قواعد جزئية لهندسة الخيال
مصطفى ملح
شاعر من المغرب
1
الاِسْتِعارَةُ لَيْسَتِ الحَلَّ الوَحيدَ لِنَكْتُبَ الأَشْعارَ. توجَدُ – إِنْ تَرَيَّثْنا – حُلولٌ غَيْرُ تَقْليدِيَّةٍ. مَثَلاً: تَسَلُّقُ حائِطٍ عالٍ، أَوِ اسْتِدْراجُ أَطْفالٍ لِرَسْمِ حَمامَةٍ، أَوْ فَتْحُ نافِذَةٍ لِطَرْدِ ذُبابَةٍ. ما كُنْتُ عَبْداً لاسْتِعاراتٍ مُحَنَّطَةِ الرُّؤى؛ سَأَعيشُ فَلاّحاً يُرَبّي الخَيْلَ والأَنْعامَ، لا مَلِكاً يَنامُ مُكَفَّناً بِمَدافِنِ الفِرْعَوْنِ..
2
لَيْسَ الشِّعْرُ تَشْبيهاً ولَيْسَ كِنايَةً.. يَكْفي لِتَكْتُبَ أَنْ تَكونَ مُهَذَّباً كَيَمامَةٍ، ومُنَظَّماً كَفَطيرَةٍ شامِيَّةٍ، وتَقولَ يَوْمِيّاً صَباحُ الخَيْرِ للجيرانِ.. لَسْتَ مُطالَباً أَبَداً، بِمِعْراجِ الحَواسِّ إلى حَدائِقِ بابل أو عَرْشِ كِسْرى.. أَوْ مَدائِنِ قَيْصَرٍ.
3
إِنْ كانَ غَيْرُكَ لا يُجيدُ سِوى احْتِضانِ البُنْدُقِيَّةِ، كُنْ بِدائِيّاً بَسيطاً، لا يُجيدُ سِوى احْتِضانِ الزَّهْرِ، ساعَتَئِذٍ تَأَكَّدْ دونَما رَيْبٍ، بِأَنَّكَ شاعِرٌ!
4
بِدونِ تَوَتُّرٍ لا يولَدُ المَعْنى سَليماً، طالَما انْبَثَقَتْ بِرَأْسٍ فِكْرَةٌ سَطْحِيَّةٌ، فَبِدونِ أَيِّ تَوَتُّرٍ، لا يَنْجَحُ التَّفْكيرُ في إِرْسائِهِ نَسَقاً سَميكاً، دونَما شَرْخٍ ولا عَطَبٍ. جَليدُ القُطْبِ يَجْعَلُ ناقَةَ الأَعْرابِ بِطْريقاً، شُموسُ الشَّرْقِ تَجْعَلُ مِنْ بَطاريقٍ جِمالاً.
5
كُنْ لَهيباً في تَوَتُّرِكَ المُضيءِ، ولا تَكُنْ ثَلْجاً بِأَرْضٍ لا شُموسَ بِها. تَوَتُّرُ نَبْلَةٍ بِيَدِ المُحارِبِ، لا تُقارَنُ مُطْلَقاً بِسُكونِها بِيَدِ الجَبانِ. سَكينَةُ المَعْنى مُؤَشِّرُ مَوْتِهِ، وتَوَتُّرُ المَعْنى وِلادَتُهُ..
6
الصّورَةُ الشِّعْرِيَّةُ امْرَأَةٌ يُقالُ لَها نَعَمْ فَتَقولُ لا. سادِيَّةٌ كَخَيالِ جَزّارٍ يَعُضُّ خَيالَ شاةٍ، غَيْرُ خاضِعَةٍ لِحُكْمِ دُوَيْلَةٍ أَوْ جاذِبِيَّةِ كَوْكَبٍ.. ما عُدْتُ نَجّاراً تُكَلِّفُهُ الحَياةُ بِصُنْعِ تابوتٍ، ولا طِفْلاً يُحَطِّمُ دَيْنَصوراً ثُمَّ يُصْلِحُهُ، ولَمْ أَكُ تاجِراً مُتَخَصِّصاً في بَيْعِ أَطْرافِ الدُّمى، لَكِنَّني ما كُنْتُ غَيْرَ أَنا، فَتىً مُتَجَرِّدٌ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ما عَدا عَطَشاً إِلَيْها، لَمْ تَكُنْ مِثْلَ النِّساءِ الأُخْرَياتِ، رَأَيْتُها فَدَنَوْتُ مِنْها. هَلْ أَموتُ الآنَ في مَلَكوتِها؟ ودَنَوْتُ أَكْثَرَ ثُمَّ أَكْثَرَ، ثُمَّ صارَتْ عالَمي، فَوَجَدْتُها سادِيَّةً كَخَيالِ جَزّارٍ يَعُضُّ خَيالَ شاةٍ.
7
صورَةً شِعْرِيَّةً كانَتْ.. يُقالُ لَها نَعَمْ فَتَقولُ لا. ما عُدْتُ نَجّاراً تُكَلِّفُهُ الحَياةُ، بِصُنْعِ تابوتٍ لِمَنْ سَيَموتُ. مُنْذُ عَرَفْتُها قالَتْ نَعَمْ. وعَلِمْتُ أَنّي سَوْفَ أُصْبِحُ شاعِراً!
8
لِصِناعَةِ تَشْبيهٍ لا بَأْسَ بِهِ، لا بُدَّ مِنَ الشَّبَهِ المَكْمولِ بِهِ طَرَفا التَّشْبيهِ: أَنا مَثَلاً قَدْ أُشْبِهُ لَوْحاً مَكْسوراً، في نافِذَةٍ أَوْ بابٍ أَوْ صُنْدوقٍ مِنْ خَشَبٍ، وحَبيبَةُ قَلْبي تُشْبِهُ نَوْرَسَةً في شَطٍّ، مُخْتَلِفانِ كَما يَبْدو، لَكِنَّ الكَسْرَ الواضِحَ يَجْمَعُنا، فأَنا لَوْحٌ مَكْسورٌ، وهْيَ بِلا شَكٍّ لَيْسَتْ أُنْثى بَجَعٍ، بَلْ مَوْجاً مَكْسوراً..
القصيدة خاصة لصحيفة قريش – ملحق ثقافات وآداب – لندن
عذراً التعليقات مغلقة