الدعم الغربي لإسرائيل و “مأزق” القانون الدولي

آخر تحديث : السبت 14 أكتوبر 2023 - 8:16 مساءً
 الدعم الغربي لإسرائيل و “مأزق” القانون الدولي

د انور بنيعيش

كاتب من المغرب

بعد عملية “طوفان الأقصى” التي زلزلت ثقة الكيان الإسرائيلي المحتل في أجهزته الأمنية وأربكت حساباته الدفاعية، سارعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى الإعلان عن تضامنها اللامشروط مع إسرائيل، وبادرت إلى التعبير عن نيتها في إرسال حاملة طائرة إلى الشرق الأوسط، وتزويد الدول الإسرائيلية بالذخيرة والأسلحة دونما إشارة إلى الطرف الفلسطيني الذي يتعرض لعمليات انتقام وحشية حصد أثناءه الجيش الإسرائيلي الأخضر واليابس مغيرا المعالم العمرانية للمنطقة بنسف مربعات وأحياء بأكملها وتسويتها بالأرض، وضربت الدولة العبرية الحصار التام على قطاع غزة ومدنييها بقطع الإمدادات من الماء والكهرباء والغذاء لتتحول من أكبر سجن في العالم إلى أكبر جريمة إنسانية ترتكب في حق مدنيين يُمارس عليهم العقاب الجماعي الممنهج بغض النظر عن حجم الضربة التي تلقتها إسرائيل من المقاومة الفلسطينية.

ورغم تنديدات بعض المسؤولين الدوليين بالحصار المضاعف المضروب على غزة في شكل انتقامي، وتحفظ دول في الإدانة المطلقة لحماس والفلسطينيين لما لأصل عملية “طوفان الأقصى” من جذور ممهدة ممثلة في التعنت الإسرائيلي والاستمرار في ممارسة الظلم التاريخي لفلسطينيي غزة بحصار المدنيين والاستفزازات المستمرة للفلسطينيين من طرف المتطرفين من المستوطنين اليهود، والجرائم الإنسانية التي ارتكبتها إسرائيل في مرات عدة بقتل الأطفال والمدنيين في عمليات تمشيط ومداهمات، فإن الولايات المتحدة الأمريكية سارعت ككل مرة إلى الوقوف إلى جانب حليفها المدلل بل واستقطبت الدول الأوروبية كفرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا في بيان مشترك لا مشروط لإسرائيل المدججة بالسلاح والتي تمتلك حسب الإحصاءات والمواقع الدولية المعترف بها جيشاً من أقوى الجيوش في العالم في مواجهة “حماس” والمقاومة الفلسطينية.

وهذا ما يجعلنا نعيد النظر في مفهوم القانون الدولي وفاعليته ما دامت أمريكا والدول الغربية لا تلجأ إلى تفعيله إلا حينما يكون مسايراً لأهوائها وتوجهاتها ومصالحها الذاتية، بينما تتجاهله تماماً ولا تعبأ به حينما يسير في منحى مخالف حتى وإن كان مُعبِّراً عن حاجات إنسانية مُلحة كالتخفيف من معاناة المدنيين بما فيهم الشيوخ والأطفال والنساء من جراء قطع جميع مقومات الحياة عن أهل غزة  من ماء وكهرباء وإمطارهم بالقنابل والصواريخ كنوع من السلوك الانتقامي الذي لا يتماشى أبداً مع المنطق الإنساني ولا القانون الدولي الذي يؤطر الصراعات ويضمن حقوق المدنيين في الحماية من الحملات الانتقامية غير المبررة، والتي تدخل في إطار إرهاب دولة لمواطنين عُزَّل بإقحامهم في صراع الهدف منه الرفع من أرقام القتلى والضحايا قصد السعي لإرضاء الرأي العام الداخلي بإسرائيل.

ويبقى الأمل مرهونا ببعض التحفظات القليلة التي حالت دون تحقق إجماع في الإدانة اللامشروطة لعملية “طوفان الأقصى”، فحكومة إسرائيل اليمينية بممارستها للظلم اليومي والضغط على المدنيين وحصارهم وحرمانهم من حقوقهم وتوسيع دائرة المستوطنات وعمليات هدم المنازل وغيرها قد أدت إلى احتقان غير مسبوق وأسهم في انفجار الوضع في شكل عملية قادتها المقاومة… حيث الحل في نظر الدول المعتدلة هو في تسوية جذور الخلاف وليس في اللجوء إلى المزيد من العنف. لكن الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الغربية تأبى إلا أن تتجرد من معطفها الإنساني كلما تعلق الأمر بحليفها الشرق الأوسطي المدلل وتتناسى الضحايا من الجانب الفلسطيني وتساند ردود الأفعال الانتقامية الإسرائيلية المبالغ فيها، في حين تعود لترتدي هذا المعطف الذي لم يعد يستر شيئاً حينما يتعلق الأمر بصراعات أخرى كأوكرانيا مثلا فتتباكى على الضحايا وتُشيطِن الطرف الآخر باسم إنسانية مُفصَّلة على قياس المصالح الخاصة للغرب المركز الكوني المزعوم للحضارة وليذهب الآخرون إلى الجحيم.

ويبقى السؤال المطروح عن أصوات الدول الأخرى في المنتظم الدولي، وفاعلية مواقفها ومنها الدول العربية والإسلامية نفسها، حيث يضحي من غير المقبول أن تميل الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية الكبرى وراء حليفها الاستراتيجي كلَّ الميل في تحدٍّ سافر للقانون الدولي، ثم تُشهر سيف هذا القانون نفسه الذي نسفته في وضعيات صراع مماثلة وعلى رقاب دول أخرى برؤية مختلفة. فمتى يستعيد الغرب توازنه الأخلاقي فينظر إلى جميع القضايا من الزاوية نفسها ويحترم القانون الدولي الذي أسهم في وضعه؟ ومتى يجعل إسرائيل تتحمل مسؤولياتها الأخلاقية فيما تقوم به وتبعات ما ترتكبه من انتهاكات لحقوق المدنيين الفلسطينيين؟ 

يبدو أن يوما يتحقق فيه كل ذلك ليس بقريب. وأن الدول والمجتمعات الأخرى ومنها العربية والمسلمة يجب أن تدلو بدلوها فيما يقع دولياً، وتعيد النظر في الاعتبارات والمقاييس الغربية التي أظهرت الوقائع عبر عقود أنها لم تُبنَ على أساس أخلاقيّ متين ولم توضع يوماً لأهداف وغايات إنسانية صرفة، فتشبَّ عن الطوق وتفرض إيقاعاً جديداً من التفاعلات الدولية مع القضايا قائمة على العدالة والمساواة بين الشعوب والمجتمعات من منطق إنساني موحَّد لا يقبل التمييز ولا منح الامتيازات ولا يعترف بتضامنات لا مشروطة منحازة للقوي والظالم على حساب المظلوم.

كلمات دليلية
رابط مختصر

عذراً التعليقات مغلقة

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com