د. عماد الدين الجبوري
على الرغم من البيان الختامي لقمة مجموعة العشرين في العاصمة الهندية نيودلهي، الذي حاولت فيه دول الأعضاء أن تظهر موقفًا وسطيًا يرضي جميع الأطراف حول حرب روسيا في أوكرانيا، فقد جاءت في البيان إدانة واضحة إلى رفض “استخدام القوة” في أوكرانيا لتحقيق مكاسب ميدانية، لكن من دون ذكر صريح إلى روسيا، على عكس البيان الصادر في قمة بالي في أندونيسيا عام 2022. ونصت الفقرة الواردة بتعبير شمولي، إذ “على الدول الامتناع عن التهديد باستخدام القوة، أو استخدامها لتحقيق مكاسب ميدانية ضد وحدة الأراضي والسيادة السياسية لأي بلد”، وذلك بموجب ميثاق الأمم المتحدة. وعلى هذا الأساس، أعلن رئيس وزراء الهند ناريندا مودي أن زعماء مجموعة العشرين تجاوزوا خلافاتهم بشأن الحرب على أوكرانيا. إلا أن الأمر أعقد وأبعد من مجرد صدور بيان توافقي.
فإذا كان من المتوقع غياب الرئيس الروسي فلاديمير بوتن من الحضور إلى هذه القمة، لكنه من غير المتوقع أن يغيب الرئيس الصيني شي جين بينغ أيضًا. لا سيما أن المؤتمرات ذات الكتل الدولية يحضرها بيغ منذ توليه السلطة، ويعدّ هذا أول غياب له عن قمة دول العشرين. وهذا يعني، وجود تفاوت فعلي ما بين أعضاء المجموعة، وربما سيتسع أكثر ليس بين الصين والهند وحسب، بل بين الموقف المتقارب لروسيا مع الصين تجاه الولايات المتحدة الأميركية أيضًا. فلم يعدّ خافيًا أن هناك تنافس وتسابق بين الصين والهند في مدّ النفوذ السياسي والاقتصادي في آسيا وخارجها، إضافة إلى نزاعهما السيادي المتواصل على مناطق حدودية متداخلة فيما بينهما تُعرف باسم “خط السيطرة الفعلية”، وما يحدثه من اشتباكات مسلحة بين الجانبين. كما أن الصين ترمي إلى بسط السيطرة إقليميًا ودوليًا وإبراز دورها القيادي العالمي من ناحية، وتهدف مع روسيا إلى تهميش الثقل الأميركي في المنتديات العالمية من ناحية أخرى.
ومهما حاولت الهند تخفيف صدمة غياب الرئيسين الروسي والصيني عن القمة، بأنه “أمر عادي، ولا علاقة له ببلاده”، وفق تصريح وزير خارجيتها سوبرامانيام جايشانكارا، إلا أن أوساط هندية وغربية كشفت عن غضب وانزعاج المسؤولين وصنّاع القرار في بلدانهم. خاصة أن الرئيس الأميركي جو بايدن صرح بأنه يشعر ب”خيبة أمل” جراء الغياب. وكذلك أشار أكثر من مسؤول غربي، بأنهم “كانوا يعملون على إفساد عملنا المشترك طوال العام”. فلا غرابة من التصعيد الدبلوماسي الغربي، لأن غايتهم إحداث شرخ بين الهند والصين وروسيا ودول أخرى أعضاء في “البريكس”، تلك الكتلة العالميَّة التي تشكل خطرًا حقيقيًا على مستقبل الهيمنة الغربية على العالم.
ولكن صدور البيان الختامي بعدم ذكر إدانة روسيا في الحرب على أوكرانيا، يعدّ موقفًا جليًا للهند والسعودية واندونيسيا وباقي الدول التي تمتلك العضويتين في المجموعتين العشرين والبريكس في آن، بالرغم من أهمية مصالحها مع الغرب، لكنها لا تنظر إلى غياب الصين وروسيا على أنهم “كانوا يعملون على إفساد” القمة، بحسب الرأي الغربي. ما يعني، أن ميزان مجموعة العشرين فيه خلخلة تتأرجح، واستقراره لم يعدّ في صالح كفة الغرب وحده، وإنّما لكفة الشرق ثقل يتحكم في الموازنة الفعلية، وهذا بحد ذاته يعدّ هدفًا ضمنيًا يسعى إليه أعضاء دول البريكس ضمن عضويتهم في دول العشرين، وذلك في تعدد القطبيَّة في ميزان العالم من أجل توازنه واستقراره، وما فقرة البيان الختامي للقمة حول الحرب في أوكرانيا، إلا دليل ساطع لصالح الشرق لا الغرب.
عذراً التعليقات مغلقة