د. عماد الدين الجبوري
إنَّ القمة السنوية الخامسة عشرة لمجموعة دول “البريكس” (BIRCS)، التي انعقدت في عاصمة جنوب أفريقيا جوهانسبرغ ما بين 22-24 من الشهر الجاري، وسط تصاعد عدد الدول الراغبة بالانضمام إليها، بينها دول عربية، لتساهم أكثر في تعزيز قوة ومكانة هذه الكتلة الاقتصادية الهائلة، التي تسيطر على 17 في المئة من التجارة العالمية، وتشكل شعوبها أكثر من 40 في المئة من سكان العالم، ناهيك عن جغرافيتها الشاسعة من شرق وجنوب العالم، لتجابه سطوة دول شمال وغرب العالم، بزعامة الولايات المتحدة الأميركية.
وبعدما أنشأت المجموعة “مصرف التنمية الجديد” (NOB) في عام 2014 برأس مال قدره50 مليار دولار، ومنذ عام 2015 أقرض المصرف 33 مليار دولار لنحو 100 مشروع، وكذلك “صندوق احتياط للطوارئ” لتوفير سيولة نقدية للأعضاء الذين يواجهون ضغوطًا قصيرة الأجل في ميزان المدفوعات أو عدم استقرار العملة، بدأت المجموعة الآن بالاتجاه إلى إنشاء عملة جديدة في تعاملاتها الاقتصادية والتجارية. ومن دون شك، فإن الأهداف التي ترمي إليها المجموعة هو الخروج من هيمنة الدولرة على الأسواق العالمية من ناحية، ووجود مصرف يقابل النموذج الرأسمالي الغربي المتمثل في “المصرف الدولي” و”صندوق النقد الدولي” من ناحية أخرى. لذلك، أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتن على أن “التخلص من الدولار عملية لا رجعة فيها”. كما أكد أيضًا في هذه القمة، على أن دول المجموعة تؤيد تشكيل نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب ومتنوع الثقافة الوطنية، لكنها “تواجه معارضين لا يمكن التوفيق بينهم، ويسعون إلى إبطاء هذه العملية، وكبح تشكيل مراكز مستقلة جديدة للتنمية والنفوذ في العالم”. أمّا الرئيس الصيني فقال متفائلًا: إنَّ “توسيع المجموعة حدث تاريخي”. وعليه، فقد اتفقت المجموعة الخماسية (البرازيل والهند وروسيا والصين وجنوب أفريقيا) على التوسع وقبول أعضاء جدد.
وأشارت مجلة “ذا نَيشن” (The Nation) الأميركية، إلى أن توسع عمل مجموعة البريكس يدل على الرغبة في مواجهة أوجه القصور الخطيرة في النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة، إضافة إلى أن الإخفاقات المتعددة للنظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة في الدعم بشكل كبير لاثنين من المتطلبات الأساسية لدول الجنوب العالمي، التنمية الاقتصادية وحماية السيادة، تخلق طلبًا على هياكل بديلة لتنظيم العالم. وترى المجلة، بأن تشكّل مجموعة البريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون استجابتين رئيستين لهذه الاخفاقات.
وعلى الرغم من تقارب الأعضاء بجعل المجموعة كتلة عالمية مهمة ومستقلة، تروم إلى تمتين قوتها السياسية والاقتصادية، وهو موقف قريب الشبه بالموقف العالمي إلى “دول عدم الانحياز” في سنوات الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي الشيوعي والغربي الرأسمالي في النصف الثاني من القرن الماضي، إلا أنه يوجد تفاوت بين بعضها البعض أيضًا، فعلى سبيل المثال، تهدف كل من روسيا والصين إلى الحد من التفرد الأميركي بالعالم، بينما الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا ليست على تقاطع مع السياسة الأميركية، أو الخلاف بين مصر وأثيوبيا حول سد النهضة، الذي يهدد مصادر المياه المصرية، أو بين الإمارات وإيران حول الجزر الإماراتية الثلاث، التي ضمتها إيران، ومشكلات أخرى قد تؤثر في عملية التوافق والتنسيق في وحدة القرار الجماعي على الصعيد العالمي. لكن هذا لا يمنع من القول أيضًا، إنَّ انضمام السعودية وهي مع روسيا عضوان في مجموعة أوبك +، التي هي من كبار منتجي النفط، سيزيد أكثر من القوة الاقتصادية للبريكس. كما أن النظام الداخلي للمجموعة يسمح للأعضاء بالحفاظ على علاقاتهم الخارجية، إلا أن دول المجموعة رفضت تطبيق العقوبات الغربية على روسيا جراء حربها على أوكرانيا، ما يعني أيضًا، أن الاختلافات يمكن احتوائها، أضافة إلى أن التفاوت الموجود يكون بدرجات متغايرة، لكن الخط العام للمجموعة يبرز أهمية القومية والثقافة الوطنية في آن.
إنَّ مجموعة البريكس وقوة الجذب إليها من دول العالم الجنوبي، إنّما تسير بخطوات مدروسة في تشكّيل نظام عالمي جديد متعدد القطبيَّة، فمنذ انطلاقتها في عام 2006 إلى المؤتمر التأسيسي الأول عام 2009 وقبيل نهاية الربع الأول من القرن 21 قد حققت المجموعة تمددًا واضحًا في أرجاء المعمورة، ليس في مجابهة النظام الغربي فقط، بل في تقديم مجموعة عالمية توازي “مجموعة السبع” كونها وحدها تمثل نظامًا عالميًا ثريًا.
ومن الطبيعي أن الولايات المتحدة خاصة، وأوروبا الغربية عامة، قلقة من التنامي العالمي إلى مجموعة البريكس، وما ستشكله في المستقبل القريب من خطورة حقيقية، ستزيح النفوذ والهيمنة لدى العالم الشمالي على العالم الجنوبي. فلا غرابة من الخبراء الاقتصاديين الغربيين أن يقللوا من أهمية التوسع للبريكس، ويقول جيم أونيل، “من الناحية الاقتصادية ليست الكثير من الدول التي تتقدم بطلب للانضمام كبيرة بشكل خاص”.
وفي كل الأحوال، لا أحد بمقدوره أعاقة حركة التاريخ، أو حتى تأخيرها، لا سيما أن النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة بعيد عن تطبيق العدالة الدولية، وانتهاك مستمر إلى القوانين والأعراف الدولية، واستغلال في المحافل الدولية لتنفيذ السياسات الأميركية السلبية، وتدخلاتها العنيفة واستخدامها للقوة في تغيير الأنظمة السياسية، ما يجعل دول العالم تتجه أكثر نحو الانضمام لدول البريكس، وهي ذي من حركات التاريخ نفسه، التي تبشر بتعدد القطبية لعالم مستقر يلتزم بالقوانين الدولية ويحترم سيادات الدول.
سركول الجاف منذ سنة واحدة
احسنت وسلمت يداك دكتور لهذا التحليل يعني الغرب وامريكا في هذه الحالة باتوا اقل قوة ونفوذ