العراق والعسكرة الأميركية.. إلى أين؟

آخر تحديث : الجمعة 22 سبتمبر 2023 - 6:09 مساءً
 العراق والعسكرة الأميركية.. إلى أين؟

د. عماد الدين الجبوري

عندما بدأت الحلقة الجديدة في سلسلة التحرك العسكري الأميركي، قبل شهر من الآن، داخل العراق وفي منطقة الشرق الأوسط، ومع أن تصريحات المسؤولين الأميركيين تنص على ضرورة الحفاظ على حرية الملاحة الدولية في مياه الخليج العربي، إلا أن التحليلات والتوقعات في أوساط المراقبين تضاربت عما سيترتب على هذه الأساطيل البحرية والقوات البرية، والتصور الغالب بأنه تحرك أميركي تجاه استفحال تمدد إيران نحو بحر الأبيض المتوسط عبر خط طهران بغداد دمشق بيروت، وكذلك إلى باب المندب في البحر الأحمر من خلال الحوثيين في اليمن، وبما أن العراق أهم رابط في هذا المشروع الإيراني من ناحية، وأن عفونة الطبقة السياسية فيه يجب معالجتها من ناحية أخرى.

وهكذا تحركت أرتال الآليات الأميركية على منافد الحدود العراقية السورية، وكذلك على منافذ ومواقع شيدتها “قوات الحشد الشعبي” الموالي لإيران، التي رضخت صاغرة وتراجعت مذعنة للأوامر الأميركية، ومع حركات أرتال عسكرية أميركية في مناطق عراقية أخرى، يوحي المشهد العام على أنها تجري ضمن عملية عسكرية كبيرة. وبذلك، تصاعدت وتيرة الذين ما زالوا يظنون أن الولايات المتحدة جاءت لتصحيح أخطائها، وأن تعيد الأمور إلى نصابها بإزاحة الطبقة السياسية الفاسدة والمجرمة، وذلك ليس حرصًا على العراق وشعبه، بقدر ما هو حذر أميركي من انفجار ثورة عارمة أخرى، لا سيما أن حرارة دماء ثورة تشرين ما زالت جذوتها متقدة، وأن القوى الوطنية كافة ثابتة على موقفها بتحرير الوطن، وتحقيق سيادته بالكامل. وذهب البعض في تفاؤله إلى مدى أبعد، معتقدين هذه المرة بأن التغيير قادم لا مناص منه، وأن تحجيم إيران قد حانت ساعتها، ومحاسبة كل مَن أجرم بحق العراق وشعبه، ووسط الضخ الإعلامي بأن الضربة باتت وشيكة، لعبت إيران دورها بطلب مواطنيها العودة من العراق قبل انتهاء زيارة الأربعين للإمام الحسين، مع فرقعات إعلامية ونفسية مدروسة في شدّ النفوس وشحنها بالأمل والتمني في آن، ولكن سرعان ما تبخر كل شيء، كأنه هواء في شبك لم يحصد منه أهل التمني غير الخيبة!

إنَّ الوجود العسكري الأميركي في العراق لن يزول، طالما العملية السياسية التي أوجدها المحتل الأميركي نفسه، فلا طريق للخلاص الحقيقي على أرض الواقع إلا بإسقاط هذه العملية السياسية برمتها، وكل مَن يظن أن إجراء إصلاح أو تغير قد يسعف الوضع السياسي المريض والمنحط، فهو إنَّما يلهث وراء سراب، لأن الولايات المتحدة لم تأتي لغزو العراق وتقدم آلاف هائلة بين قتيل وجريح ومعوق، وخسائر مادية باهظة، وتكاليف مالية وخسائر إجمالية بلغت ثلاثة ترليون دولار، لكي تترك العراق بيد وطنيين أحرار يخدمون وطنهم وشعبهم وأمتهم، فالأمر يرتبط بالصهيونية العالمية، وعقيدة إسرائيلية تؤمن بأن تدمير العراق، كما جرى له في تدمير بابل، أمرٌ لا بدّ منه لكيلا يخرج منها من يحرر فلسطين ثانيةً. وإذًا، فإنَّ الحقيقة الخفية لا تتصل بالسياسة ظاهريًا، لكي نقول إنَّ الحوار والمرونة شيءٌ مقبول في تحقيق هدف التحرير، فهذا وهم لن نجني منه غير الدوران في ميدان بلا مخرج. 

ولكي نكون واقعيين أيضًا، فإنَّ القوى الوطنية العراقية اليوم ليست كما كانت عليه بالأمس، فخلال 20 سنة الماضية كلفها الشيء الكثير، بالأنفس والأموال والسلاح، وهي وحدها بالساحة الجهادية، ورحل واستشهد رؤوس كبيرة، وما زالت للآن بلا عون أو سند خارجي من دولة عربية أو مسلمة، وهذا يرتبط بالضغط الأميركي في جر الدول العربية نحو التطبيع مع إسرائيل، وما “البوابة العالميَّة” إلا مشروع متقدم على “اتفاقات إبراهام” بدمج إسرائيل في المحيط العربي، خاصة وجود أنظمة سياسية عربية تتقبل هذا التطبيع مع العدو الصهيوني، بغض النظر عن أسبابها ومبرراتها. 

صفوة القول، إنَّ الوجود العسكري الأميركي في العراق سيستمر وفق الزمن المنظور، وبما أن المقاومة العراقية خلال ثماني سنوات ونيف من الأشهر ما بين (2003-2011) قد حققت هدفها بطرد قوات الاحتلال الأميركي وحلفائها، فإنَّ مسيرة الكفاح على طريق التحرير توجب، في أقل تقدير، استخدام وتوظيف كل الأساليب المتاحة بالبرهنة على أن الوجود العسكري الأميركي لا مستقبل له على أرض الرافدين، ومهما حاول في حماية ودعم السلطة السقيمة التي أوجدها، فلن يجني غير الفشل، ومن بين الأدلة الجلية رفض الشعب العراقي المتواصل عبر التظاهرات والاعتصامات وما جرى من ثورات. وعليه، فإنَّ الوجود العسكري الأميركي في العراق، ستكون نتيجته مثل النتيجة التي كان عليها الوجود العسكري البريطاني، وهذه حقيقة يشهد عليها تاريخ العراق المعاصر، ناهيك بالكلام عن حقائق تاريخه العريق.     

رابط مختصر

التعليقات تعليقان

  • علي ابو سليم الحلي- بغداد

    الى متى نبقى لا نرى الحقيقة، العراق بلد لا قيمة له الا من خلال علاقات دولية تنتشله من الحضيض، الجهل والتخلف وتراجع القيم في اعلى درجة ، نتمنى ان يكون الامريكي قريب منا لكي يساعدنا على التخلص من الحالة الايرانية والتركية. لا تقول البديل وطني ، هذي مسخرة شفنا الوطني اللي صدع روسنا .

  • ابو عامر عدو صدام حسين- تركيا

    لا يوجد عراقي واحد يريد ان يكون بلده محتل، لكن لا يوجد خيارات اليوم ، وتغيير العملية السياسية لا يعني ان البلد سيأتي بشخص غبي وديكتاتور مثل صدام يستثير العواطف متوهما محاربة امريكا ويدمر ما تبقى من هذا الوطن.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com