د. عماد الدين الجبوري
مع أن حرب تشرين الثانية بين “المقاومة الفلسطينية” و”العدو الصهيوني” في مستهل أسبوعها الثاني، لكن صدمتها العنيفة التي زلزلت الكيان الإسرائيلي وافقدت دولة الاحتلال زمام الأمور لنحو 48 ساعة، أعترف بفشله في قراءة إشارات استخبارية خارجية قبيل الهجوم المباغت، الذي جاء على نمط حرب تشرين الأولى عام 1973.
وفي هذا الصدد، قال المتحدث باسم “الجيش الإسرائيلي” دانيال هنغاري: “كانت هناك علامات ظهرت في الساعات السابقة للهجوم، وكانت مبنية على معلومات استخبارية، لكن لم يكن لدينا أي فهم لتحرك بهذا الحجم”. وبحسب قول رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي مايكل ماكول: “أعرف أن مصر حذرت إسرائيل قبل الهجوم بثلاثة أيام، ولا أعرف كيف أخطأنا وأخطأت إسرائيل”. أمّا رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي بن كاردن فكان أكثر دقة، وقال: بأن “مدير المخابرات المصرية اللواء عباس كامل قدّم معلومات للمخابرات الإسرائيلية قبل ثلاثة أيام من الهجوم”. كما قال النائب الأميركي ديفيد كوستوف: “لقد خذلتنا استخباراتنا، من المؤكد أن الاستخبارات الإسرائيلية فشلت، لكن استخباراتنا فشلت أيضًا”.
وهذا يعني، أن قيادات ومقاتلي المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة تمكنت على مدى أشهر من الإعداد والتهيئة، ثم التنفيذ في عملية “طوفان الأقصى” وفق سرية تامة مع التمويه والمخادعة، فحققت نجاحًا باهرًا سحقت فيه خطوط العدو الصهيوني في غلاف غزة، وأثخنت فيه القتل والإصابات والأسر بشكل لم يشهده العدو المحتل على الإطلاق في سلسلة حروبه ضد العرب منذ العام 1948. إذ بلغت خسائره البشرية 1300 قتيل، ونحو 3.400 مصاب، لحد كتابة هذه السطور، وأسرى ما زال عددهم غير معلن من طرف المقاومة. فأبطال المقاومة توغلوا في عمق الأراضي المحتلة واشتبكوا مع قوات الاحتلال في مراكزه وقواعده العسكرية، إضافة إلى المستوطنات الصهيونية.
إنَّ الفشل الاستخباري الإسرائيلي الذي شمل الفشل الاستخباري الأميركي أيضًا، لهي دالة قوية على أن المقاومة الفلسطينية بالرغم من محدودية حجمها الاستخباري الدولي، لكنها استطاعت أن تبرهن جدارتها وقدرتها بالحفاظ على السرية والكتمان من دون أي خلل أو تسريب أو أختراق، وهذا بدوره يدل على أن الثقة العالية والإيمان الراسخ للقيادات والمقاتلين مع بعضهم البعض.
وهكذا مزقت المقاومة الفلسطينية صورة الأجهزة الأمنية والاستخبارية الإسرائيلية في “الموساد” و”الشين” وغيرها، لا سيما أن الموساد الذي تمكن من إحباط الكثير من المخططات في الضفة الغربية، ونفذ العديد من الاغتيالات لقادة سياسيين وعسكريين فلسطينيين في الداخل والخارج. وعليه، فإن هالة الغموض والهيبة التي صنعتها لنفسها الإحهزة الاستخبارية الصهيونية قد عرّتها عملية “طوفان الأقصى” إيما تعرية، بل وأثارت الشك حول سمعتها التي نسجتها لنفسها على المستوى العالمي، إذ تقزمت واختلت تجاه عزيمة وإرادة مقاومين يتميزون بالحزم والثبات، والتطور القتالي الذاتي في آن.
إنَّ الفشل الإسرائيلي أقرّه الكثير من المسؤولين الصهاينة منهم مستشارون أمنيون سابقون مثل، ياكوف أميدرور وإيال هولاتا. الأول قال: “هذا فشل كبير”. والآخر قال: “لقد كانوا يخططون لهذا منذ وقت طويل”، ومن “الواضح أن هذا هجوم منسق للغاية، وللأسف تمكنوا من مفاجأتنا تكتيكيًا وتسببوا في أضرار مدمرة”. وكذلك قول كبير المتحدثين العسكريين دانيل هاغاري: بأن “الجيش مدين للشعب بتفسير”.
صفوة القول، إنَّ المقاومة الفلسطينية التي أبقت خطتها لفترة أشهر عدة في طي الكتمان، تُعدّ أحد أهم عوامل النجاح على العدو الصهيوني المحتل، وما شراسة الهجوم الواسع برًا وبحرًا وجوًا إلا قوة متراصة في أطرافها كافة، الأمنية والعسكرية والتقنية والمخادعة. كما أن إستمرار المقاومة في الهجوم والاشتباك والقصف الصاروخي المتواصل للأسبوع الثاني على التوالي، وإلحاق خسائر هائلة بالعدو المحتل منها، إسقاط وتدمير كلي إلى مروحية تحمل 50 جنديًا صهيونيًا، إلا منعطفًا جديدًا له أبعاده وتأثيراته على الواقع الفلسطيني وفي المنطقة العربية في آن. وكذلك على مستوى السياسة الدولية، وما تصريحات الرئيس الروسي فلادمير بوتين، والموقف الصيني، إلا تأكيدًا على تطبيق القانون الدولي، الذي تستهتر به إسرائيل وبدعم من الولايات المتحدة وعموم دول الغرب. وما زالت الساعات والأيام القادمة حبلى بالمفاجآت.
عذراً التعليقات مغلقة