د. توفيق رفيق آلتونچي
قارئي الكريم المستقبل هو يوم غد وبعد غد وعلمه عند البارئ عز وجل. لكن مكمن “العلة” تغدو غامضا حين يختفي ما نسميه “يوم غد” في المستقبل. بناء على المطيات المتوفرة لدينا في الوقت الحاضر يمكننا رؤية المستقبل وبوضوح. لا اخفي عليكم باني شخصيا لست متفائلا بذلك المستقبل الموعود ولا ارى نفسي سوداويا متشائما، لكني بالتأكيد متشائم من السلوك الإنساني الفوضوي والمتطرف المتزايدة بتسارع في كل أنحاء العالم يوما بعد يوم.
يسمى هذا اليوم الأخير وحسب نصوص المقدسة في الديانات السماوية “يوم القيامة ” و يوم الحشر اي نهاية الحياة البشرية ولجميع الكائنات الحية في البر و البحر والجو على الثرى. تختفي النباتات والمياه والتراب على الكوكب الارضي. ليبدأ بعدها حياة روحانية في السماء وبشقيها الجهنمي وفي الجنة. هذا “اليوم” لا يمكن لأحد ان يتوقعه لان هذا اليوم في علم الغيب. لكن المعطيات المتوفرة لدينا من القرن الواحد والعشرون توضح لنا ان ذلك “اليوم الأخير” نتاج فعالية بشرية إجرامية وسيكون بأيدي بشرية كذلك. كنتيجة لتخلف عقلي ومعرفي ولفكر متخلف لأحد الأشخاص ممن لم يتطور وبقى على حاله كرمال صحراء الربع الخالي.
هذا المعتوه والمليء بالحقد والخوف والكراهية والمتطرف الذي يرى في عمله فرضا دينيا وسيمنحه الخالق الجنة مثوى. سينهي هذا المعتوه الحياة لجميع الإحياء على كوكبنا الأرضي. هذا النموذج من البشر الذي يؤمن بمبدأ ” عليا وعلى أعدائي” التي يرجح ان تكون مقولة منسوبة لشمشون الجبار وهو يحطم المعبد الذي ادى الى زوال كل شيء والقصة التوراتية التراثية للشعب اليهودي تكرر كذلك في الإنجيل. تشبه القصة في الكثير من جزئياتها كما ورد في قصة ولادة النبي يحي القرانية لكن الفرق بان شمشون الجبار كان مجرما وقاتلا. نبينا يحيى حسب الذكر الحكيم هو ابن نبي الله زكريا، ولد كمعجزة الإلهية استجابة لدعاء زكريا لله أن يرزقه الذرية الصالحة فجعل آية مولده أن لا يكلم الناس ثلاث ليال سويا، وقد كان يحيى نبيا ومن الصالحين ، كما كان بارا و تقيا عكس شمشون الجبار. وقد شهد الحق عز وجل لنبينا يحيى أنه لم يجعل له من قبل شبيها ولا مثيلا.
يظهر هذا الشمشون بين فترة واخرى ويؤدي اعماله الشريرة باسم المقدس ثم يحشر مع اخرين امثاله فى صقر انشاء الله. لا يوجد ابدا منتصر في اي حرب لا في حروب الماضي ولا سيكون هناك من منتصر في حروب المستقبل والخاسر الوحيد هو البشر والشجر وهذا الثرى الذي سمم حقد هؤلاء ترابه.
قارئي الكريم، حين تدور في اروقة وضالات قصور اسبانيا التي شيدت في فترة الحكم الإسلامي لشبه الجزيرة الليبرية ترى في كل زاويه كتب الجملة التالية:
“ولا غالب إلا الله”
هذه جملة بليغة لم يفهمها البشر لحد اليوم وبقت خالدة على الجدران بينما قائلها وكاتبها قد غادر تلك الديار قبل اكثر من دهر من الزمان.
