د. عماد الدين الجبوري
كاتب مقيم في لندن
بعد الهدنة المؤقتة لمدة ستة أيام، باشرت دولة الاحتلال الإسرائيلي بالقصف الجوي والمدفعي على قطاع غزة، وعلى نمط الثماني أسابيع الماضية باستهداف المدنيين، الأطفال والنساء خاصةً، وتدمير مناحي الحياة عامةً، وبشكل جنوني غير مسبوق على الإطلاق، إذ بلغ عدد الضحايا والمصابين أكثر من 55 ألف شخص، نحو ثلثهم من الشهداء. فلماذا هذا السعير الدموي المتواصل؟ ولماذا يساند زعماء الغرب هذه الحرب؟
بالرغم من الوعي العالمي، لا سيما في داخل العالم الغربي ذاته، الذي صار مُدركًا أكثر من أي وقتٍ مضى حقيقة إسرائيل وعقيدتها الصهيونية العنصرية، التي فاقت فيها النازية والفاشية، يبقى السؤال الأهم وعلامة الاستفهام الأكبر عن السبب الرئيس أو الأسباب الجوهرية الدافعة بالاستمرار في حرب الإبادة الفلسطينية الجارية في قطاع غزة.
وبغض النظر عن المواجهات الحربية التقليدية السابقة ما بين “المقاومة الفلسطينية” و”الكيان الصهيوني”، إلا أن هذه الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وردّ الفعل الجنوني للصهاينة خارج نطاق الإنسانية والقانون الدولي يوحي بأن الأمر لا ينحصر في السياق التقليدي بين الطرفين، بل يتعداه إلى ما هو أبعد وأكثر خطورة عمّا جرى في العقدين الماضيين. وبحسب المعطيات الظاهرة، يمكننا أن نفرز ثلاثة أسباب رئيسة هي كما يلي:
أولًا، إنَّ عملية “طوفان الأقصى” التي ناهزت مدتها الثلاث ساعات، حققت فيها أهدافها المطلوبة ومنها، التمكن من أختراق مقر “الوحدة 8200” المتخصصة في شؤون التجسس على منطقة الشرق الأوسط بأكمله، والقبض على ضابطين خبراء بالتجسس السيبرالي، مع جنود آخرين، وأخذوا جميع أجهزة الحواسيب، وكل الوثائق والمستندات ذات المعلومات الاستخبارية البالغة السرية ليس بما يخص قطاع غزة وحسب، بل في المنطقة العربية والإقليمية أيضًا. كما تم اقتحام “قاعدة نسرين” العسكرية، التي فيها قيادة القطاع الجنوبي، والاستحواذ على أجهزة الحواسيب بما تحتويه من خطط عسكرية ومعلومات سرية، وما يتعلق بالطوارئ البديلة.
ثانيًا، إنَّ سياسة التمدد الاستيطاني الإسرائيلي بقضم الأراضي الفلسطينية وصلت إلى منعطف خطير بعد اكتشاف مخزون الغاز الهائل في الجانب البحري لغزة، ما دفع بالكيان الصهيوني إلى التسريع بالإبادة البشرية والتدمير الكلي والجزئي لكثير من المناطق السكنية، والضغط الرهيب على الغزيين بالتهجير القسري إلى خارج القطاع، والسعي العسكري بالعودة للسيطرة المباشرة على قطاع غزة، من أجل بسط يدها على تلك الثروة المعدنية.
ثالثًا، إنَّ مشروع الممر الاقتصادي القاري الذي طرحته الولايات المتحدة في مؤتمر قمة العشرين في نيو دلهي، الهادف إلى ربط الهند بأوروبا عبر الإمارات والسعودية والأردن ثم إسرائيل، والعقبة في تنفيذ هذا المشروع هي المقاومة الفلسطينية. ولذلك، شاهد العالم كيف أن نتنياهو ووزير دفاعه كررا قولهما، بأن الحرب لن تتوقف إلا بإزالة السلاح من غزة نهائيًا.
ومن الواضح أن المقاومة الفلسطينية بكل فصائلها قد أعدت نفسها تمام الإعداد، وبادرت بشن الهجوم المباغت بأبعاده وتوقعاته. بمعنى آخر، تقدمت المقاومة نحو عدو ها وضربته بمقتل قبل أن يتمكن هو ومن وراءه بالإقدام على إنهاء وجودها. وهكذا كسرت قوة إسرائيل المزعومة، وقبرت تمامًا دعاية جيشها الذي لا يُقهر، وحطت من تباهي مخابراتها وأمنها، بعد فقد كنز من المعلومات والوثائق والمستندات ذات السرية العالية. فلا عجب أن يهتاج الكيان الصهيوني ويصاب بالمس، ويحشد الغرب أساطيله البحرية، ويفتح مخازن السلاح ويضخ الأموال ويقف متراصًا لإنقاذ إسرائيل من فشلها الذريع. ولكن، هل بمقدور إسرائيل أن تقضي على المقاومة الفلسطينية نهائيًا؟ وهل الأسباب الآنفة الذكر تكفي لاستمرار الحرب؟ وماذا عن الوعي العالمي، والتبلور الآخذ بتشكيل القطبيَّة العالميَّة ضد الهيمنة الغربية؟ كل الأدلة الراهنة تشير إلى أستمرار الحرب، لكن لن تحقق أهدافها أو الأسباب الدافعة لاستمرارها.
عذراً التعليقات مغلقة