يوسف بوغنيمي
صحفي مغربي
هي سقطة مدوية حتى قبل أن تنطلق جنوب افريقيا في تنظيم “بريكسها” الافريقي ، حيث لقنت الدبلوماسية المغربية نظيرتها الجنوب افريقية أبجديات التعامل الدبلوماسي مع الأمم والدول و وفككت خيوط مناورات الاسترزاق بالكيانات الوهمية ، هذا الرفض الذي يحمل دلالات عميقة من حيث توقيته ،صياغته وقناة تصريفه ،وتضمن رسائل معلنة ومشفرة للساسة بجنوب افريقيا …المغرب لم يتبث عليه أن ازدرى المبادرات الجادة للدول مهما صغر شأنها أو عظم ، لكن يقسو الرد وتغلظ الكلمات حينما يتحول “البريكس” الافريقي لشماعة تسعى من خلاله جنوب افريقيا لتحقيق مآرب وانتصارات سياسية وهمية كان طُعمها إغراء المملكة المغربية بانضمام ملغوم …اجتماع “البريكس” الافريقي المرتقب بجوهانسبورغ حق أريد به باطل ، بل التصريح بطلب لم تؤشر عليه المملكة المغربية مناورة لم تتأخر الرباط في فك طلاصيمها ، حتى أن وزير خارجية المملكة المغربية “ناصر بوريطة” لم يكلف نفسه عناء الرد على نظيرته “ناليدي باندور” بل جاء الرفض من المصدر المأذون من وزارة الخارجية الخارجية والتعاون الافريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ، والمرجح أن يكون على لسان موظف في ديمومة هاته الوزارة عقب العطلة الرسمية لمعظم أطر الوزارات بالمملكة المغربية ، وكأن بوريطة يقول لنظيرته الجنوب افريقية لن أقطع إجازتي السنوية لأفك خيوط مناورتك المفضوحة ،و يؤكد لها أن الدبلوماسية المغربية ومن يدور في فلكها تبيت ليلا وعيونها مفتوحة للتصدي لكل المناورات التي تروم التلاعب بالمصالح العليا للمملكة المغربية .
المصدر المأذون خرج ليقلب تصريح “ناليدي باندور” رأسا على عقب ومعها قصاصات العالم الصحفية في هذا الشأن ، حيث حيك البلاغ بصنعة و”تطريز” مغربيين خالصين ، بلغة رصينة يجعل القارئ يتوقف عند النقطة والفاصلة علها تحمل رسائل مشفرة لم يتم الإعلان عنها، بين ثنايا تلك الكلمات والجمل ، بلاغ بعيد كل البعد عن مجرد انفعال أو ردة فعل دبلوماسية أو مجرد عتاب لبلد شقيق ،ولكن قرار مدروس ومحبوك ، بعد تقييم دقيق لهذه الخرجة الإعلامية لوزيرة خارجية جنوب افريقيا ، حول مشاركة من جانب واحد ، وحتى دون علم بلد من حجم المملكة المغربية ،
والأكيد أن الخارجية المغربية جندت كل وسائلها و قامت بالخطوات الممكنة والمستحيلة لكشف حقيقة وملابسات هذه الخرجة البدائية و الغير الموفقة للجنوب افريقيين ، ولم تكن مجرد قراءة في تصريح غير مسؤول أو حماس زائد لمسؤولة سياسية تتربع على خارجية جنوب افريقيا ، لكن الرفض كان لاذعا والتقريع كان حادا ليدق مسمارا آخر في نعش السياسة الجنوب افريقية ويعمق جراحها، ويكشف عورتها للعالم ، بل عرى مصداقيتها أمام دول المعمور حينما وصف دبلوماسيتها بتدبيرها اللاجدي والارتجالي والاعتباطي المتسم بالخروقات البروتوكولية المتعمدة والاستفزازية.وهي كلها كلمات منتقاة بعناية تكشف بحق نوايا مبيتة ، فالمغرب لم يتبث عن مسؤوليه قط ممارسة المراهقة الدبلوماسية ،
ويعلم الجميع أن خارجية المغرب من الوزارات السيادية منذ عقود من الزمن ، زد عليه أن العاهل المغربي محمد السادس يحيط السياسة الخارجية بحرصه الشديد ،سيما تلك القادمة من عمق المملكة الافريقي ، ومن سابع المستحيلات أن يغلل المغرب يده إلى عنقه في وجه يد ممدودة إليه بتباشير الخير ، لكن الرد اقتبس من جنس التصريح الملغوم ، ليقدم بذلك المغرب الدروس في الواقعية السياسية ، وفي الدبلوماسية وكيف يجب أن تحترم الدول نفسها ؟…
