د. عماد الدين الجبوري
بالرغم من أن إيران بدأت تحرشاتها السافرة وانتهاكاتها العدوانية تجاه العراق منذ قدوم الخميني الدّجال على طائرة الخطوط الجوية الفرنسية من مطار رواسي في ضواحي باريس متوجهًا إلى طهران لاستلام السلطة في الأول من شباط عام 1979. ومن بين تلك المستهلات العدوانية: التعرض للملاحة البحرية لحركة السفن العراقية في مياه الخليج العربي، والاختراقات المتواصلة للسلاح الجوي الإيراني داخل الأجواء العراقية، إضافة إلى التخريب والهجمات الداخلية عبر تحريك إمعاتهم في “حزب الدعوة الإسلامية” وغيرهم من السفلة المأجورين، بتفجيرات طالت بنايات حكومية في وزارة التخطيط، وزارة الإعلام، وكالة الأنباء العراقية، مكتب الخطوط الجوية العراقية، ضرب التجمعات الطلابية في جامعة المستنصرية، وغيرها من الأعمال الإرهابية والتخريبية.
إلا أن العمل العدواني الميداني المباشر الذي شنته القوات الإيرانية بهجوم واسع على الأراضي العراقية، بدأ فعليًا في 4 أيلول 1980، إذ تمت مهاجمة المواقع العسكرية والقصبات والقرى الحدودية بالمدفعية والقصف الجوي واستخدام الأسلحة المتوسطة. ونتيجة إلى هذا العدوان الشائن، راح ضحيته عددًا من مقاتلي الجيش العراقي، وبعض من الأبرياء المدنيين الآمنين. وكانت حكمة القيادة العراقية، كالعادة، أن تتجه صوب المحافل الدولية بالمذكرات الرسمية والمناشدات الإنسانية وتقديم الوثائق الدامغة، التي تكشف وتثبت شرور النظام الإيراني وأطماعه التوسعية في العراق.
وبما أن نظام الملالي المسخ لم يكترث قط لتلك المناشدات الإنسانية، ولم يبالِ للإرادة الدولية ولا لأهمية نظرة المجتمع الدولي، بل استمر بنهجه الصارخ في ما يسميها “تصدير الثورة” عبر زرع الخلايا واستخدام العنف والقوة. لذلك، كان لا بدّ للقيادة في العراق أن تتخذ قرارًا حاسمًا في رد العدوان المتكرر على الشعب والوطن بحرب دفاعية صلبة وصلدة في 22 أيلول 1988. ومع ذلك، فبعد أسبوع واحد من بداية الحرب وافق العراق على القرار الصادر من “مجلس الأمن الدولي” المطالب بوقف إطلاق النار، وما تبعها من قرارات أخرى لاحقة، إضافة إلى قبوله وتجاوبه الإيجابي إلى كل المناشدات الدولية والإقليمية من “جامعة الدول العربية” و”منظمة المؤتمر الإسلامي” و”حركة عدم الانحياز”. ولكن، بالمقابل كان النظام الإيراني متعنتًا وصلفًا تجاه لتلك القرارات والمناشدات، رافضًا الاستجابة والإذعان من أجل تحقيق السلام وحقن الدماء، بل على العكس من ذلك، كانت عمائم إيران الحاكمة بين الفينة والأخرى تزيد من موجات هجماتها البشريَّة الهائلة، ظنًا منها ستحقق هدفها المطلوب بالتغلب والتقدم في مسك الأرض داخل العراق، وجاءت نتائج جميع تلك الهجومات الدامية مشحونة بخيبة أمل مريرة، وتراجع مهين ومخزي، مصحوبة بخسائر باهظة بالأرواح وفادحة بالمعدات والآليات.
لقد كانت السنوات الثمان من أيلول 1980 إلى آب 1988 حربًا ضروسًا متواصلة المواسم، أحيا فيها العراق أمجاد القادسية الأولى، وانتصر العرب على الفرس المجوس في القادسية الثانية، التي أعترف فيها دّجالهم الخميني أنه “تجرع السم” الزعاف، معلنًا هزيمة الفرس وانكسار شوكتهم أمام أنظار العالم بأسره.
وفي لهيب تلك السنوات المستعرة، التي تعدّ أطول الحروب التي شهدها القرن 20، كانت بسالة الجيش العراقي لا حدّ لها، وإرادة المقاتلين الميامين لا صاد لها، سقوا أرض المعارك بدمائهم الزكية على طول تراب الجبهة الممتدة لأكثر من 1200 كيلومترًا، فقد سطروا الملاحم والبطولات في خوض المعارك الجهنميَّة، التي قلَّ نظيرها في تاريخ الحروب المعاصرة، حتى تناولت خططها الحربية، التي وضعتها العقلية العسكرية العراقية، الكثير من مراكز البحوث والدراسات العسكرية حول العالم.
إنَّ انتصار العراق على إيران، أعطى أملًا كبيرًا لأمة العرب بإحياء أمجادهم، التي غابت عنهم لأجيال كثيرة، وما الحرب الأميركية الأطلسية الفارسية الصهيونية في غزو العراق عام 2003، إلا حقدًا وغيضًا في تدمير العراق وسحق شعبه الغيارى، وانتقامًا أصفرًا للنيل من عظمته الأبية. وبما أن حقائق التاريخ تشهد على أن العراق “رمح الله على الأرض”، ذلك الرمح الإلهي الثابت عبر التاريخ التليد، لذا مهما اشتدت عليه المحن والمنايا والرزايا من أعدائه ومن الحاقدين، فإنّه لا ينكسر ويعود بريقه شامخًا عاليًا، كما كان في سابق عهوده الماضية باسقًا وصارمًا.
عذراً التعليقات مغلقة