جبار عبدالزهرة
– كاتب من العراق
ذاتَ يومٍ من أيَّام العام 2003م او 2004م لا أذكر التاريخَ حدَّثني صديقُ من أنَّه سمع أو قرأَ تصريحاً للرئيس الأمريكي في ذلك الوقت جورج دبليو بوش أو ألأبن كما تطلق عليه بعض وسائل الاعلام قال فيه :- ( أنُّه سيعمل على إدخال مظاهر الفساد وظواهره الى غرف نوم العراقيين ) 0
ويتبدَّى لي أنَّ ذاك الصديق لم يستوعبْ ذلك التصريح بشكله المطروح لا لفظيًّا ولا معنوياً ولا هدفياًّ وأعتقد أنَّ الرئيس الامريكي كان يقصد أو يريد كلَّ العرب وكلَّ المسلمين دون استثناء لأن الاسلامفوبيا والعربفوبيا كانتا تعشعشان في أعماق أهل الكتاب من اليهود والنصارى من يوم معركة خيبر الى يوم معركة ( بلاط الشهداء) او معركة ( واترلو ) كما يسميها أهل الكتاب ورغم خسارة العرب والمسلمين لتلك المعركة خسارة قاسية وفادحة0
إلا أن تلك المعركة زرعت الخوف والرعب والهلع في نفوس الاوربيين لِمَا رأوا من رباطة جأش العرب وشجاعتهم حتى على المستوى القتالي الفردي ومن آمن بدينهم من الاقوام والامم الاخرى في الثبات على عقيدتهم والدفاع عنها رغم مقتل قائدهم الشهيد عبدالرحمن الغافقي فاستمروا بالقتال افراداً وجماعاتٍ ولم ييأسوا ولم تفارقهم نخوة الأسلام وعزتَّه وشموخه حتى بعد وقوعهم في الاسر المهين فلم يستسلموا ولم يذعنوا 0
فشعار الاسلام من اجل اعلاء شأو دين الله كان ولم يزل (النصر أو الشهادة ) أي إمَّا أن ينتصرالدين ونقوم بنشره بين الناس او نموت دونه شهداء عند الله وذلك هو الفوز العظيم ووفق هذا المبدأ الاسلامي الكبير ان من يظن ان المسلمين خسروا معركة واترلوا فهو على قد كبير من الجهل المركب بعقيدة الاسلام ومبادئها العليا فالمسلم عندما يقاتل يحمل بين اعماقه هدفين إمّا الانتصار المادي في الدنيا وأمّا الانتصار الروحي في الاخرة لذلك فإن المسلم هو الرابح للمعركة في الحالتين 0
لذلك سميت هذه المعركة من قبل العرب والمسلمين للتضحيات الجسيمة التي قدموها على مستوى الدماء الغزيرة التي سفكت في ميدان المعركة وهم يقاتلون بدون قيادة تعبئهم وتسوقهم للقتال سميت (معركة بلاط الشهداء) التي خسرها العرب والمسلمون على المستوى العسكري ميدانيًّا ولكنَّهم ربحوها على مستوى التأثير العقائدي والايماني وعلى مستوى المسرح الفكري المستنير بنور هداية الاسلام والروح الثورية التي كان يحملها كل واحد منهم 0
فهي مصدر إلهام للأنسانية في كل العصور والأماكن لتلهم المظلومين والمستعبدين من قبل الغير أن ينزعوا روح الأنهزامية والأستسلام والنهوض نحو الثورة لتحصيل الحقوق المسلوبة واستعادة الكرامة المهدورة واسترجاع الشخصية المستقلة بالكرامة 0
اود هنا ان اسوق تعريفا بالفلم الذي اثار ضجة اخلاقية في الدول العربية والاسلامية لأنه يحمل ما يخالف الذوق الانساني السليم في المحافظة على العلاقات الانسانية الصحيحة ومثل الدين وقيمه العبادية من وجهة نظرهم ونظر غير المسلمين والعرب كما سنرى ذلك بين اسطر هذا المقال :- تدور قصة فيلم “باربي” حول دمية في مدينة باربيلاند، وتحمل اسم “باربي” ويتم طردها من المدينة لأنها ليست مثالية، وعلى أثر ذلك تنطلق باربي في مغامرة حول العالم، وتخوض أحداثا كثيرة من أجل إثبات جدارتها والعودة للوطن، ويعد الفيلم النسخة الحية للدمية الأكثر شهرة في العالم والتي طرحت في الأسواق لأول مرة عام 1959م وهو من انتاج واخراج امريكي0
من هنا يأتي فلم باربي ليسير على طريق الكراهية للأسلام والعمل على نسف قيمه الأخلاقية النبيلة ومبادئه الأنسانية الكريمة التي تصون للأنسان حقه في العيش الكريم في أجواء الحرية الواسعة وغير المقيدة وبين أحضان الشرف العضوي والنفسي لكي يكون الأنسان صاحب مبادئ عظيمة صافية خالية من أي كدر سلوكي يرفضه الفرد والمجتمع الأسلامي والوجود الأنساني ومن أيِّ كلام خادش للحياء الأنساني الذي هو من الخصال الحميدة عند الأنسان المستقيم والمجتمع السليم اضافة الى سعيه نحوهدم المثل الأنسانية العليا ونسف حجرها الأساس في التعاون والألفة واحترام القيم والتقاليد للغير وتجنب الأساءة إليها بأيِّ شكل من الاشكال 0