لا أن تمنح “بريتوريا ” لدبلوماسيتها الحق في الحديث باسم بلد ذو سيادة مثل المغرب ، وتعلن الوصاية بطريقة أبوية عن علاقته بدول “البريكس” لمجرد نيلها شرف تنظيم اجتماع 24 غشت ، كما ذكرها البلاغ المغربي بالعلاقات الثنائية التي تجمعه بباقي الأعضاء الأربعة الآخرين “للبريكس”، واتفاقيات الشراكة الاستراتيجية التي تجمعه بثلاثة منها ، ليزيد من حشره للساسة الجنوب افريقيين في الزاوية ، وفي مقدمتهم وزيرة خارجيتهم “باندور”، بتأكيده أن المملكة لم تقدم قط طلبًا رسميًا للانضمام إلى المجموعة المعنية ليزيد من إقامة الحجة بالرفض الجازم ، مذكرا أن قرارا استراتيجيا من هذا الحجم “يندرج في الإطار العام والتوجهات الاستراتيجية للسياسة الخارجية للمملكة، وفق رؤية العاهل المغربي ،وليس مجرد قرار انفعالي لخدمة أجندات سياسية تم الكشف عنها في غضون أيام فقط ،
المغرب وكأنه يؤكد لجنوب افريقيا أن الساسة بالمملكة المغربية ليست لديهم ذاكرة “البابون ” وأنه حتى وإن فكرت المملكة المغربية بالانضمام إلى هذا التجمع فلن تنال جنوب افريقيا شرف هذا الحضور على ترابها، في ظل العداء الجنوب الافريقي بالوكالة ، وكأنه يعيد تصريح بوريطة حينما أقر بتواجد جنوب افريقيا “في الجانب الخاطئ من التاريخ”، و أن المغرب لازال مستمرا في مواجهة هذا الصخب من خلال عزل جنوب إفريقيا ومواقفها المعادية للشرعية الدولية، وها هو يستمر ببلاغه هذا في الدفاع عن مصالحه ،و لن تنطلي على المغرب الحيلة مرة أخرى ، ولن تحظي بريتوريا بشرف “استقبال زعيم مليشيات البوليساريو” بحضور ولو موظف بسيط من دبلوماسية المملكة المغربية …
المغرب لن ينسى ما قامت به وتقوم به جنوب افريقيا من محاولات مكشوفة للتدخل في شؤونه الداخلية والسعي لتقسيمه منذ 2005 وهو تاريخ اعترافها بجبهة” البوليساريو ” المؤدى عنه ، فكيف لبلد عجز عن التأثير في محيطه ، بتواتر اعتراف أكثر من 30 دولة افريقية بوحدة أراضي المملكة المغربية ، حيث كانت تظن جنوب افريقيا أن دول العالم ستسير في فلكها وفلك البلد الوظيفي الآخر الذي تذهب ملايير بتروله وغازه لتحريك عداد محطات بريتورريا ، عوض تنمية شعبه وتأهيل بنياته التحتية …وعلى جنوب افريقيا أن تلتفت غير بعيد عن أراضيها حيث جندت المملكة المغربية خيرة دبلوماسييها ليكون سفيرا لديها ، ليكون ثقل السفير من وزن و أهمية الدولة التي تستضيفه حيث يسعى المغرب جاهدا ليكسبها في صفه ، ويعيد بناء علاقة الثقة معها بأسس سليمة مبنية على أواصر التعاون لا التآمر ،
ويتعلق الأمر بالسفير المغربي والسياسي المخضرم “يوسف العمراني” الذي سبق أن شغل كاتبا عاما لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون، قبل أن يتم تعيينه سنة 2018 سفيرا لديها ، والذي يؤكد باستمرار أن روابط الصداقة والنضال التي طالما جمعت المغرب والزعيم الجنوب إفريقي “”نيلسون مانديلا منذ سنوات التحرير إلى أيام حياته الأخيرة، لايمكن القفز عليها ،في وقت يحاول فيه البعض ضرب تاريخ المناضل الإفريقي بدعم مرتزقة على حساب الوحدة الافريقية التي كان ينشدها …
عذراً التعليقات مغلقة