محمد حسن الساعدي
ما أن يذهب الوضع السياسي والأمني في العراق، نحو الاستقرار والهدوء، حتى تظهر مرة أخرى شرارة التصعيد، بألوان مختلفة وأدوات ومفاعيل مختلفة، تظهر بصورة سريعة ومفاجئة، لتعبر عن غاياتها وأهدافها في ضرب هذا الاستقرار.. على الرغم من كل الجهود التي تقوم بها حكومة السوداني، لإثبات قدرتها على النجاح، وعبور المرحلة وسط التصعيد السياسي، إلا أن هناك من يسعى إلى قلب الطاولة وضرب هذا الاستقرار، ليعيد إلى الأذهان صورة الأجواء التي سادت، في حكومتي السادة عبد المهدي والكاظمي.
قد تبدوا الصورة قاتمة غامضة لا وضوح فيها، فمسألة حرق نسخة من القران الكريم، على يد عراقي مسيحي يسعى للحصول على الجنسية السويدية،والذي كان أحد العناصر الموجودة في العراق، وجزء من القوى التي كانت تقاتل ضد داعش، تحت مسمى اللواء السرياني،وكان قريباً من قيادات سياسية، ليبعث بذلك رسالة مفادها، أن هناك من يحرك الخيوط الداخلية، وفق ما يريد ووقت ما يشاء.. هذا ما أنعكس في طريقة تعاطيه وتعامله، مع هذا الملف الحساس والمهم، والذي يلامس مشاعر ملياري مسلم في العالم . قطع العلاقات مع السويد وطرد سفيرتها، كانت قرارات قوية اتخذتها حكومة السيد السوداني،واستدعاء القائم بأعمالها في ستوكهولم، كان قراراً صائباً يعبر عن موقف رسمي، ضد هذا التجاوز على مقدسات المسلمين،بالمقابل يمثل اختباراً خطيرا لقدرة حكومة السوداني، على الحد من تأثير مفاعيل السياسة الداخلية، والتي أخذت كثيراً بجوانب السياسة العراقية، تجاه مجمل القضايا الخارجية،على حسابها وأولوياتها، المتمثلة بمتابعة العلاقة الإقليمية والدولية المتوازنة بين العراق والعالم.
السيد مقتدى الصدر دخل على خط الأزمة، في محاولة لعودتهم إلى الحياة السياسية،فمنذ اعتزاله الذي فرضه على نفسه، كان ينتظر باحثاً عن فرصة، لإعادة شعبيته وجمهوره إلى الشارع، في استعراض للقوة ضد الائتلاف الحاكم، والذي أصبح حدث حرق نسخة القرآن الكريم هو الوسيلة.. لذلك فان ردود أفعال السياسيين ومنهم الصدر، لها علاقة بالسياسة الداخلية، بقدر ما لها علاقة بدعم قدسية القرآن الكريم، وهذا دفع الحكومة العراقية للرد على، اقتحام أتباع الصدر للسفارة السويدية، بقطع العلاقات الدبلوماسية معها وطرد السفيرة، ولوقف زخم الصدر، وحرمانه من الحصول على منافع سياسية، واستغلال هذا الحدث، حول من هو المدافع الأفضل عن الدين والقرآن.
ربما مثل هذا الإجراء يهدد العلاقة مع حكومة تسمح بتدنيس القرآن الكريم، وقد يكون منحدراً زلقاً له عواقب وخيمة، على العلاقات الدولية العراقية،وربما ستجد الحكومة صعوبة في التخلص منه، حيث يحتمل حصول أحداث مماثلة، في وقت ما في دول أوربية أخرى ايضاً،وهذا الأمر سيضع السوداني باختبار صعب، في الحد من تأثير السياسة الداخلية،ولا سيما المنافسة بين السياسيين الشيعة، على أولويات السياسة الخارجية، المتمثلة في إدارة العلاقات الإقليمية والدولية المتوازنة.. كما أن رد الفعل العراقي، يعتبر أختباراً أيضاً حول قدرة حكومته، وبالتحديد القوى الأمنية في الوفاء بالتزاماتها القانونية، لحماية البعثات الدبلوماسية على النحو المنصوص عليه، في اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961.
عذراً التعليقات مغلقة