود ، العربي الإسلامي في الجزائر ، ولهذا فهي ضحية لعبة المصطلحات . ولنوضح الأمر أكثر فبعض ، من ساروا في ركب الاستعمار . أصبحوا يعادون عن جهل اللغة العربية ، حتى أنهم رفضوا كل ما يتصل بها ، حتى لو كان النص القرآني الكريم . على أساس أنه ، أنزل بلسان عربي مبين . ولفظ العربي المبين ، لا علاقة له بالعرق والجنس . لأن القرآن ما كان للعرب ، وإنما لكافة بني البشر . ومنه يمكن القون بأن كلمة لسان عربي مبين ، تعني الواضح والبين . لكون اللغة العربية ، وكما قال المفسرون . أفصح اللغات وأبينها وأوسعها ، وأكثرها تأدية للمعاني . وما من شيء غير هذا ، بعيدا عن كل تعصب أو تحيز ، لهذه اللغة أو لأهلها . ونتيجة للقراءة الخاطئة ، لعبارة قرآن عربي مبين . فقد تم رفض كل ما يتصل بالعرب ، لأنهم ربطوا بصورة خاطئة . بين القرآن المنزل بلسان ، بين وواضح وجلي . وبين الإسلام والجنس العربي ، الذي لم تجد الآلة الدعائية الاستعمارية ، من نقيصة ومسبة إلا وألصقتها بهما . وإن كان من البداية الإسلام ، هو المستهدف في الجزائر . من قبل المستعمر وبعد الاستقلال ، سعي من خلفه من الجزائريين ، لتكملة مشروعه . إلا أن هؤلاء لم يستطيعوا ، مهاجمة الإسلام بصورة مباشرة ، وإن كان هو المستهدف . فسعوا لهدم كل ما يتصل ، بالحرف العربي في الجزائر . وما كان إلا أن شنوا عليه ، وعلى الإسلام حربا . عل وعسى أن ينجحوا ، فيما فشل فيه أساتذتهم ، خلال حقبة الليل الاستعماري الطويل . نعم هناك من يستخدم ، تعبير الغزو العربي لمنطقة المغرب العربي . بدلا من عبارة الفتح العربي ، ربما يكون هذا الاستخدام متعمدا . نظرا لمعتقدات مستخدميه المعادية ، لكل ما هو إسلامي وعربي في الجزائر . وهذا يوشي بأن أصحاب ، هذا الاتجاه مؤدلجون . ولذلك فهم ينطلقون من خلفيات عقائدية ، لا تكن سوى الحقد والكراهية . لكل ما هو عربي وإسلامي ، إلى الحد الذي وصل ببعضهم إلى نعت ، الرسول الكريم ص بالمجرم والخبيث ؟ . وغيرها من التعابير الصادمة ، التي لا يمكننا الإشارة إليها ، وحاشا سيد الخلق أن يكون هكذا . ولئن وصل البعض إلى هذا الحد ، من التطرف والتعصب . فإنه يجب مقارعة الحجة بالحجة ، وتبيان زيف هذه السردية ، وعدم الاستهانة بأصحابها . فيمكن أن تكون مقدمة ، لحريق قد يسبب الأذى الكبير لوطننا الجزائر . خاصة أن بعض غلاة النزعة الأمازيغية ، قد أعلنها صراحة . من أنه قريبا ستُعلن الثورة ، على ديكتاتورية المعرّبين والإسلاميين في الجزائر . قريبا ستُعلن الثورة على التاريخ المزيّف ، الذي استوردوه لنا من قبائل الحجاز المتخلفة . قريبا سنعلن قيام الدولة الأمازيغية ، الحديثة في شمال إفريقيا .
وكم يحلو لغلاة النزعة الأمازيغية ، الحديث عن همجية ، العرب الفاتحين وتوحشهم . وكان الأولى الحديث ، عن الفتح الإسلامي لا العربي . ولكنهم عن عمد وكما هو حال ، المدرسة الاستعمارية الفرنسية من قبلهم . التي تستخدم نفس التعابير ، لتنزع الشرعية عن الوجود العربي في الجزائر ، وتمنحها لتواجد الغزاة المحتلين من الفرنسيين . الذين ما كانوا موضوعيين ، في تعاملهم مع العرب في الجزائر . فعندما يتحدثون عن بني هلال ، يقولون الغزو العربي والهلالي . وعندما يتحدثون عن الغزو الحقيقي ، الذي قاموا به للجزائر . فإننا نجدهم يعتبرونه وصولا ، ولذلك يتحدثون عن وصول الفرنسيين للجزائر . وهذه مغالطة كبرى ، تتعمد قلب الحقائق . وتزوير التاريخ بشكل ، لم يعد ينطلي على أحد . ومع كل أسف فقد تبني ، تلامذتهم من الجزائريين هذه السردية . وبنوا عليها موقفهم المعادي ، لمن اتخذوا منهم أعداء في الجزائر ، من إخوانهم وشركائهم في الوطن .
