د.محمد عياش
– كاتب وباحث فلسطيني
مع ازدياد عدد الشهداء والجرحى ، واستمرار القصف الصهيوني المكثف والشامل«carpet bombing» ، وانسداد الأمل بوقف الآلة العسكرية الصهيونية التي أوغلت بالدماء البريئة ، وعجزها عن إحراز أي إنجاز عسكري ، تنشغل الإدارة الأمريكية بحيثيات اليوم التالي بعد القضاء على حركة حماس .
إن المشاهد المروعة التي يراها العالم من هدم البيوت على رؤوس ساكنيها في رابعة النهار وديجور الظلام ، وانقطاع تام لكافة الخدمات والمستلزمات الإنسانية ، تؤكد إن إسرائيل ماضية في حربها لإحداث التغيير الجذري في قطاع غزة ، وتحت عنوان ، حرب وجود لا حدود . متنكرة للحقوق الفلسطينية المشروعة ، وهذا ما صرح به الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيرس عندما قال ابحثوا عن دوافع الهجوم على غلاف غزة في اليوم السابع من تشرين الأول .
تصريحات غوتيرس تنطوي على الاعتراف بالحقوق الفلسطينية المسلوبة ، ورفضه لسياسة الحصار المستمرة لأكثر من سبعة عشر عاما ً ، والعالم لم ينبس ببنت شفة . فبدلا ً من سياسة العقاب الجماعي وشيطنة المقاومة الفلسطينية ووصفها بتنظيم الدولة الإرهابي ( داعش ) كان من الأجدى الدعوى لمؤتمر دولي يبحث في تداعيات الحصار وكيفية إنهائه ، لأن المقاومة لم تذهب بالمظلات لجزيرة قبرص لتفعل ما فعلته بالمغتصبين .
وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية أنطوني بلينكن ، يصول ويجول بين العواصم العربي والإسلامية ، يسوق فيما يبدو عن الإدارة الجديدة للقطاع بعد القضاء كما أسلفنا على حماس ، وكأن واشنطن حسمت المعركة لصالح الكيان الصهيوني ، واستبقت الأحداث .. مع العلم أن الرئيس الفلسطيني قالها لا يمكن تسلم السلطة في غزة إلا بعد حل سياسي شامل ، وهذا هو بيت القصيد أو عودة إلى المربع الأول وكأنك يازيد ما غزيت .
قبل أن يرّوج بلينكن للحلول في غزة ، عليه أن يراقب تصرفات وسلوك قادة العدو الصهيوني ، فوزير ‘‘ التراث الإسرائيلي ’’ عميحاي إلياهو يدعو نتنياهو بإلقاء قنبلة نووية على قطاع غزة وقتل أكثر من مليونين ونصف إنسان ! هذا التصريح يدل على حالة الاستعصاء بالكابينت الصهيوني وفشله لهذه اللحظة بكسر الإرادة الفلسطينية .
أما عن الحديث عن الحلول والتي برز من خلالها عدة مقترحات منها ، تسليم السلطة الفلسطينية القطاع وأخذ دورها ، كما تأخذه في الضفة الغربية ، والثاني ، بقوة عربية تنتشر على الحدود ، والثالث جماعة الكمبرادور بقيادة سلام فياض رئيس الحكومة الفلسطينية الأسبق ورابع وخامس … فكلها باعتقادي تخبط بتخبط لأن الأمر الضروري والمُلح هو وقف العدوان الصهيوني ووقف جرائمه .
رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الفلسطينية ، إسماعيل هنية ، أعلن عن قبول حل الدولتين ، وبذلك قد تكون مناورة سياسية لن ولم تقبل بها إسرائيل بالمطلق ، لأن فرصتها التاريخية لإخراج قطاع غزة من دائرة الخطر ، وبالتالي فإن الطريق يبقى مفتوح على مصراعيه لاستكمال القضم والابتلاع لكامل التراب الفلسطيني .
واشنطن أيضا ً وجدت بهذه الأزمة ضالتها ، لأنها تريد أن تبعث برسائل عبر إسرائيل للعالم ، لأن معظم دول الشرق الأوسط قد غيرت سياساتها وعلاقاتها , بل وذهبت أبعد بالتحالف مع روسيا والصين ، فكان لا بد من إرسال البوارج ( حاملة الطائرات ) والغواصات النووية إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط ، والهدف حماية الكيان “الصهيوني” بالدرجة الأولى ، وتهديد الدول التي ترى من واجبها التدخل لمنع تصفية القضية الفلسطينية ، فـ «إسرائيل» تمثل للرئيس الأمريكي جو بايدن والرؤساء المتعاقبون بـ «الكنز الحقيقي» و«الاستثمار الأكبر» ، وهي قاعدة متقدمة لواشنطن بالشرق الأوسط .
حقيقة يجب عدم إغفالها أو التغافل عنها ، وهي أن رئيس الوزراء الأسبق اسحاق رابين عبر عنها أفضل تعبير ، عندما تمنى أن يستيقظ يوما ً ما ويقولون له غزة ابتلعها البحر ، وشارون أيضا ً شكّلت له هاجسا وانسحب منها فارا ً مذعورا ً تاركا ً وراءه ذيول الخيبة . حقيقة الصمود الأسطوري والاستعداد النفسي لتقبل حجم وهول التضحيات ، حتى صحف الصهيوني بدأت تمدح الصبر والمصابرة لسكان غزة قاطبة ، وبالتالي فإن الحل الوحيد هو التعقل الغربي والصهيوني بترك البلاد لأصحابها الأصليين ، والعودة للدول التي جاؤوا منها ، فهذه الأرض تأبى أن يعيش عليها الغريب ، وتذكروا أن الفلسطيني بدأ بالحجر والملوتوف وهو الآن أسلحة متنوعة ومنظومة صواريخ تتطور وفق اللحظة والحاجة استطاع من خلالها أن يدخل الرعب والذعر في صفوف العدو ومستوطنيه .
عذراً التعليقات مغلقة