إنَّ إقدام بعض الدول العربية والأسلامية وغيرها على منع عرضه على اراضيها ينم عن حرص شديد من لدنها في المحافظة على قيمها الدينية وعاداتها الأجتماعية لأنه يروج لأفكار وسياقات سلوكية تشكل كارثة إنسانية على العلاقات السائدة في مجتمعاتها ويؤثر بشكل سلبي على ممارسة الطقوس وأساليب العبادات الدينية لديها لأنه يروج لمحتويات تطعن بالدين وشريعته وهي في الوقت ذاته مخَّلة بالشرف ومخالفة للآداب العامة تتنافى مع أخلاق الأديان العظيمة في نشر الخير والمحبة والتعاون بشكل إنساني سليم يخدم مصلحة الجميع 0
وأكثر الدول العربية التي شددت على منع عرض هذا الفلم هي لبنان على ضوء تحرّك وزير الثقافة محمد المرتضى في عدم السماح بعرض فيلم “باربي” في البلاد بسبب ترويجه للمثلية وتعارضه مع القيم الدينية للمجتمع اللبناني بمختلف طوائفه وانتماآته 0
وتوسعًا في فهم حيثيات هذه القرار فقد جاء في قرار المرتضى أن الفيلم “يخالف بمحتواه الآداب والقيم ولا سيما قيمة الأسرة، ويخالف المبادئ الوجدانية والأخلاقية والإيمانية التي تشكّل الحصن الحصين للمجتمع اللبناني”.
وبناءاً على قرار وزير الثقافة فقد تحرك وزير الداخلية اللبناني بسام مولوي ايضًا ، وأحال الفيلم إلى لجنة مراقبة أشرطة الأفلام المعدة للعرض لمراجعته وتقديم توصيات. ولجنة مراقبة أشرطة الأفلام تابعة لجهاز الأمن العام الذي يتبع بدوره وزارة الداخلية، وهو المسؤول تقليدياً عن قرارات الرقابة.
وكذلك قامت السلطات العمانية بمنع عرض فيلم باربي معللة ذلك :-.أن الفيلم ممنوع من العرض في البلاد، “بسبب احتوائه على مشاهد غير ملائمة للأطفال وتركيزه على قصص المثلية0
ومن الدول الأسلامية غير العربية التي تصدت لمنع عرض هذا الفيلم الذي يروج للتفسخ الأجتماعي والتحلل الأخلاقي جاءت دولة باكستان لتحتل الصدارة في هذا المجال حيث منعت السلطات الباكستانية عرض فيلم باربي في دور السينما بإقليم البنجاب، أكبر أقاليم البلاد، مشيرة إلى وجود محتوى مرفوض يحمله هذا الفيلم 0
وقال وزير الأعلام بإقليم البنجاب، علي نواز أوان، لــ “وكالة الأنباء الألمانية” إن: “الفيلم محظور بسبب محتوى مرفوض”.
ولم تكن الدول العربية والأسلامية لوحدها منعت عرض هذا الفيلم المنافي للذوق الأنساني السليم فهناك دول أخرى قامت بهذا الأمر ولكن على ذريعة سياسية وجغرافية ومن تلك الدول فيتنام ، وذلك بسبب مشاهد تُظهر مناطق بحر الصين الجنوبي في الفيلم، وهي مناطق نزاع بينها وبين دولة الصين وبهذا يكون هذا الفيلم واجهة خبيثة لزرع التحريض واشعال نار الخلاف السياسي واحياء معالم الفتنة الدبلوماسية بين دول العالم بسبب من تعارض مصالحها السياسية والأقتصادية وغيرها وهذا يعني من بينة ما يعنيه ان الفلم ينطوي في اجانب منه على مضامين تتوافق مع مقتضيات السياسة الخارجية الأمريكية 0
وقد تداولت مجموعة من وسائل الاعلام العربية والعالمية على أختلافها خبر منع السعودية ومصر والأمارات العربية المتحدة عرض هذا الفيلم على أنّهُ غير صحيح ولا مستساغ ولكن يمكن القول تعليقا ، بما أنَّ هذه الدول لها ثقل سياسي ومالي وديني كبير في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط وكذلك على المستوى الدولي والاليمي فانه سيكون لموقفها غير الواضح تجاه عرض فيلم باربي اثراً بالغاً على نسق العلاقات الدينية والاجتماعية في العالمين العربي والاسلامي0
وذلك لكونها دول عربية وتدين بالأسلام الذي يهاجم فيلم باربي عاداتها العربية الاصيلة العامة بطرح يحاكي فيه تهمة النعرة المتعصبة والنظرة القاصرة لمجريات تقدم العالم وتطوره في الانفتاح على دول العالم الأخرى ، كما يهاجم دينها متَّهمًا مضامينه العبادية بالأنغلاقية والتطرف في عدم التناغم مع اديان اخرى والتلاقح معها في تبادل الأفكار والثقافات والسمات الحضارية والتاريخية والأقتباس من آدابها وطروحاتها العبادية 0
عذراً التعليقات مغلقة