علما أنه لا ثقة في الدراسات الكولونيالية ، التي تفتقد للموضوعية . فأصحابها أعطوا لأنفسهم ، حق تسمية الأشياء بغير مسمياتها . فالاستعمار الفرنسي عامل إيجابي ، يعبر عنه بلفظ وصول الفرنسيين إلى الجزائر . أما وصول الفينيقيين والعرب ، فهو استعمار للمنطقة نعيدها ونكررها . والاستعمار الروماني الذي لم يكون ، سوى احتلال غاشم . تحتل فيه الكتائب العسكرية ، الأرض الجزائرية وتستعبد أهالها . وعليه كيف يكون الوجود ، الذي أدخل المنطقة في التاريخ استعمارا . والاستعمار الفرنسي الذي دمرها ، وأرجعها إلى عصور ، ما قبل التاريخ حضارة وتقدما ؟ .
وهذه المقالات المزيفة وجدت قبولا ، عند بعد من تتلمذوا في المدارس الفرنسية . التي كانت وسيلة لتحقيق دمج البربر ، وإذابتهم في البوتقة الفرنسية . على أساس أن عملية تحويلهم ، إلى فرنسيين سهلة التنفيذ . حسب الكاتب والصحفي ، الفرنسي دي كايكس . ذلك أنه ليس للبربر ثقافة ذاتية خاصة بهم ، وعليه فإنهم لن يقاوموا الثقافة الفرنسية … ولكن المشكلة الوحيدة لديه هي أن الكتاب الفرنسيين يعتبرون البربر حقيرين وجشعين . وهدف الاستعماريين الفرنسيين ، كان واضحا ونجده فيما جاء على لسان . الكاردينال لافيجري الذي صرح في 1867 ، بمنطقة القبائل بأن ” رسالتنا تتمثل في أن ندمج البربر في حضارتنا التي كانت هي حضارة آبائهم ، ينبغي وضع حد لإقامة هؤلاء البربر في قرآنهم ” . ومن هنا بدأت عملية ، شيطنة الناطقين بالعربية في الجزائر ، انطلاقا من شيطنة العرب الفاتحين . بنسب كل شرور الجزائر ، وبلاد المغرب العربي إليهم . في حين أن العرب بريؤون من تهمة ، تخريب المنطقة ، الذي يصرون على إلصاقه بالفاتحين . فالتخريب بدأ مع الكاهنة ، وهذا ما نجده في قولها : ” إن العرب لا يريدون من بلادنا إلا الذهب والفضة والمعدن ، ونحن تكفينا منها المزارع والمراعي، فلا نرى لكم إلا خراب بلاد أفريقية كلها حتى ييأس منها العرب فلا يكون لهم رجوع إليها إلى آخر الدهر ” . ثم استمر طيلة تلك الحروب التي عرفتها المنطقة ، بين مختلف الدويلات التي أقامها البربر ، سواء كانت خارجية أو شيعية . فلما وصل عرب بني هلال ومن معهم ، ما كانت البلاد فردوسا قطوفها دانية . وكيف يسنى اليوم المشنعون ، على العرب بأن البربر الجمالون . هم من خربوا هذه الأرض ، قبل وصول العرب إليها بعدة قرون . هذا ما قرره كابرييل كومبس ، وإن هو لم يستخدم نفس ألفاظ وتعابير ، ابن خلدون ولكن المعنى واحد . وهل البيزنطيون كانوا بردا وسلاما ، على منطقة المغرب العربي . وتدميرهم الممنهج للمنطقة ، قد دام مع تدمير إخوانهم الوندال ، لها لمدة قرنين . ويفوق آلاف المرات ، ذلك التخريب المزعوم ، الذي ينسب زورا إلى العرب . ولذلك يجمع المؤرخون ، على أن إفريقيا البيزنطية ، ليست هي إفريقيا الرومانية . كما لا ننسى إلى جانب ، كل هذا ذلك التخريب الهمجي . الذي انجر عن تلك الحروب الطاحنة ، التي دارت بين أتباع المذاهب الدينية المسيحية المختلفة . التي دمرت ما لم ، يدمره البيزنطيون والوندال . وقس على هذا ، مختلف تلك الزيوف والسموم ، المروجة عن الناطقين بالعربية في الجزائر .
إن عامل الحقد هو من أفقد من شنوا ، حرب طواحين الهواء ، في الجزائر ضد الناطقين بالعربية . وظنوا أنفسهم قد أصبحوا أبطالا ، يخلدهم التاريخ وتسمى بأسمائهم ، المدن والشوارع ، وتنصب لهم التماثيل . نعم لقد أفقدهم التزوير ، والتدليس والكذب على التاريخ . الذي مارسه سادتهم الفرنسيون . عقولهم وأبعدهم عن ، الموضوعية والحيادية والنزاهة . ونحن هنا لا نلومهم ، فهم يعتبرون أنفسهم أعداء . لكل ما يمت بصلة ، للحرف العربي في الجزائر . ولذلك أعلنوها حربا شعواء ، على كل ما يتصل بالناطقين بالعربية فيها . وفي الحرب وكما قيل ، كل الأسلحة مباحة . ولذلك فإننا لا نتعجب ، من هذا الكم الهائل من التزوير . الذي طال تاريخ الجزائر ، على يد من شكلوا المدرسة الاستعمارية . ومن ذلك التوظيف الغائي ، والانتقائي والمغرض للتاريخ . وهو الأمر المرفوض ، لكونه يعري أصحابه . من الجزائريين من معتنقى ، النزعة البربرية المتطرفة . فما هم طلاّب حقيقة ، وإنما هم ومن خلال توظيف التاريخ . يسعون لتصفية حسابات . والدخول في معارك وهمية لن تجني منها ، الجزائر سوى الخراب والدمار .
عذراً التعليقات مغلقة