اذا ما صدقنا بالمنجمين وان كذبهم اكثر من صدقهم. فهم كمن رمى واصاب ” رب رمية من غير رامى” اي قد يصدقون احيانا ليس لمعرفتهم بمواقع النجوم لكن حدسهم لاي واقعة كتلك الرصاصة العمياء قد تصيب احيانا. لكننا لنصدقهم على الأقل لمرة واحدة في صدقهم. اي رغم كذبهم في معرفة المستقبل الا أنهم احيانا صادقون حتى وهم يكذبون. قرأت بعض ما نشره أكاديمية كايروا للتنبؤات المستقبلية* في الجامعة قبل عقود وراعني كيف تمكن العلماء من سرد توقعات علمية لما نحن عليه اليوم من تقدم تقني وعلمي ومعلوماتي.
العملية مجرد قراءه علمية لمعطيات وإحصائيات حسابية و تخزين تلك المعلومات في الكومبيوتر وباستخدام برامج خاصة يمكن التوصل الى استنتاجات لما قد يحصل في المستقبل و قريبة جدا للواقع. هذه الطريقة تستخدم في علم الجريمة وذلك بدراسة سلوك المجرمين وبيئتهم ونفسيتهم وأماكن وأوقات تواجدهم وتخمين ما سوف يقومون به من الخطوات تلك الدراسة تكون أساسا لاي عمل تنفيذي يوجه فيه الشرطة جهوده من اجل حماية المجتمع من فعاليات الإجرامية. اي يتوقع المحلل الجنائي ان في الساعة الفلانية وفي مكان معين وتاريخ معين سوف يقوم احدهم بجريمة ما. هذا التوقع مبني على معطيات ودراسة تعود الى سنوات وكما ذكرت إحصائيات الجريمة. حين يحضر المجرم الى مكان الجريمة يرى بان الشرطة سبقته الى ذلك المكان. اذن الموضوع علمي وقائي بحت وليس حدسا او تنجيما نتوقع حدوث شيئ غيبي.
العالم قد ينتهي حين يكون بإمكان احد المتطرفين ممن يمتلكون الثروات او السلطة الحصول على قنبلة نووية متطورة او جرثومية او حتى كيمياوية سامة وقد يحصل ذلك بعد الف عام من الان او في أي يوم من الأيام. اليوم هناك صراع مستديم من قبل العديد من الدول للحصول على تلك الأسلحة واستخدامها كما حل في العراق وفي مدينة حلبجة الشهيدة حين قصفت بالأسلحة الكيماوية خلال الحرب الإيرانية العراقية وكانت من نتائجها إعلان وقف إطلاق النار وانتهاء الحرب كما حصل قبلها مع قنبلة هيروشيما و نكازاكي في اليابان وأدت الى انهاء الحرب العالمية الثانية. هذا ليس تنجيما بل واقع يمكن معرفته مما يقوم به امثال الدكتاتور ادولف هتلر وآخرون ممن يسيرون على نهجه ولا يوجد مستقبل للبشرية بوجود أمثاله من المتطرفين. ان استخدام السلاح المتطور وصل الى درجات متطورة اليوم من الغاز السام الذي بدا استخدامه في الحربين العالميين بالإضافة الى القنبلة النووية وضرب أهداف معينة قد يؤدي الى زوال مدن بسكانها في دقائق كما هي ضرب السدود مثلا.
المستقبل ليس غامضا بل ينيرها اليوم وغدا وبعد الألف من السنين الكلمات الخالدة والتي خطها ذلك العبقري على جدران بيوت وقصور الأندلس قبل دهر من الزمان.
“ولا غالب الا الله”
الأندلس
٢٠٢٣
إشارات:
لفهم اعمال شمشون الجبار راجع القصة التوراتية.
(*)
https://www.kairosfuture.com/se/academy/
“وَلا غالِبَ إِلَّا الله” شعار الموحدين الذي أصبح يُنقش على الأعلام بعد الانتصار الكاسح ليعقوب المنصور في معركة الأرك يوم 9 شعبان 591 هـ الموافق ل 18 يوليو 1195 م. وتيمّنا بالموحّدين، وبانتصارهم في ذلك اليوم تبنى بني الأحمر في الأندلس هذا الشعار، باعتبار أنّهم ورثة الموحدين، نرى الشعار اليوم في زخرفة جدران القصر الحمراء في غرناطة وفي اشبيلية ومدينة الزهراء وفي معظم القصور الإسلامية في الشبه الجزيرة الليبري (البرتغال و اسبانيا).
عذراً التعليقات مغلقة